قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ يقال: أردت لأفعل كذا وأن أفعل كذا، قال الله تعالى بما أوصاكن من الطاعة ولزوم البيت.
﴿لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾. قال ابن عباس: يريد عمل الشيطان وما ليس لله فيه رضا [["تفسير مقاتل" 91 ب.]]. وقال مقاتل: يعني الإثم الذي يحصل مما نهاهن عنه وأمرهن بتركه [[انظر: "تفسير الثعلبي" 3/ 197 ب،"تفسير الطبري" 22/ 5، "البغوي" 3/ 275.]].
وقال قتادة: يعني السوء [[لم أقف عليه.]]. وقال أبو عمرو بن العلاء: القذر الرجس [[لعله عند قوله تعالى في المائدة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: من الآية: 90]]]. وهذا مما سبق الكلام في تفسيره (¬8).
واختلفوا في المراد بأهل البيت هاهنا، من هم؟ فقال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: هذا في نساء النبي -ﷺ- [[انظر: "تفسير الثعلبي" 3/ 197 ب، "القرطبي" 14/ 182، "تفسير ابن أبي حاتم" 9/ 3132، وأورده السيوطي في "الدر" 6/ 602، وزاد نسبته لابن عساكر.]].
وقال عكرمة: إنما هو في أزواج النبي -ﷺ- خاصة [[انظر: "تفسير الطبري" 22/ 8،"القرطبي" 14/ 182، "الدر المنثور" 6/ 603، وقال: أخرج ابن جرير وابن مردويه عن عكرمة، "تفسير ابن أبي حاتم" 9/ 3132.]].
وقال مقاتل: يعني بها نساء النبي كلهن؛ لأنهن في بيته [["تفسير مقاتل" 91 ب.]].
وقال الكلبي: يعني بذلك نساء النبي -ﷺ- [[ذكره أبو حيان في "البحر المحيط" 7/ 224.]].
وهؤلاء احتجوا بما تقدم من الخطاب وما تأخر، وهو قوله: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى﴾ الآية. وكل ذلك خطاب لأزواج رسول الله -ﷺ- خاصة. قالوا: وإنما ذكر الخطاب في قوله: عنكم ويطهركم، لأن رسول الله -ﷺ- كان فيهم، وإذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر [[انظر: "تفسير الثعلبي" 3/ 197 ب.]].
وقال آخرون: هذا خاص في النبي -عليه السلام- وفاطمة وعلي والحسن والحسين.
وهو قول أبي سعيد الخدري [[انظر: "تفسير الثعلبي" 3/ 197 ب، "تفسير الطبري" 6/ 22، "الدر المنثور" 6/ 604، وقال: أخرج ابن مردويه والخطيب عن أبي سعيد الخدري.]]، ورووا في هذا روايات عن أم سلمة وعائشة وواثلة بن الأسقع [[هو: واثلة بن الأسقع بن كعب بن عامر الليثي من أصحاب الصفة، أسلم سنة 9 هـ، وشهد غزوة تبوك، وكان من فقراء المسلمين -رضي الله عنه-، وقد اعتمده البخاري وغيره، توفي -رضي الله عنه- سنة 83 هـ، وقيل: 85 هـ وكان آخر من مات من الصحابة بدمشق.
انظر: "الاستيعاب" 4/ 606، "الإصابة" 4/ 589، "سير أعلام النبلاء" 3/ 383.]]، وأنس بن مالك أن النبي -ﷺ- غشا هؤلاء بكساء، وقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا" [[انظر: "الثعلبي" 3/ 197 ب، "تفسير الطبري" 22/ 6، "تفسير ابن كثير" 3/ 484 وما بعدها، وذكر هذه الروايات السيوطي في "الدر" 6/ 602 وما بعدها، "تفسير ابن أبي حاتم" 9/ 3133.]]. وهذا لا يدل على أن هذه الآية خاصة فيهم؛ لأن هذه الرواية تدل على أن النبي -ﷺ- دعا لهم بهذا الدعاء، وسأل الله أن يطهرهم، لا جرم أنه استجيب له فيهم بالتطهير، ولقد أحسن أبو إسحاق في تفسير هذه الآية، فقال: اللغة تدل على أنه للنساء والرجال جميعًا؛ لقوله: ﴿عَنْكُمُ﴾ و ﴿وَيُطَهِّرَكُمْ﴾ بالميم، ولو كان للنساء لم يجز إلا عنكن ويطهركن، ودليله: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ حين أفرد النساء بالخطاب [["معاني القرآن وإعرابه" 4/ 226.]]. وعلى هذا هو خطاب لأزواج النبي -ﷺ- ورجال بيته، قال: وانتصب (أهل البيت) على معنى: أعني أهل البيت، وهو منصوب على المدح قال: ويكون على النداء على معنى: يا أهل البيت) [[المرجع السابق.]].
قوله: ﴿وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾. قال مقاتل: من أثم ما ذكر في هذه الآيات [[لعل الكلام هنا خطأ، والصواب كما في "تفسير مقاتل" 92 أ: من الإثم الذي ذكر في هذه الآيات.]]. والمعنى من نجاسات الجاهلية؛ لأن ما أمرن به كله مضاد لأهل معان الجاهلية، ثم وعظهن ليتفكرن وامتن عليهن [بقوله] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]].
{"ayah":"وَقَرۡنَ فِی بُیُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَـٰهِلِیَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِینَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۤۚ إِنَّمَا یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَیۡتِ وَیُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِیرࣰا"}