الباحث القرآني

وقوله: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾ قال ابن عباس: ورث منه النبوة. وقال السدي: ورث نبوته. وقال مقاتل: ورث سليمان علم داود وملكه [["تفسير مقاتل" 57 ب. وهو قول ابن جرير 19/ 141.]]. وقال قتادة: كان لداود تسعة عشر ذكرًا فورث سليمان مُلْكه من بينهم ونبوته [["تنوير المقباس" 316. وأخرجه ابن أبي حاتم 9/ 2854، عن قتادة، دون ذكر العدد. وذكره الزجاج 4/ 111، ولم ينسبه. وكذا الثعلبي، 8/ 122 أ. وذكره الماوردي 4/ 198، والقرطبي 13/ 164، عن الكلبي.]]. فمعنى تخصيص سليمان بالوراثة هو هذا [[قال الماوردي 4/ 198: وإنما خص سليمان بوراثته؛ لأنها وراثة نبوة وملك، ولو كانت وراثة مال لكان جميع أولاده فيه سواء. والرافضة يخالفون هذا فيجعلون الوراثة هنا وراثة مال أيضًا، قال الطوسي: قال أصحابنا: إنه ورث المال، والعلم، وقال مخالفونا: إنه ورث العلم، لقوله -ﷺ: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث). ثم أجاب عن الحديث بقوله: والخبر المروي عن النبي -ﷺ خبر واحد لا يجوز أن يخص به عموم القرآن، ولا نسخه به."التبيان في تفسير القرآن" 8/ 82. قال ابن القيم: فلو كان الموروث هو المال لم يكن سليمان مختصًا به، وأيضًا فإن كلام الله يصان عن الإخبار بمثل هذا، فإنه بمنزلة أن يقال: مات فلان وورثه ابنه. ومن المعلوم أن كل أحد يرثه ابنه، وليس في الإخبار بمثل هذا فائدة، وأيضًا فإن ما قبل الآية وما بعدها يبين أن المراد بهذه الوراثة ورائة العلم والنبوة، لا وراثة المال، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وإنما سيق هذا لبيان فضل سليمان، وما خصه الله به من كرامته، وميراثه، وما كان لأبيه من أعلى المواهب، وهو العلم والنبوة ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾ وكذلك قول زكريا عليه الصلاة والسلام: ﴿وإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾ [مريم: 5، 6] فهذا ميراث العلم والنبوة والدعوة إلى الله، وإلا فلا يظن بنبي كريم أنه يخاف عصبته أن يرثوه ماله، فيسأل الله العظيم ولدًا يمنعهم ميراثه، ويكون أحق به منهم، وقد نزه الله أنبياءه ورسله عن هذا وأمثاله، فبعداً لمن حرف كلامه، ونسب الأنبياء إلى ما هم برآء منزهون عنه. "مفتاح دار السعادة" 67.]]. وذكر الفراء والزجاج معنى قول قتادة [["معاني القرآن" للفراء 2/ 288. و"معاني القرآن" للزجاج 4/ 111.]]. قوله: (وَقَال) أي: قال سليمان لبني إسرائيل [["تفسير مقاتل" 57 ب. أخرج ابن أبي حاتم 9/ 2855، عن الأوزاعي: الناس عندنا: أهل العلم.]] ﴿عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ﴾ [[وقد استدل قتادة بهذه الآية على أن النملة من الطير. أخرجه عبد الرزاق 2/ 79، وعنه ابن أبي حاتم 9/ 2855. وهذا ليس بلازم، قال ابن العربي فجعل الله لسليمان معجزة فهم كلام الطير، والبهائم، والحشرات، وإنما خص الطير لأجل سوق قصة الهدهد بعدها، ألا تراه كيف ذكر قصة النمل معها، وليست من الطير. أحكام القرآن 3/ 472. وزاده بيانًا في 475. قال الشوكاني 4/ 125 إنه عُلم منطق جميع الحيوانات، وإنما ذكر الطير لأنه كان جندًا من جنده يسير معه لتظليله من الشمس.]] وهذا كالتحدث من سليمان بما أنعم الله به عليه. قال الليث: كلام كل شيء منطقه، وتلا الآية [["العين" 5/ 104 (نطق)، وليس فيه ذكر الآية، وإنما ذكرها الأزهري، "تهذيب اللغة" 16/ 275.]]. وقال الأصمعي: صوت كل شيء منطقه، ونُطقُه، ومنه قولهم: مالَه صامت ولا ناطق؛ الناطق: الحيوان من الرقيق وغيره سمي ناطقًا لصوته [["تهذيب اللغة" 16/ 279 (نطق). وفيه الصامت: الذهب والفضة والجوهر.]]. قال الفراء: منطق الطير، يعني: كلام الطير، فجعله كمنطق الرجل إذ فُهِم، وأنشد لحميد بن ثور: عجبتُ لها أنى يكون غِناؤها ... فصيحًا ولم تفغرْ بمنطقها فما فجعله كالكلام لَمَّا ذهب به إلى أنها تغني [["معاني القرآن" للفراء 2/ 288، وفيه: تبكي، بدل: تغني. ولم ينسب البيت. وفيه: بليغًا، بدل: رفيعا. وتفتح، بدل تفغر. وأنشده الطوسي، "التبيان في تفسير القرآن" 8/ 85. وأنشده في "الوسيط" 3/ 372، وكذا في "وضح البرهان" 2/ 139، منسوبًا، وذكره ابن الجوزي 6/ 160، ولم ينسبه. وهو في "ديوان حميد بن ثور" 42.]]. وقال أبو علي الفارسي: القول والكلام والمنطق يستعمل كل واحد من ذلك في موضع الآخر، ويعبر بكل واحد منها عما عبر بالآخر، قال رؤبة: لو أنني أعطيت علم الحُكْل ... علمَ سليمانَ كلامَ النملِ [["تهذيب اللغة" 4/ 100 (حكل)، ونسبه لرؤبة، وهو في ديوانه 133، وأنشده ابن فارس، ولم ينسبه، وفيه: أوتيت. وقال: الحاء والكاف واللام أصل صحيح منقاس، وهو الشيء الذي لا يبين، يقال: إن الحُكل الشيء الذي لا نطق له من الحيوان، كالنمل وغيره. "معجم مقاييس اللغة" 2/ 91. وأنشده ابن جني، ولم ينسبه، "الخصائص" 1/ 22. وذكر الواحدي كلمة الحكل في مقدمة تفسيره فقال: ويعلم قول الحُكل. تفسير الواحدي 1/ 201، تحقيق الفوزان.]] وقال الله تعالى: ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ﴾ [النمل: 18] وقال إخبارًا عن الهدهد: ﴿فَقَالَ أَحَطْتُ﴾ [النمل: 22] فذَكَر له القول. وأنشد الأخفش: صدَّها منطقُ الدجاجِ عن القصدِ ... وصوت الناقوس بالأسحار [[أنشده الأخفش 2/ 588، كاملًا في سورة: يوسف، وعجزه: وضرب الناقوس فاجتُنبا وأنشده 2/ 648، في سورة النمل مقتصرًا على صدره، ولم ينسبه في الموضعين، وفي الحاشية: لم تفد المراجع شيئًا في القائل والقول.]] وأنشد أيضًا: فَصبَّحتْ والطيرُ لم تكلَّم فوضع كل واحد من الكلام والنطق موضع الصوت. وقال الراعي يصف ثورًا يحفر كِناسًا [[المَكْنِس: مَوْلِجُ الوحش من البقر تسكن فيه من الحر، وهو الكِناس، والجمع: أكنسة، وكُنُس، واشتقاقه من الكَنْس، وهو: كَسْحُ القُمَام عن وجه الأرض، فهي تكْنِس الرمل حتى تصل إلى الثرى. "تهذيب اللغة" 10/ 63 (كنس)، و"لسان العرب" 6/ 197.]] إلى الصباح: حتى إذا نطق العصفور وانكشفتْ ... عَمَايَة الليلِ عنه وهو مُعتمِدْ [["ديوان الراعي" 92، نطق العصفور: كناية عن انبلاج الصبح، وعماية الليل: ظلمته، والمعتمِد: الذي يمشي طوال الليل. حاشية الديوان. وفي "لسان العرب" 3/ 305 (عمد): اعتمد فلان ليلته إذا ركبها يسير فيها.]] ومعنى الآية: فهمنا ما يقول الطير. قوله تعالى: ﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ قال ابن عباس: يريد من أمر الدنيا والآخرة [["تفسير الوسيط" 3/ 372.]]. وقال مقاتل: يعني أُعطينا المُلك والنبوة والكتاب، في تسخير الرياح، وسُخِرت الجن والشياطين، ومنطق الطير [["تفسير مقاتل" 57 ب.]]. وقال الزجاج: المعنى ﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ يجوز أن يؤتاه الأنبياء والناس. وكذلك قوله: ﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [النمل: 23] يؤتى مثلها. وعلى هذا جرى كلام الناس؛ يقول القائل: قد قصد فلانًا كلُّ أحد، أي: قَصَدَه كثير من الناس [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 111.]]. قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا﴾ قال مقاتل: إن هذا الذي أعطينا [["تفسير مقاتل" 57 ب.]] ﴿لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾ قال ابن عباس: مِن الله علينا [["تنوير المقاس" 316، بلفظ: المن العظيم من الله علىَّ.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب