الباحث القرآني

وقوله: ﴿وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ﴾: صار أولئك الذين تمنوا ما رُزق من المال والزينة يتندمون على ذلك التمني؛ وهو قوله: ﴿يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ﴾ الآية [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 156، بنحوه.]]. قال سيبويه في هذه الكلمة: سألت عنها الخليل فزعم أنها: (وَيْ)، مفصولة من: (كأن)، وأن القوم تنبهوا، فقالوا: (وَيْ)، متندمين على ما سلف منهم، وكل من يندم أو نُدِّم فإظهار ندامته أن يقول: (وَيْ) [["الكتاب" 2/ 154. بمعناه. وذكره بنصه الزجاج 4/ 156، والأزهري، "تهذيب اللغة" 15/ 653 (وي). والثعلبي 8/ 154 ب. قال ابن قتيبة: وقال ابن عباس في رواية أبي صالح: هي كأن الله يبسط الرزق لمن يشاء، كأنه لا يفلح الكافرون، وقال: وي: صلة في الكلام. وهذا شاهد لقول الخليل. "تأويل مشكل القرآن" ص 526.]]. وذكر الفراء في هذه الكلمة قولين؛ أحدهما قال: يذهب بعض النحويين إلى أنهما كلمتان؛ يريد: ويك أنه، أراد: ويلك، فحذف اللام وجعل أنَّ مفتوحة بفعل مضمر، كأنه قال: ويلك أعلم، فأضمر: أعلم. قال الفراء: ولم نجد العرب تُعمل الظن والعلم بالإضمار، ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول: يا هذا أنك قائم، تريد: علمت أو أعلم [[نقل كلام الفراء ابن جرير 20/ 121، بلفظ: ولم نجد العرب تُعمل الظن مضمرًا، ولا العلم وأشباهه في: أنَّ، وذلك أنه يبطل إذا كان بين الكلمتين، أو في آخر الكلمة، فلما أضمر جرى مجرى المتأخر؛ ألا ترى أنه لا يجوز في الابتداء أن تقول: يا هذا، أنك قائم، ويا هذا أن قمت، تريد: علمت، أو أعلم، أو ظننت، أو أظن.]]. وهو [[في النسخ كلها: وهو. ولعل المناسب: وهذا.]] الذي ذكره قول قطرب [[ذكره عنه الثعلبي 8/ 154 ب.]]. قال الفراء: وأما حذف اللام من: ويلك، حتى تصير: ويك، فقد تقوله العرب لكثرتها في الكلام، قال عنترة: ولقد شَفَى نفسي وأبرأَ سُقمها ... قولُ الفوارسِ وَيْكَ عنترَ أَقدِمِ [["معاني القرآن" للفراء 2/ 312، ونسبه لعنترة، وهو في "ديوانه" 30. وأنشده أبو علي في المسائل الحلبيات 44، ولم ينسبه. وأنشده ونسبه الثعلبي 8/ 154 ب. == وأنشده ولم ينسبه، ابن جني، "الخصائص" 3/ 40. والشاهد فيه: حذف اللام من: ويلك، حتى تصير: ويك.]] قال: وقد قال آخرون: إن معنى: ﴿وَيْكَأَنَّ﴾ وي، منفصلة من: (كأن)، تقول للرجل: (وي)، أما ترى ما بين يديك؟ فقال الله تعالى: وي، ثم استأنف: كأن الله يبسط الرزق، وهي تعجب، (وكأن)، في مذهب الظن والعلم؛ وهذا وجه مستقيم، غير أن العرب لم تكتبها منفصلة، ولو كان على هذا لكتبوها منفصلة، وقد يجوز أن يكون كَثُر بها الكلام فوُصِلت بما ليست منه؛ كما اجتمعت العرب على كتابة: ﴿يَبْنَؤُمَّ﴾ [طه: 94] فوصلوها لكثرتها [[حكى الداني كتابة ﴿وَيْكَأَنَّ﴾ في الموضعين من سورة القصص، بوصل الياء بالكاف. "المقنع" 76. وأما (ابنَ أم) فكتبت في كل المصاحف في الأعراف [150] ﴿قَالَ ابْنَ أُمَّ﴾ بالقطع، وفي طه [94] كتبت متصلة ﴿يَبْنَؤُمَّ﴾. المقنع 76.]]. فعلى هذا ﴿وَيْكَأَنَّ﴾: تقرير، كقول الرجل: أما ترى إلى صنع الله، وأنشد النحويون جميعًا: سَأَلَتاني الطلاقَ إذْ رَأتانِي ... قَلَّ مالي قد جِئتُماني بِنُكرِ ويْكأنَّ مَنْ يكن له نَشَبٌ يُحـ ... ـبَبْ ومَنْ يفتقِرْ يعشْ عيشَ ضُرَّ [[أنشده سيبويه، ونسبه لزيد بن عمرو بن نفيل. "الكتاب" 2/ 155، وفي الحاشية: سألتاني، يعني: زوجتيه اللتين ذكرهما في بيت قبله. وأنشده الأخفش 2/ 655 ، ولم ينسبه. والنَّشَب: المال والعقار. وأنشد البيت الثاني: أبو عبيدة في "مجاز القرآن" 2/ 112، وابن قتيبة "تأويل مشكل القرآن" 527، وابن جني، "الخصائص" 3/ 41، ولم ينسبوه. وأنشد البيتين، ولم ينسبهما، الزجاج 4/ 57. والشاهد فيه: ويكأن، فهي عند سيبويه والخليل مركبة من: (وي): للتنبيه، و: كأن، للتشبيه، ومعناها: ألم تر.]] قال الفراء: وأخبرني شيخ من أهل البصرة قال: سمعت أعرابية تقول لزوجها: أين ابنكَ ويلكَ؟ فقال. ويكأنه وراء البيت، معناه: أما ترينه وراء البيت [["معاني القرآن" للفراء 2/ 312. وهذا النقل الطويل من أول قوله: وذكر الفراء في هذه الكلمة قولين إلى هنا، كله عن الفراء.]]، وقال الكسائي: ﴿وَيْكَأَنَّ﴾ في التأويل: ذلك أن الله [[ذكر ابن قتيبة، أن الكسائي قال في معنى هذه الكلمة: ألم تر. "تأويل مشكل القرآن" 526.]]. وهو مأخوذ من قول ابن عباس؛ فإنه قال في هذه الآية: قالوا: ذلك أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر. وعلى هذا هي كلمة تحقيق وابتداء. وهو قول الحسن. وقال أبو عبيدة: سبيلها سبيل: ألم تر [["مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 112. بلفظ: مجازه: ألم تر.]]. وقال مجاهد وقتادة: معناها: ألم تعلم [[أخرجه عبد الرزاق 2/ 94، وابن جرير 20/ 120، وابن أبي حاتم 9/ 2021، عن قتادة. وذكره الثعلبي 8/ 154 ب، عن مجاهد، بلفظ: ألم تعلم. واختاره ابن جرير. قال ابن قتيبة: وهذا شاهد لقول الكسائي، يعني به: ألم تر. تأويل مشكل القرآن 527. وأما مقاتل فقال: يعني: لكن الله. "تفسير مقاتل" 69 ب.]]. وقوله تعالى: ﴿لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا﴾ قال ابن عباس: بالعافية والرحمة [[ذكره ابن الجوزي، "زاد المسير" 6/ 247، ولم ينسبه.]]. وقال مقاتل: بالإيمان [["تفسير مقاتل" 69 ب.]] ﴿لَخَسَفَ بِنَا﴾ أي: الله تعالى [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 424.]]. ومن قرأ (لَخُسِفَ بِنَا) [[قرأ عاصم في رواية حفص: ﴿لَخَسَفَ﴾ بالفتح، وقرأ الباقون: ﴿لخُسِفَ﴾ بضم == الخاء. "السبعة في القراءات" 495، و"الحجة للقراء السبعة" 5/ 424، و"إعراب القراءات السبع وعللها" 2/ 179، و"النشر في القراءات العشر" 2/ 342.]] فإنه يؤول إلى الخسف في المعنى، غير أنه بني الفعل للمفعول [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 425.]] ﴿وَيْكَأَنَّهُ﴾ أكثر المفسرين يقولون معناه: ألم تر أنه، و: أما ترى أنه [["تفسير ابن جرير" 20/ 120.]]. قال الزجاج: وهذا مشاكل لتفسير الخليل؛ لأن قول المفسرين: أما ترى، تنبيه [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 157، بلفظ: فهذا تفسير الخليل، وهو مشاكل لما جاء في التفسير، لأن قول المفسرين هو تنبيه.]]. ﴿لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ قال ابن عباس: لا يسعد من كفر بالله [["تفسير مقاتل" 69 ب.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب