الباحث القرآني

قوله: ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا﴾، اختلفوا في الجنة وفي هذا النسب الذي جعلوه. فروى السدي عن أبي صالح قال: الجنة: الملائكة [[انظر: "تفسير السدي" ص 406، "القرطبي" 15/ 134.]]. وروى عن أبي مالك قال: إنما سموا الجنة لأنهم كانوا على الجنان [[انظر: "القرطبي" 15/ 134، وأورده السيوطي في "الدر" 7/ 134، وعزاه لابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي مالك، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 10/ 3231.]]. وقال مقاتل: جعلوا نسبًا بين الرب والملائكة حين زعموا أنهم بنات الله [["تفسير مقاتل" 114 ب.]]. وعلى هذا القول الجنة هم الملائكة. سموا جنة لاجتنانهم عن الأبصار، أو لأنهم خُزَّان الجنة كما ذكر السدي. وقال الكلبي: قالوا لعنهم الله تزوج من الجن فخرج منها الملائكة. تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيراً [[انظر: "تفسير الثعلبي" 3/ 253 أ، "البغوي" 4/ 44، "زاد المسير" 7/ 91.]]. وقال قتادة: قالوا صاهر الجن، والملائكة من الجن [[انظر: "تفسير عبد الرزاق" 2/ 157 ، "الطبري" 23/ 108، "معاني القرآن" للنحاس 6/ 65.]]. فذلك قوله: ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا﴾. وقال مجاهد: قالت كفار قريش: الملائكة بنات الله، فقال لهم أبو بكر الصديق: فمن أمهاتهم؟ قالوا: سروات [[يعنون أشرافهم.]] الجن [["تفسير مجاهد" ص 546. وانظر: "الطبري" 23/ 108، "تفسير الثعلبي" 3/ 253 أ.]]. وعلى هذا القول: الجنة أولاد الجن، والنسب هو المصاهرة وروي قول آخر عن الحسن، قالوا: أشركوا الشيطان في عبادة الله، فهو النسب الذي جعلوه [[انظر: "الماوردي" 5/ 70، "البغوي" 4/ 45، "القرطبي" 15/ 135.]]. يعني أنهم عبدوه مع الله وأطاعوه وكأنهم جعلوه نسبًا لله، حيث اعتقدوا طاعته. وفيه بعد. والاختيار القول الأول، وهو قول الفراء [["معاني القرآن" 2/ 394.]] وأبي إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 4/ 315.]]، يدل عليه ما بعده من قوله: ﴿وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ﴾، أي: قد علمت الملائكة أن الذي قالوا هذا القول محضرون النار ويعذبون. قاله مقاتل [["تفسير مقاتل" 114 ب.]]، وعطاء [[لم أقف عليه عن عطاء. وأورده الطبري في "تفسيره" 23/ 8، عن السدي.]]، والفراء، وأبو إسحاق، والكناية في قوله: إنهم تعود على الكفار الذين قالوا هذا القول وجعلوا هذا النسب، وعلى القول الأول الكناية تعود على الجِنَّة، والمعنى: ولقد علمت الجِنة أنهم سيحضرون الحساب. قال مجاهد: والتأويل أنه لو كان كما قال الكفار من أن بين الله وبينهم نسبًا ما أحضروا الحساب، وإحضارهم للحساب دليل على أنه لا نسب بينه وبينهم [[لم أقف عليه، وقد ذكر ابن أبي حاتم في "تفسيره" 10/ 3231 قريبًا من هذا القول عن مجاهد.]]، كما قال الله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾ [المائدة: 18]، يعني: أن تعذيبه إياكم يدل على أنكم لستم كما تقولون.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب