الباحث القرآني

قوله: ﴿أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ﴾ منصوب على الحال، المعنى: يأتون العرب بخلا عليكم، قاله الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 4/ 220.]]. وأشحة: جمع شحيح، مثل دليل وأدلة، وعزيز وأعزة. قال الفراء: (ويجوز أن يكون حالًا من ﴿الْمُعَوِّقِينَ﴾ المعنى: يعوقون أشحة، وإن شئت من ﴿وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ﴾ أي: وهم هكذا. قال: ويجوز أن يكون نصبًا على الذم كما ينصب على المدح، مثل قوله: ﴿مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا﴾ [الأحزاب: 61]) [["معاني القرآن" للفراء 2/ 338 مع اختلاف في العبارة.]]. قال مجاهد وقتادة والكلبي: ﴿أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ﴾ بالغنيمة والخير والمنفعة في سبيل الله [[انظر: "الدر المنثور" 6/ 581، وقال: أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد، وابن أبي حاتم عن السدي، وابن أبي حاتم عن قتادة. وانظر: "تفسير مقاتل" 90 أ، "مجمع البيان" 8/ 546، "ابن أبي حاتم" 9/ 3121.]]. قال ابن عباس: يريد بالنصر [[لم أجد من نسبه لابن عباس فيما لدى من مراجع.]] والمعنى: لا ينصرونكم، ثم أخبر عن حالهم [[في (أ): (حكيم)، وهو خطأ.]] عند الخوف، فقال: ﴿فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ﴾ قال مقاتل: يعني القتال [["تفسير مقاتل" 90 أ.]]. ﴿رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ﴾. قال ابن عباس: يريد نظر المغشي عليه من الموت، يريد كما تدور عين الذي في السياق [["تفسير ابن عباس" ص 352.]] هذا كلامه. ولقوله: ﴿يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ﴾ [[في (أ) زيادة: (إليك بالصفة التي ذكر تدور أعينهم)، وهو خطأ.]] تأويلان: أحدهما: أنهم يلوذون بك من الخوف فلا يرفعون بصرهم عنك، والثاني: أن معناه: بيان حالتهم عد الخوف، يقال: ينظرون إليك بالصفة التي ذكر تدور أعينهم، ليس معنى الدوران هاهنا الاضطراب والحركة؛ لأن عين الخائف لا توصف بذلك، وإنما توصف بالشخوص والحيرة، يؤكد هذا أنه شبه أعينهم بعين الذي يغشى عليه من الموت، وعينه تشخص فلا تطرف، ويقال للميت: دارت عينه ودارت حماليق عينه إذا شخص بصره فلم يطرف، وكذلك فعل الفزع الواجد ينظر إلى الشيء شاخص البصر لذهوله بالخوف. قوله تعالى: ﴿كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ﴾ يعني: كعين الذي يغشى عليه من الموت، وهو الذي قرب من حالة الخوف وغشيته أسباب الموت، يقال: غشي عليه فهو مغشي عليه، وهو الغشية، وكذلك غشية الموت، والذي يغشي عليه من الموت هو الذي يذهل ويذهب عقله [[انظر: "اللسان" 7/ 45 (شخص)، "الصحاح" 3/ 1042 (شخص).]]. وقوله: ﴿فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ﴾ أي: زال وجاء الأمن والغنيمة. ﴿سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ﴾ قال الليث: (يقال: سلقته باللسان، أي: أسمعته فأكثرت، ولسان مسلق: حديد ذلق) [["تهذيب اللغة" 8/ 403، (سلق).]]. قال أبو عبيدة: (ويقال: سلق، أي: رفع صوته، ومنه قوله -ﷺ-: "ليس منَّا مَنْ حلق أو سلق" [[الحديث أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" كتاب: الإيمان، باب: تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية 1/ 100 عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله -ﷺ- قال: "أنا برئ ممن حلق وسلق وخرق" والإمام أحمد في "مسنده" 4/ 396، وأبو داود في "سننه" كتاب: الجنائز، باب: في النوح 3/ 194 كلهم عن أبي موسى. قال في "المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود" 8/ 285: ومعنى قوله: "ليس منا" أي: ليس من أهل سنتنا وطريقتا الكاملة، وقوله: "من حلق" أي حلق شعره عند المصيبة، "وسلق" بالسين المهملة، ويروى بالصاد المهملة، أي: رفع صوته بالبكاء، "وخرق" أي: شق ثوبه، وكان ذلك من صنيع أهل الجاهلية. أهـ.]] أي: رفع صوته عند المصيبة، ومنه قيل: خطيب مسلق ومسلاق وسلاق. قال الأعشى: فيهم الحزم والسماحة والنجدة ... فيهم والخاطب السلاق [["مجاز القرآن" 2/ 135 مع اختلاف في العبارة. وانظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد 97/ 1.]] [[البيت من الخفيف، وهو للأعشي في "ديوانه" ص 265، "تهذيب اللغة" 8/ 402، "اللسان" 10/ 160 (سلق).]] ويروى: المسلاق. وقال الفراء: معناه: عصوكم وآذوكم بالكلام في الأمن بألسنة سليطة ذرية [["معاني القرآن" 2/ 339. وانظر: "تهذيب اللغة" 8/ 403.]]. وقال المبرد [[لم أقف على قول المبرد. وانظر:"تفسير القرطبي" 14/ 153، "زاد المسير" 6/ 366.]]: يقال: سلق فلان بلسانه، إذا غلظ في القول مجاهرًا، وخطيب سلاق إذا كان ماضيًا في خطبته معلنًا، ويقال للمرأة البدنة: قد سلقت، إذ رفعت صوتها، وأنشد قول الأعشى. قال أبو إسحاق: (معنى سلقوكم: خاطبوكم أشد مخاطبة وأبلغها) [["معاني القرآن وإعرابه" 4/ 221.]]. وقال ابن قتيبة مثل قول الفراء، ثم قال: وأصل السلق الضرب [["تفسير غريب القرآن" ص 349.]]. قال ابن عباس: أي: استقبلوكم بالأذى [[انظر: "تفسير الطبري" 21/ 141، "تفسير ابن أبي حاتم" 9/ 3122، وأورده السيوطي في "الدر" 6/ 581، وزاد نسبته لابن المنذر.]]. وقال ابن زيد: كلموكم بألسنة ذرية، أي: آذوكم بالكلام [[انظر: "تفسير الطبري" 21/ 141.]]. وقال قتادة: يعني بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسمة الغنيمة، يقولون: أعطونا أعطونا فلستم بأحق فيها منا، فأما عند الغنيمة فأشح قوم وأسوأ قوم، وأما عند البأس فأجبن قوم وأخذلهم للحق، وهذا قول المفسرين [[انظر: "تفسير الطبري" 21/ 141، "تفسير ابن أبي حاتم" 9/ 3122 عن قتادة، "مجمع البيان" 8/ 546.]]. وروى عطاء عن ابن عباس قال: يريد يتناولونكم بألسنة حداد، يريد بنعون فيكم وينتقصونكم ويغتابونكم [["تفسير ابن عباس" 352، "تفسير البغوي" 3/ 518.]]. فعلى القول الأول سلقهم [[في (أ): (سلقتم)، وهو خطأ.]] خصومتهم ورفعهم الصوت في طلب الغنيمة. وعلى القول الثاني: سلقهم تنقصهم وبسطهم [[في (اْ): (بسطتهم).]] اللسان بالغيبة. وقوله: ﴿أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْر﴾ أي: بخلاء بالغنيمة يشاحون المؤمنين عند القسمة، هذا قول المفسرين. وقال ابن عباس في رواية عطاء: ﴿عَلَى الْخَيْرِ﴾ يريد على المال، لا ينفقون في سبيل الله [[ذكر هذا القول الماوردي 4/ 386 ونسبه للسدي، والقرطبي 14/ 154 ونسبه للسدي كذلك، وانظر: "تفسير ابن عباس" ص 352.]]. وانتصب (أشحة) على الحال من قوله: سلقوكم، أي: خاطبوكم، وهم أشحة على المال والغنيمة. ثم أخبر أنهم غير مؤمنين وإن أظهروا كلمة الإيمان. قوله: ﴿أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا﴾. قال أبو إسحاق: (أي: هم وإن أظهروا كلمة الإيمان ونافقدا فليسوا بمؤمنين) [["معاني القرآن وإعرابه" 4/ 221.]]. وقال مقاتل: ﴿أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا﴾ أي: لم يصدقوا بتوحيد الله [["تفسير مقاتل" 90 أ.]]. ﴿فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ﴾. قال مقاتل: أبطل الله جهادهم؛ لأن أعمالهم الحسنة وجهادهم لم يكن في إيمان [[المرجع السابق.]]. ﴿وَكَانَ ذَلِكَ﴾ يعني: إحباط أعمالهم. ﴿عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ قال ابن عباس: يريد سهلًا أن يحبط أعمالهم ويعذبهم على النفاق [["تفسير ابن عباس" ص 352.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب