الباحث القرآني

الْآيَةُ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 2]. فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ: {فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} [الأعراف: 2] نَهْيٌ فِي الظَّاهِرِ، وَلَكِنَّهُ لِنَفْيِ الْحَرَجِ. وَعَجَبًا لَهُ مَعَ عَمَلٍ يَقَعُ فِي مِثْلِهِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي نَفْيَهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَنْهَى عَنْ أَشْيَاءَ وَتُوجَدُ، وَيَأْمُرُ بِأَشْيَاءَ فَلَا تُوجَدُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ حَالِهِ؛ قِيلَ لِمُحَمَّدٍ: {فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} [الأعراف: 2]، وَأُعِينَ عَلَى امْتِثَالِ النَّهْيِ بِخَلْقِ الْقُدْرَةِ لَهُ عَلَيْهِ؛ كَمَا فَعَلَ بِهِ فِي سَائِرِ التَّكْلِيفَاتِ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْحَرَجُ: هُوَ الضِّيقُ. وَقِيلَ: هُوَ الشَّكُّ. وَقِيلَ: هُوَ التَّبَرُّمُ؛ وَإِلَى الْأَوَّلِ يَرْجِعُ؛ فَإِنْ كَانَ هُوَ الشَّكُّ فَقَدْ أَنَارَ اللَّهُ فُؤَادَهُ بِالْيَقِينِ، وَإِنْ كَانَ التَّبَرُّمُ فَقَدْ حَبَّبَ اللَّهُ إلَيْهِ الدِّينَ، وَإِنْ كَانَ الضِّيقُ فَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ قَلْبَهُ بِالْعُلُومِ، وَشَرَحَ صَدْرَهُ بِالْمَعَارِفِ، وَذَلِكَ مِمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ عُلُومِ الْقُرْآنِ، وَخَفَّفَ عَلَيْهِ ثِقَلَ الْعِبَادَةِ حَتَّى جُعِلَتْ قُرَّةَ عَيْنِهِ فِي الصَّلَاةِ فَكَانَ يَقُولُ: «أَرِحْنَا بِهَا يَا بِلَالٌ». وَمِنْ تَمَامِ النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَةِ النَّشَاطُ إلَيْهَا وَالْخِفَّةُ إلَى فِعْلِهَا، وَخُصُوصًا الصُّبْحَ وَالْعِشَاءَ؛ فَهُمَا أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ حَسْبَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ حَدِيثِ: أَنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الرُّكَبِ». وَلَيْسَ يَخْلُو أَحَدٌ عَنْ وُجُودِ الثِّقَلِ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ تَكْلِيفًا، بَيْدَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَحْتَمِلُهُ وَيَخْرُجُ بِالْفِعْلِ عَنْهُ، وَالْمُنَافِقُ يُسْقِطُهُ. فَإِنْ قِيلَ وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فَالْعَاصِي إذَا أَسْقَطَهُ أَمُنَافِقٌ هُوَ؟ قُلْنَا: لَا، وَلَكِنَّهُ فَاعِلٌ فِعْلَ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ» أَيْ فَعَلَ فِعْلَ الْكُفَّارِ فِي أَحَدِ الْأَقْوَالِ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب