الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ﴾ قال ابن عباس ومقاتل: نزلت في قصة عياش بن أبي ربيعة أسلم وهاجر، فلما ضرب على الإسلام وعوقب ارتد ورجع إلى الكفر [["تفسير مقاتل" 71 أ، في خبر طويل. و"تنوير المقباس" 332، مختصرًا. وذكره == الثعلبي 8/ 156 ب، بطوله، ونسبه لمقاتل والكلبي. وأخرج ابن جرير 20/ 133، وابن أبي حاتم 9/ 3037، عن ابن عباس، أنها نزلت في قوم من أهل مكة أسلموا، وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم فاصيب بعضهم، وقتل بعض، قال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمون وأكرهوا فاستغفروا لهم، فنزلت: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ الآية [النساء: 97] قال: فكتب إلى من بقي من المسلمين بهذه الآية: لا عذر لهم، خرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة، فنزلت فيهم هذه الآية. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، غير محمد بن شريك، وهو ثقة. "مجمع الزوائد" 7/ 10. وهذا هو الصواب جعل الآية عامة، أما ما ذكره الواحدي عن ابن عباس ومقاتل من ارتداد عياش، وجعل نزول الآية فيه؛ فهذا ليس بصواب؛ لما سبق في ترجمة عياش من أنه لم يرتد، بل صبر على فتنة قومه.]]. وهو معنى قوله. ﴿فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ﴾ يعني: ضرب إخوته وأمه إياه ليفتنوه عن دينه، وهو قوله تعالى: ﴿جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾. وقال مقاتل: يقول: جعل عذاب الناس في الدنيا كعذاب الله في الآخرة [["تفسير مقاتل" 71 أ.]]. وقال أبو إسحاق: جزع من عذاب الناس، كما يجزع من عذاب الله [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 161.]]. وقال صاحب النظم: أي جزع من أذى الناس ولم يصبر عليه فأطاع الناس، كما يطيع الله من خاف عذابَه، وفي نزول هذه الآية قول آخر؛ قال مجاهد: نزلت في أناس يؤمنون بألسنتهم فإذا أصابهم بلاء من الناس أو مصيبة في أنفسهم أو أموالهم افتتنوا، فجعلوا ذلك في الدنيا كعذاب الله في الآخرة [[أخرجه ابن جرير 20/ 132، وابن أبي حاتم 9/ 3037، وذكره الثعلبي 156 ب.]]. ونحو هذا قال السدي ومقاتل؛ قال: هو المنافق إذا أوذي في الله رجع عن الدين وكفر [[أخرجه ابن أبي حاتم 9/ 3037، عن السدي، بمعناه. و"تفسير مقاتل" 71 ب، بمعناه.]]. قال أبو إسحاق: وينبغي للمؤمن أن يصبر على الأذية في الله -عز وجل- [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 161.]]. قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ﴾ ابتداء كلام آخر على القول الأول [[أي: على القول بأنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة.]]، وهو: إخبار عن المنافقين. قال مقاتل: ثم استأنف: ﴿وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ﴾ يعني: دولة للمؤمنين [["تفسير مقاتل" 71 ب.]]. وقال ابن عباس: نصر لأولياء الله وأهل طاعته [[في "تنوير المقباس" 332: فتح مكة.]]. ﴿لَيَقُولُنَّ﴾ يعني: المنافقين للمؤمنين ﴿إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ﴾ على عدوكم [["تفسير مقاتل" 71 ب.]]. وعلى القول الثاني يتصل قوله: ﴿وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ﴾ بما سبقه. وهو اختيار صاحب النظم؛ أخرج ﴿مِنْ﴾ موحدًا في أول الآية، وأخرجه مخرج الجمع في قوله: ﴿لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ﴾ موحد مرةً على اللفظ، وجُمع مرةً على المعنى. وكذلك القراء يختلفون في الوقف عند قوله: ﴿كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ فهو عند نافع تمام، وعند غيره ليس بتمام؛ لاتصاله بما قبله [[هكذا في النسختين: لاتصاله بما قبله؛ وهو خطأ؛ والصواب: لاتصاله بما بعده. قال النحاس: ﴿فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ عن نافع تم، قال غيره: والتمام ﴿أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ﴾. "القطع والائتناف" 2/ 519]]. قوله تعالى: ﴿أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ﴾ بضمائر العالمين وأسرارهم من الإيمان والنفاق، وغير ذلك، أي: لا يخفى عليه كذبهم فيما قالوا: ﴿إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ﴾ ننصركم على عدوكم. قال صاحب النظم: دَلَّ بقوله: ﴿أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ﴾ على أنهم كاذبون في قولهم: ﴿إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب