الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا﴾ قال الفراء [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 3/ 28.]] والزجاج [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 405.]]: يقال: ضربت عنه وأضربت عنه، أي: تركته وأمسكت عنه. وقوله: (صفحًا). قال ابن قتيبة: أي: إعراضًا، يقال: صَفَحْت عن فلان، إذا أعرضت عنه، والأصل في ذلك أنك موليه صَفْحةَ عنقك. قال كُثيِّر يذكر امرأةً صفوحًا: صفُوحًا فَما تَلْقَاكَ إلا بَخِيلَةً ... فَمنْ مَلَّ مِنْها ذَلِك الوَصْلَ مَلَّتِ أي: معرضة بوجهها [[إلى هنا انتهى ما نقله عن ابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" ص 395.]]. وقال أبو علي: وانتصاب (صفحًا) من باب: (صُنْعَ الله) لأن قوله: (أفنضرب عنكم الذكر) يدل على أصفح عنكم صفحًا [[انظر: "الحجة للقراء السبعة" 6/ 138.]]، واختلفوا في معنى الذكر هاهنا، فقال أبو صالح ومجاهد: يعني: ذكر العذاب، والمعنى: يكذبون بالقرآن ولا يعاقبون [[أخرج ذلك الطبري 13/ 49، وانظر: "تفسير الماوردي" 5/ 216، "الجامع لأحكام القرآن" 16/ 62.]]. قال أبو إسحاق: المعنى: أفنضرب عنكم ذكر العذاب بأن أسرفتم، قال: والدليل على أن المعني هذا قوله: ﴿فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا﴾ [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 4/ 206.]] وعلى هذا ضَرْب الذكر: رده وكفه، واختيار الفراء على هذا القول، وقال: المعنى: أفنضرب عنكم ذكر الانتقام منكم والعقوبة لكم، لأن كنتم قومًا مسرفين [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 3/ 27 ونص عبارته: والعرب تقول: قد أضربت عنك وضربت عنك، إذا أردت به: تركتك وأعرضت عنك.]]. وقال آخرون: معنى: الذكر هاهنا القرآن والتذكير به، قال ابن عباس: يريد: الضرب عنكم الموعظة [[لم أقف عليه، وكذا رسمها في الأصل، ولعل الصواب: نضرب أو أضرب.]]، وقال الكلبي: يقول الله لأهل مكة: أفنترك عنكم الوحي صفحًا فلا نأمركم بشيء ولا ننهاكم [[ذكر ذلك الثعلبي 10/ 79 أ، والبغوي 7/ 256، وأبو حيان 8/ 6 عن الكلبي.]] ولا نرسل إليكم رسولاً أن كنتم قومًا مشركين، المعنى على هذا: أفنمسك عن إنزال القرآن ونتركه من أجل أنكم لا تؤمنون به [[انظر: "تفسير الطبري" 13/ 49، "البغوي" 7/ 206، "الجامع" للقرطبي 16/ 62.]]، وهذا معنى قول قتادة: والله لو كان هذا القرآن رُفع حين ردَّه أوائل هذه الأمة لهلكوا، ولكن الله برحمته كرره عليهم ودعاهم إليه عشرين سنة [[أخرج ذلك الطبري 13/ 49 عن قتادة، ونسبه البغوي 7/ 206 لقتادة.]]. قال الأزهري: أفنعرض عن تذكيركم إعراضًا من أجل إسرافكم في كفركم [[انظر: "تهذيب اللغة" (صفح) 4/ 257.]]. وقال أبو إسحاق مثل هذا القول أي: أنهملكم فلا نعرفكم ما يجب عليكم لأن أسرفتم [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 4/ 406.]]، والاختيار هذا القول، وهو قول ابن زيد واختيار الجبائي [[هو: محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي أبو علي من أئمة المعتزلة ورئيس علماء الكلام في عصره وإليه نسبة الطائفة (الجبائية) مات سنة ثلاث وثلاثمائة، انظر: "وفيات الأعيان" 1/ 480، "البداية والنهاية" 11/ 125، "الأعلام" 6/ 256.]] لأنه أليق بما بعده من قوله: (أن كنتم قومًا مسرفين) [[لم أقف عليه.]]، وقرئ ﴿إِنْ كُنْتُمْ﴾ بكسر الهمزة وفتحها، فمن فتح فالمعنى: لأن، والكسر على أنه جزاء استغني عن جوابه بما تقدمه، مثل: أنت ظالم إن فعلت، كأنه قال: إن كنتم قومًا مسرفين نضرب [[انظر: "تفسير الطبري" 13/ 50، "إعراب القرآن" للنحاس 4/ 98، "الحجة" لأبي علي 6/ 138.]]. وقال أبو إسحاق: من كسر فعلى معنى الاستقبال، على معنى: إن تكونوا مسرفين، وقرئ: ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ﴾ [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 4/ 405.]]، وقال الفراء: ومثله ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ﴾ [المائدة: 2] و (أن صدوكم) بالكسر والفتح وأنشد: أَتَجْزعُ إِنْ أُذْنَا قُتَيْبَةَ حُزَّتا ... جِهَارًا وَلَم تَجْزَعْ لِقَتْلِ ابن خَازِمِ [[البيت للفرزدق انظر: "ديوانه" 855، "الخزانة" 3/ 655، "شرح شواهد المغني" 1/ 86، وهو من قصيدة يمدح فيها سليمان بن عبد الملك ويهجو جريرًا وقتيبة هو: قتيبة بن مسلم الباهلي القائد المشهور، وأما ابن خازم فهو: عبد الله بن خازم السلمي أمير خراسان من قبل ابن الزبير، والشاهد فيه كسر (إن) وحملها على معنى الشرط، وقد ورد البيت في "تفسير الطبري" 13/ 50، "الدر المصون" 6/ 92.]] قال: وفي قوله: ﴿أَنْ صَدُّوكُمْ﴾ ﴿أَنْ﴾ الفتح والكسر [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 3/ 27.]] واختار أبو عبيد النصب، وقال: لأن الله تعالى عاتبهم على ما كان منهم، وعلمه قبل ذلك من فعلهم [[ذكر ذلك الثعلبي 10/ 79 ب، والشوكاني في "فتح القدير" 4/ 548 عن أبي عبيد، وذكره بهذا اللفظ القرطبي 13/ 63 ولكن نسبه لأبي عبيدة فلعله تصحيف (عبيد).]]. ثم عزى نبيه بقوله:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب