الباحث القرآني

قوله: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوا﴾ أي موقف الحساب وعَرْصة القيامة [[العَرْصة: الأرض الواسعة ليس فيها بناء. "تهذيب اللغة" 2/ 20 (عرص)، و"اللسان" 7/ 52.]]، قال الله لهم: ﴿أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي﴾ قال ابن عباس: كذبتم أنبيائي، وجحدتم فرائضي وحدودي [["تنوير المقباس" 322، بلفظ: بكتابي ورسولي.]]. وهذا استفهام يتضمن الإنكار عليهم، والتهكم بهم. وقوله تعالى: ﴿وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [قال ابن عباس: ولم تختبروا حتى تفهموا وتسمعوا. وقال مقاتل: ﴿وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا﴾] [[ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (ج).]] أنها باطل [["تفسير مقاتل" 62 ب.]]. ومعنى هذا: كذبتم بآياتي غير عالمين بها. يعني: ولم تتفكروا في صحتها بل كذبتم بها جاهلين غير مستدلين لا عن خبرة ولا عن معرفة ببطلانها ﴿أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ حين لم تبحثوا عنها ولم تتفكروا فيها. هذا مذهب أهل التفسير في هذه الآية [["تفسير الثعلبي" 8/ 136 ب.]]. وذكر صاحب النظم وجهًا آخر؛ فقال: قوله: ﴿وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا﴾ منسوق [[أي: معطوف.]] على قوله: ﴿أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي﴾ والاستفهام واقع عليه، إلا أن معنى الفصلين والاستفهامين مختلفان؛ لأن قوله: ﴿أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي﴾ تبكيت وإنكار؛ بمعنى: لمَ كذبتم بآياتي، وقوله: ﴿وَلَمْ تُحِيطُوا﴾ [بمنزلة: أوَ لَمْ تحيطوا بها علمًا] [[ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (ج). وفي نسخة (ب): بمنزلة: أو لم تحيطوا، وفي نسخة (أ) بمنزلة: ثم تحيطوا. ويوجد طمس في الحرف الذي قبل: لم.]]، أي: بالآيات، وتأويله: وقد أحطتم بها علمًا، كما قال -عز وجل-: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ أي: قد شرحنا، فيكون التأويل: لِمَ كذبتم بآياتي وقد أحطتم بها علمًا، فلما كان ﴿لَمْ﴾ استفهامًا احتمل أن يوضع موضعه ألف الاستفهام؛ ثم بين -عز وجل- كيف أحاطوا بالآيات علمًا فصار ذلك تأييدًا لمذهبنا هذا؛ وهو قوله من بعده: ﴿أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ﴾ الآية، وقد تضع العرب الاستفهام في غير موضعه إذا كان متصلًا بلفظ يتصل به في المعنى، مثل قوله: ﴿أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: 34] قد وقع الاستفهام هاهنا على قوله: إن من في الظاهر، وهو في الباطن واقع على قوله: ﴿فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾؛ لأن تأويله: ﴿فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ إن مت [[قال الواحدي في تفسير هذه الآية: ﴿أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: 34] موضع الاستفهام قوله: ﴿فَهُمُ﴾ ولكنه قدم إلى أول الكلام.]]. ومثله قوله: ﴿أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ [آل عمران: 144] والاستفهام في الظاهر واقع على الموت والقتل [[والقتل. في نسخة (ج).]]، وهو في الحقيقة واقع على الانقلاب [[قال الواحدي في تفسير هذه الآية: ألف الاستفهام دخلت على حرف الشرط؛ ومعناه: الدخول على الجزاء، المعنى: أتنقلبون على أعقباكم إن مات محمد أو قتل، إلا أن شرط الجزاء معلق أحدهما بالآخر، فانعقدا جملة واحدة، وخبرًا واحداً، فدخلت ألف الاستفهام على الشرط، وأَنبأت عن معنى الدخول على الجزاء.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب