الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ﴾ قال ابن عباس: يريد: شهادة أن لا إله إلا الله. وهو قول ابن مسعود وسفيان ومجاهد وأبي مجلز وأبي صالح والحسن والسدي ومقاتل وإبراهيم وسعيد بن جبير والضحاك وعطاء؛ كلهم قالوا: الحسنة: كلمة الإخلاص؛ شهادة أن لا إله إلا الله [["تفسير مقاتل" 62 ب. وأخرجه عبد الرزاق 2/ 86، عن الحسن. وأخرجه ابن جرير 20/ 22، عن ابن عباس، ومجاهد، وعطاء، وإبراهيم النخعي، وعكرمة. وأخرجه عنهم كذلك ابن أبي حاتم 9/ 2934. و"تفسير مجاهد" 2/ 476. و"تفسير الثعلبي" 8/ 138 ب. وأخرجه الحاكم، عن عبد الله بن مسعود. المستدرك 2/ 441، رقم: 3528. وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأما الهواري فقد زاد على ذلك: وعمل صالحًا وعمل جميع الفرائض. "تفسير الهواري" 3/ 269. وهذا بناءً على مذهبه الإباضي، ولذا لما ذكر حديث جابر بن عبد الله؟ في "صحيح مسلم" 1/ 94، كتاب الإيمان، رقم: 94، (من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة) ورد عنده بهذا اللفظ: "من مات لا يشرك بالله شيئًا وعمل بفرائض الله دخل الجنة". ويشهد لدخول الجنة لمن حقق التوحيد حتى لو كان متلبسًا ببعض المعاصي حديث أبي ذَرَّ؟ عَن النَّبِيِّ -ﷺ- قَالَ: "أَتَانِي جبْرِيلُ فَبَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لا يُشْرك باللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ وإنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى قَالَ وَإِنْ سَرَقَ وإنْ زَنَى". أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، رقم: 7487، "فتح الباري" == 13/ 461. ومسلم 1/ 94، كتاب الإيمان، رقم: 94. وانظر تعليق محقق "تفسير الهواري" 1/ 388. فصاحب الكبيرة أمره إلى الله تعالى، إن شاء غفر له، وعفا عنه، وإن شاء عذبه على قدر ذنوبه، لكنه لا يخلد في النار. والله أعلم.]]. والمعنى: من وافى يوم القيامة بالإيمان [["تفسير الثعلبي" 8/ 138 ب.]]، وكلمة الإخلاص ﴿فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا﴾ والخير يحتمل الاسم من غير تفضيل، ويحتمل التفضيل إذا قلت: خير من كذا. والمذهبان في الآية رُويا عن المفسرين؛ والأكثرون على أنه اسم من غير تفضيل. قال ابن عباس: يريد: فله منها خير [[أخرجه ابن أبي حاتم 9/ 2935.]]، وهو: الجنة [[ويشهد لهذا حديث جابر رضي الله عنه، قال: أتى النبي -ﷺ- رجل فقال: يا رسول الله ما الموجبتان؟ فقال: "من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئًا دخل النار". أخرجه مسلم 1/ 94، كتاب الإيمان، رقم: 93.]]. وقال مقاتل: فيها تقديم؛ يقول: له منها خير [["تفسير مقاتل" 62 ب. وهو مذهب الهواري 3/ 269.]]. قال ابن عباس: أي فمنها يصل إليه الخير [[أخرجه ابن جرير 20/ 23.]]. وقال الحسن مثلَ قول مقاتل [[أخرجه ابن جرير 20/ 23. وذكره الثعلبي 8/ 139 أ.]]. وقال عكرمة وابن جريج: ليس شيء خيرًا من: لا إله إلا الله، ولكن له منها خير [[أخرجه عنهما ابن جرير 20/ 23.]]. والمعنى على هذا القول: له من تلك الحسنة خيرٌ يوم القيامة، وهو: الثواب والأمن من العذاب والجنة [[والجنة. في نسخة (ج).]]. فهذا أحد المذهبين. والمذهب الآخر: أن خيرًا يراد به التفضيل، روي عن ابن عباس: ﴿فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا﴾ يعني: الثواب؛ لأن الطاعة: فعل العبد، والثواب: فعل الله سبحانه وتعالى. وقيل: ﴿فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا﴾ يعني: رضوان الله، قال الله تعالى: ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [التوبة: 72]. وقال القرظي وابن زيد: ﴿فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا﴾ يعني: الأضعاف يعطيه الله بالواحدة عشرًا فصاعدًا، وهذا خير منها. وعلى هذا الذي قالا، يجب أن يكون تفسير الحسنة: الفِعَلة الحسنة من صلاة وصدقة وتسبيحة، فيضعفها الله تعالى حتى تكتب أضعاف ما عمل، فيكون الإضعاف خيرًا مما عمل. قوله تعالى: ﴿وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ قرئ بالإضافة، وبالتنوين في ﴿فَزَعٍ﴾ [[قرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر: ﴿مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ﴾ بالإضافة، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: ﴿مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ﴾ بالتنوين. "السبعة في القراءات" 487، و"الحجة للقراء السبعة" 5/ 408، و"النشر في القراءات العشر" 2/ 340.]]. واختار أبو عبيد: الإضافة؛ قال: لأنه أعم التأويلين؛ وهو أن يكون الأمن من جميع فزع ذلك اليوم. وإذا قال: ﴿مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ﴾ صار كأنه فزع دون فزع. واختار الفراء الإضافة أيضًا؛ قال: لأنه فزع معلوم، ألا ترى أنه قال: ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾ [الأنبياء: 103] فصيَّره معرفة، وإذا أضفته كان معرفةً، فهو أعجب إلى [["معاني القرآن" للفراء 2/ 301. وهو اختيار ابن جرير 20/ 23]]. قال أبو علي: إذا نون ﴿فَزَعٍ﴾ يجوز أن يُعنى به: فزعًا واحداً، ويجوز أن يُعنى به كثرة؛ لأنه مصدر، والمصادر تدل على الكثرة، وإن كانت منفردة الألفاظ، كقوله: ﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: 19] وكذلك إذا أضاف يجوز أن يُعنى: به مفرد [[في نسخة (أ)، (ب): منفرد.]]، ويجوز أن يعني به: كثرة [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 409.]]؛ وعلى هذا: القراءتان سواءٌ لا فضل بينهما. قال: ومن نَوَّن قوله: ﴿مِنْ فَزَعٍ﴾ كان في انتصاب: يوم، ثلاثة أوجه؛ أحدها: أن يكون منتصبًا بالمصدر، كأنه: وهم من أن يفزعوا يومئذ. والآخر: أن يكون صفة لفزع؛ لأن أسماء الأحداث توصف بأسماء الأزمان، كما يخبر عنها بها، وفيه ذكر للموصوف، وتقديره في هذا الوجه أن يتعلق بمحذوف؛ كأنه: من فزعٍ يحدث يومئذ. والثالث: أن يتعلق باسم الفاعل كأنه: آمنون يومئذٍ من فزعٍ. وأما القول في إعراب: يوم، وبنائه إذا أضيف إلى: إذ، فقد ذكرناه فيما تقدم [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 409. رجعت إلى كلام الواحدي في "البسيط"، في أكثر المواضع المتقدمة التي وردت فيها كلمة: ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ فلم أجده فيحتمل أن يكون ذكر ذلك في سورة النساء الآية 42 ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وهو من القسم المفقود كما أفاد محقق سورة النساء. د المحيميد. وأما إعرابها فيوم: ظرف زمان منصوب، وإذا اسم ظرفي في محل جر مضاف إليه، والتنوين تنوين العوض عن جملة محذوفة. "الجدول في إعراب القرآن" 2/ 366.]]. فأما تفسير الفزع في هذه الآية؛ فإن أريد به: الكثرة فهو شامل لكل فزع؛ وهو الأولى، وإن أريد به واحد، فتفسيره ما ذكرنا في قوله: ﴿الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾ [الأنبياء: 103]. وقال الكلبي عن ابن عباس في هذه الآية: إذا أطبقت النار على أهلها فزع أهل النار فزعة لم يفزعوا مثلها، وأهل الجنة آمنون من فزعهم [["تنوير المقباس" 322، بنحوه.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب