الباحث القرآني

ثم أخبر بما دل عليه جبنهم بقوله: ﴿يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا﴾ الأحزاب: الجماعات، واحدها حزب، وهم كل طائفة هواهم واحد، فالمؤمنون حزب الله، والكافرون حزب الشيطان، وكل قوم تشاكلت قلوبهم وأعمالهم فهم أحزاب، وإن لم يلق بعضهم بعضًا بمنزلة عاد وثمود وفرعون أولئك الأحزاب، وتحزب القوم: إذا تجمعوا فصاروا أحزابًا، وحزب فلان أحزابًا، أي: جمعهم. قال ابن عباس: يقول بحسب هؤلاء المنافقين أن الأحزاب [[في (ب): (الآخرة)، وهو خطأ.]] معسكرون مقيمون [[لم أقف عليه عن ابن عباس، وقد أخرج ابن أبي حاتم في "تفسيره" 9/ 3122 نحوه عن مجاهد قال: يحسبونهم قريبًا لم يبعدوا.]]. وقال مقاتل: من الخوف والرعب الذي نزل بهم يحسبون الأحزاب لم يذهبوا إلى مكة [[" تفسير مقاتل" 2/ 273.]]. قال أبو إسحاق: (أي: يحسبون الأحزاب بعد انهزامهم وذهابهم لم يذهبوا، لجبنهم وخوفهم منهم) [["معاني القرآن وإعرابه" 4/ 221.]]. وقوله ﴿وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ﴾ يقول: وإن يرجع الأحزاب إليهم للقتال. ﴿يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ﴾ قال ابن عباس: يريد: يتمنى المنافقون لو كانوا في البادية [[لم أقف عليه عن ابن عباس. وانظر: "تفسير هود بن محكم" 3/ 361، "تفسير القرطبي" 14/ 154.]]. وقال الكلبي: يقول: خارجون في الأعراب من الرهبة [[لم أقف عليه عن الكلبي. وانظر: المصدرين السابقين.]]. والبادون خلاف الحاضرين، ويقال: بدا يبدو إذا خرج إلى البادية، وهي البَداوة والبداوة، ويقال للقوم البادين: بادية، وللموضع الذي بدوا إليه: بادية، وأصل هذا من البدو الذي هو الظهور والبروز، ومعنى الآية: ودوا أنهم خارجون إلى البدو في جملة الأعراب خوفًا من الأحزاب. قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ﴾. الأظهر أن قوله: (يسألون) صفة للنكرة التي هي بادون بتقدير: بادون سائلون عن أنبائكم أي: ودوا أنهم بالبعد منكم وهم يسألون عن أخباركم يقولون: ما فعل محمد وأصحابه فيعرفون حالهم [[هكذا في النسخ! ولعل الصواب: حالكم. حتى يستقيم السياق.]] وما أنتم فيه بالاستخبار لا بالمشاهدة، وهذا معنى قول المفسرين [[انظر: "تفسير الطبري" 21/ 142، "مجمع البيان" 8/ 547، "القرطبي" 14/ 155]]. وقال الكلبي: يسألون عن خبر المؤمنين ساعة بعد ساعة، فزعًا وفرقًا من القتال [[لم أقف عليه عن الكلبي. وانظر: "القرطبي" 14/ 155.]]. وعلى هذا القول (يسألون) ابتداء كلام وخبر عنهم، والمعنى: أنهم لجبنهم أبدًا يسألون عن أخبار المؤمنين هل قصدهم عدو وأضلتهم حرب، وذلك أنهم يحتاجون أن يشاهدوا معهم القتال، وإن كرهوا ذلك فلذلك يكثر سؤالهم عن حالهم حتى إن لم يقصدهم عدو ولم يعرض لهم حرب فرحوا، هذا معنى ما ذكره الكلبي. ويجوز أن يكون سؤالهم عن أنبائهم؛ لأنهم يتربصون بهم الدوائر فيهم [[هكذا في النسخ! ولعل الصواب: فهم.]] أبدًا يفحصون عن حالهم شماتة بهم إذا أصابتهم نكاية أو عرض لهم عارض شر، والصحيح ما ذكرنا أولاً، وهو أن قوله: ﴿يَسْأَلُونَ﴾ متصل بما قبله؛ لقوله: {وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا}، وهذا يدل على أن الكلام متصل. قال الكلبي: ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾ رميًا بالحجارة [[ذكر هذا القول ابن الجوزي في "زاد المسير" 6/ 367، ونسبه لابن السائب.]]. ولو كان ذلك القليل لله كان كثيرًا. وقال مقاتل: يعني ما قاتلوا إلا رياء وسمعة من غير خشية [["تفسير مقاتل" 90 أ.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب