الباحث القرآني

فِيهَا إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ} [التوبة: 5]: فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهَا الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ الْمَعْلُومَةُ: رَجَبٌ الْفَرْدُ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ. الثَّانِي: أَنَّهَا شَوَّالٌ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ إلَى آخِرِ الْمُحَرَّمِ. الثَّالِثُ: أَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ. الرَّابِعُ: أَنَّهَا تَمَامُ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ عَهْدِهِمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ عَاهَدُوا ثُمَّ لَمْ يَنْقُضُوا. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ فَسَاقِطٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ نَشْتَغِلَ بِهِ، لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى فَسَادِهِ، وَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ. وَأَمَّا سَائِرُ الْأَقْوَالِ فَمُحْتَمَلَةٌ، إلَّا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْأَذَانُ، وَبِهِ وَقَعَ الْإِعْلَامُ، وَعَلَيْهِ تَرَتَّبَ حَلُّ الْعَقْدِ الْمُرْتَبِطِ إلَيْهِ، وَبِنَاءُ الْأَجَلِ الْمُسَمَّى عَلَيْهِ. [مَسْأَلَة قَوْله تَعَالَى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ] الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]: هَذَا اللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ مُخْتَصًّا بِكُلِّ كَافِرٍ بِاَللَّهِ، عَابِدٍ لِلْوَثَنِ فِي الْعُرْفِ، وَلَكِنَّهُ عَامٌّ فِي الْحَقِيقَةِ لِكُلِّ مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ، أَمَّا أَنَّهُ بِحُكْمِ قُوَّةِ اللَّفْظِ يَرْجِعُ تَنَاوُلُهُ إلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ الَّذِينَ كَانَ الْعَهْدُ لَهُمْ وَفِي جِنْسِهِمْ، وَيَبْقَى الْكَلَامُ فِيمَنْ كَفَرَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرُهُمْ، فَيُقْتَلُونَ بِوُجُودِ عِلَّةِ الْقَتْلِ، وَهِيَ الْإِشْرَاكُ فِيهِمْ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْبَيَانُ بِالنَّصِّ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]: عَامٌّ فِي كُلِّ مُشْرِكٍ لَكِنَّ السُّنَّةَ خَصَّتْ مِنْهُ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ قَبْلَ هَذَا مِنْ امْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ، وَرَاهِبٍ، وَحُشْوَةٍ، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَبَقِيَ تَحْتَ اللَّفْظِ مَنْ كَانَ مُحَارِبًا أَوْ مُسْتَعِدًّا لِلْحِرَابَةِ وَالْإِذَايَةِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ: اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُحَارِبُونَكُمْ. [مَسْأَلَة قَوْله تَعَالَى حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ] الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْله تَعَالَى: {حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]: هَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ؛ وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّهُ يَخُصُّ مِنْهَا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بِقَوْلِهِ فِي الْبَقَرَةِ: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 191]. وَقُرِئَ: وَلَا تَقْتُلُوهُمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. وَقَدْ قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ مِنْهُمْ ابْنُ خَطَلٍ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ». وَهَذَا نَصٌّ. قُلْنَا: هَذَا خَبَرٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا كَافِرٌ أَبَدًا، لِأَنَّ الْقِتَالَ إنَّمَا يَكُونُ لِلْكُفَّارِ، فَأَمَّا كَافِرٌ يَأْوِي إلَيْهَا فَلَا تَعْصِمُهُ وَلَا قُرَّةَ عَيْنٍ، وَلَيْسَ فِي قُوَّةِ الْحَدِيثِ وَلَا لَفْظِهِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ فِيهَا. [مَسْأَلَة قَوْله تَعَالَى وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ] الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ: {وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ} [التوبة: 5]: دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْإِسَارِ فِيهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ. [مَسْأَلَة جَوَازِ اغْتِيَالِ الْمُشْرِكِينَ قَبْلَ الدَّعْوَةِ] الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: 5]: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اغْتِيَالِهِمْ قَبْلَ الدَّعْوَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. [مَسْأَلَة فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ] الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: قَوْلُهُ: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} [التوبة: 5] الْآيَةَ إلَى: {فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} [التوبة: 5] لِمَا تَقَدَّمَ، (رَحِيمٌ) بِخَلْقِهِ فِي إمْهَالِهِمْ ثُمَّ الْمَغْفِرَةُ لَهُمْ. وَهَذَا مُبَيَّنٌ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ». فَانْتَظَمَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَاطَّرَدَا. الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: قَوْلُهُ: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} [التوبة: 5]: دَلِيلٌ صَحِيحٌ عَلَى مَا كَانَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَعَلَّقَ بِهِ عَلَى أَهْلِ الرِّدَّةِ فِي قَوْلِهِ: لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ؛ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ الْعِصْمَةَ بِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، فَتَعَلَّقَ بِهِمَا. [مَسْأَلَة تَرْكِ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَحَصْرِهِمْ وَمَنْعِهِمْ عَنْ التَّصَرُّفِ] الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: قَوْلُهُ: {فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]: وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى تَرْكِ قِتَالِهِمْ وَحَصْرِهِمْ وَمَنْعِهِمْ عَنْ التَّصَرُّفِ، وَأَلَّا يَرْصُدَ لَهُمْ غِيلَةً، وَلَا يَقْطَعَ عَلَى أَحَدٍ فَعَلَ ذَلِكَ سَبِيلُهُ. [مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَاحْصُرُوهُمْ] الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى {وَاحْصُرُوهُمْ} [التوبة: 5]: قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: امْنَعُوهُمْ عَنْ التَّصَرُّفِ إلَى بِلَادِكُمْ وَالدُّخُولِ إلَّا لِلْقَلِيلِ إلَيْكُمْ، إلَّا أَنْ تَأْذَنُوا لَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَيَدْخُلُوا إلَيْكُمْ بِأَمَانٍ مِنْكُمْ؛ فَإِنَّ الْمَحْبُوسَ تَحْتَ سُلْطَانِ الْإِذْنِ، مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حَبْسٌ وَلَا حَصْرٌ فَإِنَّ ذَلِكَ حَقِيقَتُهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب