الباحث القرآني

قوله: ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾ قال مقاتل: وأرسلناه قبل أن يلتقمه الحوت [["تفسير مقاتل" 114 أ.]]. وعلى هذا الإرسال وإن ذكر بعد الالتقام فالمراد به التقديم، والواو معناها الجمع، وليس فيها دليل على أن أحد الشيئين أو الأشياء قبل الآخر. وروي عن ابن عباس أنه قال: كانت رسالة يونس بعد ما نبذه الحوت [[انظر: "الطبري" 23/ 105، "الماوردي" 5/ 69، "القرطبي" 15/ 130.]]. وعلى هذا يجوز أنه أرسل إلى قوم آخرين سوى القوم الأُوَلْ، ويجوز أن يكون أرسل إلى الأولين ثانيًا بشريعة فآمنوا بها. وقوله: ﴿أَوْ يَزِيدُونَ﴾ قال أبو عبيدة: (أو هاهنا ليس بشك، وقالوا هي في موضع الواو وأنشد لجرير: أثعلبة الفوارس أو رياحا ... عدلت بهم طُهيَّة والخشابا [[البيت من الوافر، وهو لجرير في "ديوانه" ص 814، "الكتاب" 1/ 102 - 3/ 183، "لسان العرب" 1/ 355 (خشب)، "مجاز القرآن" 2/ 148 - 175، "المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية" 3/ 1138. قوله: أثعلبة أراد بها قبيلة، ورياحاً أراد بها أيضًا قبيلة، وهي رياح بن يربوع. وطُهيَّة حي من تميم، والخشابا أيضًا قبيلة.]] [وأيضًا] [[ما بين المعقوفين بياض في (ب).]]: [إن] بها أكتل أو رزاما ... خُوَيرِبين ينفقان الهاما [[الرجز لرجل من بني أسد في "الكتاب" 2/ 149، "الأزهية" ص 116، وبلا نسبة في "الكامل" 2/ 754، "لسان العرب" 11/ 8582 (كتل)، "مغني اللبيب" 1/ 63. وأكتل ورزام لصان كان يقطعان الطريق، والخويرب تصغير خارب، وهو اللص أو سارق الإبل خاصة، وإلهام جمع هامة وهي الرأس. وينفقان الهاما أي يستخرجان الدماغ والمخ. وهذا مثل ضربة لحذقهما بالسرقة. "شرح الكتاب" لعبد السلام هارون 2/ 149. والشاهد فيه أن خويربين انتصبا على الشتم ولو كان على إنَّ لقال خويربًا لكنه انتصب على الشتم.]] قال: ولو كان شكًا ما قال خويربين وإنما هو أكتل ورزام) [["مجاز القرآن" 2/ 175.]]. وقال ابن الأحمر: ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث ... إلى داكما ما غيبتني غيابيا [[البيت من الطويل وهو لابن أحمر في "ديوانه" ص 171، "الأزهية" ص 115، "خزانة الأدب" 11/ 71. والشاهد فيه قوله: فالبثا شهرين أو نصف ثالث، يريد إلبثا شهرين ونصف ثالث فجاءت أو بمعنى الواو.]] وهذا قول قطرب واختيار أبي قتيبة فقال: (أو ربما كانت بمعنى واو النسق كقوله: ﴿عُذْرًا أَوْ نُذْرًا﴾ [المرسلات: 6] وقوله: ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: 44]، وقوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا﴾ [طه: 113]. قال: وهذا كله عند المفسرين بمعنى واو النسق. قال: ونحو هذا قال: ﴿وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ﴾ [النحل: 77]، وقوله: ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ [[في (أ): (وكان)، وهو خطأ.]] [النجم: 9]. وقال: وبعضهم يذهب إلى أنها بمعنى بل في هاتين الآيتين وفي قوله: ﴿أَوْ يَزِيدُونَ﴾ على مذهب التدارك، وليس كما تأولوا، وإنما هي في جميع هذه المواضع بمعنى واحد: ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾، ﴿وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ﴾، ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾، وأنشد بيت ابن الأحمر الذي أنشده أبو عبيدة، وقال: هذا البيت يوضح لك معنى الواو؛ لأنه أراد شهرين ونصف شهر ثالث) [["تأويل المشكل" ص 443 - 444 - 445.]]. وقال الفراء: أو هاهنا بمعنى بل كذلك جاء في التفسير مع صحته في العربية [["معاني القرآن" 2/ 393.]]. وهذا الذي قاله الفراء قول مقاتل [["تفسير مقاتل" 114 أ.]] والكلبي [[لم أقف على هذا القول عن الكلبي وهو قول يروى عن ابن عباس. انظر: "الماوردي" 5/ 69، "القرطبي" 15/ 132.]]. وأنكر البصريون القولين [[في (أ): (القول).]] جميعًا. قال الأخفش في قوله: ﴿إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾ يقول: كانوا كذلك عندكم [["معاني القرآن" 2/ 491.]]. وشرحه الزجاج فقال: (معناه: أو يزيدون في تقديركم إذا رآهم الرائي قال: هؤلاء مائة ألف أو يزيدون على المائة. وهذا هو القول لأنه على أصل أو. وقال: ولا يجوز أن تكون بمعنى الواو؛ لأن الواو للاجتماع وليس فيها دليل على أن أحد الشيئين قبل الآخر، وأو معناها إفراد أحد الشيئين أو أشياء) [["معاني القرآن وإعرابه" 4/ 314.]]. وزاد أبو الفتح الموصلي بيانًا لمذهب البصريين فقال: (ومعناه: وأرسلناه إلى جمع لو رأيتموه قلتم أنتم فيهم هؤلاء مائة ألف أو يزيدون، فهذا الشك إنما دخل في الكلام على حكايته قول المخلوقين؛ لأن الخالق جل جلاله لا يعترضه الشك في شيء من خبره، ومثل هذا في المعنى كثير في التنزيل كقوله: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان: 49]، وقوله: ﴿وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ﴾ [الزخرف: 49]، وقالوا هذا بعد إيمانهم وتقديره: يا أيها الساحر عند أولئك الذين يدعونك ساحرًا) [["سر صناعة الإعراب" 1/ 456]]، وقد ذكرنا قبل هذا في مواضع من هذا الكتاب. قال أبو الفتح: (ألطف وأوضح من قول قطرب أن أو بمعنى الواو) [["المصدر السابق".]]. قال الفراء [["معاني القرآن" 2/ 394.]]: إن أو بمعنى بل. وقال المبرد: (معناه أرسلناه إلى مائة ألف، فهم فرضه الذي عليه أن يؤديه، فإن زاد بالأولاد فعليه أيضًا دعاؤهم نافلة غير فرض) [[لم أقف عليه بهذا اللفظ عن المبرد. وقد ذكر النحاس في "معاني القرآن" 6/ 61، قول المبرد: وقال محمد بن يزيد (أو) على بابها، والمعنى أرسلناه إلى جماعة لو رأيتموهم لقلتم مائة ألف أو أكثر.]]. واختلف المفسرون في الزيادة على المائة ألف. فقال الكلبي ومقاتل: يزيدون عشرين ألفًا، وهو قول السدي [["تفسير مقاتل" 114 أ، ولم أقف عليه عن الكلبي والسدي. وقد ذكره أكثر المفسرين منسوبًا لابن عباس ولأبي -رضي الله عنهم- جميعًا. انظر: "الطبري" 23/ 104، "الماوردي" 5/ 70، "ابن كثير" 4/ 22.]]. وروى مولى لابن عباس عنه قال: مائة ألف وبضعة [[في (ب): (تسعة).]] وثلاثون ألفاً [[انظر: "زاد المسير" 7/ 90، "ابن كثير" 4/ 22.]]. وهو قول الحسن والربيع [[انظر: "القرطبي" 15/ 132، "مجمع البيان" 8/ 717، "البغوي" 4/ 44.]]. وقال سعيد بن جبير: يزيدون سبعين ألفًا [[انظر: "الماوردي" 5/ 75، "المحرر الوجيز" 4/ 487، "البغوي" 4/ 44.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب