الباحث القرآني

ثم أخبر عن عاقبتهم فقال: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى﴾ قال ابن عباس ومقاتل: يعني أشركوا [[أخرجه ابن جرير 21/ 25، من طريق علي بن أبي طلحة. و"تفسير مقاتل" 77 ب.]]. وقوله: ﴿السُّوأَى﴾ أكثر التفسير في ﴿السُّوأَى﴾ أنها: النار، ضد الحُسنى؛ وهي: الجنة [[أخرجه ابن جرير 21/ 25، عن ابن عباس، وقتادة. "تفسير الثعلبي" 8/ 165 ب، ولم ينسبه. والحسنى وردت في قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: 26] وقد ذكر الآية الواحدي بعد ذلك.]]. وهو قول الأخفش والفراء والزجاج وابن قتيبة [["معاني القرآن" للفراء 2/ 322. و"غريب القرآن" لابن قتيبة 340. و"معاني القرآن" للزجاج 4/ 179. قال الأخفش: ﴿السُّوأَى﴾ مصدر هاهنا مثل: التقوى. "معاني القرآن" 2/ 656، ولم أجد فيه ما ذكر الواحدي.]]، قال الزجاج وغيره: إساءتهم هاهنا: كفرهم، وجزاء الكفر: النار [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 179.]]. كما جُعل للعمل الحسنى؛ وهو: الإيمان: الثواب الحسن؛ وهو: الجنة، في قوله: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى﴾ [يونس: 26]. قال ابن قتيبة: ﴿السُّوأَى﴾ جهنم، والحسنى: الجنة [["غريب القرآن" ص 340.]]. وقال غيره: سميت جهنم ﴿السُّوأَى﴾ لأنها تسوء صاحبها، من قولهم: ساءه يسوؤه. وقيل: لأنها قبيحة المنظر، يقال ساء الشيء إذا قَبُح، يسوء، والسَّوء: المرأة القبيحة، ومنه: السيئ والسيئة، وقد ذُكرتا [[قال الواحدي في تفسير قول الله تعالى: ﴿وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا﴾ [آل عمران: 120]: يقال: ساء الشيء يسوء فهو سيء، والأنثى سيئة؛ أي: قبُح، ومنه قوله: ﴿سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: 66] وسوَّأت على الرجل فعله؛ أي: قبحته عليه وعبته به، والسُّوأى ضد: الحسنى، والسَّوءاء: المرأة القبيحة.]]، وقيل في تفسير ﴿السُّوأَى﴾ هاهنا أنها: العذاب في الدنيا. وهو قول مقاتل [["تفسير مقاتل" 77 ب.]]. وفي قوله: ﴿عَاقِبَةَ الَّذِينَ﴾ قراءتان؛ الرفع والنصب [[قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع: ﴿عَاقِبَةَ﴾ بالرفع، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: ﴿عَاقِبَةَ﴾ بالنصب. "السبعة في القراءات" ص 506، و"الحجة للقراء السبعة" 5/ 442، و"إعراب القراءات السبع وعللَّها" 2/ 193، و"النشر في القراءات العشر" 2/ 344.]]، فمن نصب جعلها خبر كان، ونصبَها متقدمةً، كما قال: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: 47] واسم كان على هذه القراءة يجوز أن يكون أحد شيئين؛ أحدهما: ﴿السُّوأَى﴾ على تقدير: ثم كان عاقبة الذين أساؤا [[اسم كان هنا غير واضح؛ لأن في العبارة نقصًا، وصوابها كما عند أبي علي في "الحجة للقراء السبعة" 5/ 442: التقدير: ثم كان السوأى عاقبةَ الذين أساؤوا.]]، ويكون أن في قوله: ﴿أَنْ كَذَّبُوا﴾ مفعولًا له؛ أي: لأن كذبوا [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 443.]]. وهذا معنى قول الفراء والزجاج؛ قال الفراء: ﴿أَنْ كَذَّبُوا﴾ لتكذيبهم، ولِأن كذبوا، فإذا ألقيتَ اللام كان نصبًا [["معاني القرآن" للفر اء 2/ 322.]]. وقال الزجاج: المعنى: ثم كان عاقبة الكافرين النارَ لتكذيبهم بآيات الله واستهزائهم [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 179.]]. الوجه الثاني في اسم كان على هذه القراءة هو: ﴿أَنْ كَذَّبُوا﴾ التقدير: ثم كان التكذيبُ ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا﴾ ويكون: ﴿السُّوأَى﴾ على هذا مصدرًا، وفُعْلَى من أبنية المصادر، كالرُّجعى، والشُّورى، والبُّشرى [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 443. والرُّجعى وردت في قوله تعالى: ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾ [العلق: 8] والبشرى في قوله تعالى: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ..﴾ [يونس: 64] و ﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى ..﴾ [هود: 74] و ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى﴾ [الزمر: 17]، وأما الشورى فلم ترد في القرآن معرفة بالألف واللام، وإنما جاءت منكرة، قال تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ..﴾ [الشورى: 38] والله أعلم.]]، ومعنى الآية: ثم كان التكذيب آخرَ أمرهم أي: ماتوا على ذلك، كأن الله تعالى جازاهم على إساءتهم أن طبع على قلوبهم حتى ماتوا على التكذيب والشرك عقابًا لهم بذنوبهم. وهذا الوجه ذكره أبو علي، وصاحب النظم. ومن رفع العاقبة جاز أن يكون الخبر: ﴿السُّوأَى﴾ و ﴿أَنْ كَذَّبُوا﴾ كما جاز فيمن نصب العاقبة أن يكون كلُّ واحد منهما: الاسم، والتقدير: ثم كان عاقبةُ المسيء التكذيبَ بآيات الله، يعني أنه مات على التكذيب كما ذكرنا، أو يكون المعنى: أنه لم يظفر في شركه وكفره بشيء إلا بالتكذيب بآيات الله، و ﴿السُّوأَى﴾ على هذا في موضع نصب بأنه مصدر. وقد يجوز أن يكون: صفة لموصوف محذوف، كأنه الخَّلَة ﴿السُّوأَى﴾ أو الخِلال ﴿السُّوأَى﴾ [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 444، بنصه. وقد ضبطت: الخلة، بضم الخاء، والخلال بكسرها، ولم يبين في الحاشية المعنى، ولعل الصواب -والله أعلم- == أن المراد: الخَلَّة، بفتح الخاء، جمع: خِلال، بكسرها، والمراد بها: الخَصلة. "تهذيب اللغة" 6/ 569 (خلّ)، فيكون المعنى: الخصلة السوأى، أو الخصال السوأى. والله أعلم.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب