الباحث القرآني

قوله: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ﴾ قال الفراء: هذا خبر في منزلة الأمر، كأنه قيل: قل للذين آمنوا اغفروا، ولكنه جزم بالتشبيه بالجزاء والشرط، كقوله: قم تصب خيرًا، وليس كذلك، ولكن العرب إذا أخرج الكلام في مثال غيره وهو مقارب له، أعربوه بإعرابه، فهذا من ذلك [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 3/ 45، 46.]] وقد استقصينا الكلام في هذه المسألة عند قول: ﴿قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [إبراهيم: 31]. واختلفوا في سبب نزول الآية، قال ابن عباس في رواية عطاء، وهو قول مقاتل [[انظر: "تنوير المقباس" ص 500، و"تفسير مقاتل" 3/ 837، و"زاد المسير" 7/ 357، و"الجامع لأحكام القرآن" 16/ 161.]]: نزلت في عمر رضي الله عنه، قال ابن عباس: يريد عمر بن الخطاب خاصة ﴿يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ﴾ يريد: عبد الله بن أبي، وذلك أنهم تولوا في غزاة [[كانت هذه الغزوة في شعبان من السنة السادسة من الهجرة وكان قائد بني المصطلق الحارث ابن أبي ضرار، أبو جويرية بنت الحارث التي تزوجها رسول الله -ﷺ- بعد ذلك. انظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 333، و"البداية والنهاية" 4/ 156.]] بني المصطلق [[هم: بطن من خزاعة من القحطانية وهم بنو المصطلق واسمه جذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة غزاهم النبي -ﷺ- واشتهرت بغزوة بني المصطلق وذلك سنة ست من الهجرة على ماء لهم يقال له: المريسيع. انظر: "معجم قبائل العرب" 3/ 1104.]] على بئر يقال له المريسيع [[المُرَيسِيعُ: بالضم ثم الفتح وياء ساكنة ثم سين مهملة مكسورة وياء أخرى وآخره عين مهملة في الأشهر، ورواه بعضهم بالغين معجمة. كأنه تصغير المرسوع وهو الذي انسلقت عينه من السهر، وهو اسم ماء في ناحية قُديد إلى الساحل، لار النبي -ﷺ- في سنة خمس وقال أبو إسحاق في سنة ست إلى بني المصطلق من خزاعة لما بلغه أن الحارث بن أبي ضرار الخزاعي قد جمع له جمعا فوجدهم على ماء يقال له المريسيع فقاتلهم وسباهم. انظر: "معجم البلدان" 5/ 118.]] فأرسل عبد الله غلامه ليستقي الماء فأبطأ عليه، فلما أتاه قال له ما حبسك؟ قال غلام عمر: تَعدّ على فضل البير، فما ترك أحدًا يستقي حتى ملأ قرب النبي -ﷺ- وقرب أبي بكر وملأ لمولاه، فقال عبد الله: ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل: سمن كلبك يأكلك، فبلغ قوله عمر فاشتمل بسيفه يريد التوجه إليه فأنزل الله هذه الآية. وقال مقاتل: شتم رجل من كفار قريش بمكة عمر، فهَمَّ عمر أن يبطش به، فأمره الله بالعفو والتجاوز وأنزل هذه الآية [[انظر: "تفسير مقاتل" 3/ 837، و"تفسير السمرقندي" 3/ 224، و"تفسير البغوي" 7/ 242.]]. وروى ميمون بن مهران [[[كذا في الأصل وقد سننه لفظ (أن).]]] فنحاص اليهودي، قال لما نزل قوله ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ﴾ قال: احتاج رب محمد، فلما سمع بذلك عمر اشتمل على سيفه وخرج في طلبه، فأنزل الله هذه الآية، فبعث النبي -ﷺ- في طلبه حتى رَدَّه [[أخرج ذلك الثعلبي. انظر: تفسيره 10/ 100 أ، والواحدي في "أسباب النزول" ص 399 وأورده ابن الجوزي في "زاد المسير" 7/ 358.]]. قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ﴾ قال ابن عباس: لا يرجون ثواب الله ولا يخافون عقابه [[لم أقف عليه.]]. وقال مقاتل: لا يخشون مثل عذاب الأمم الخالية [[انظر. "تفسير مقاتل" 3/ 837.]]. وقال مجاهد: لا ينالون نعم الله أو نقم الله [[أخرج ذلك الطبري عن مجاهد 3/ 144.]]، وذلك أنهم لا يؤمنون به فلا يرجون ثوابه ولا يخافون عقابه، كما قال ابن عباس، وذكرنا أيام الله عند تفسير قوله: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: 5] وأجمعوا أن هذه الآية نزلت قبل أن يؤمر النبي -ﷺ- بقتال أهل مكة وأنها منسوخة بآية القتال [[ذكر ذلك الطبري في تفسيره 13/ 144، والنحاس في "الناسخ والمنسوخ" 2/ 625، ومكي في "الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه" ص 355، وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" ص 459، وابن حزم في "الناسخ والمنسوخ" ص 55، وابن البارزي في "ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه" ص 49، وأبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ في القرآن العزيز" ص 191.]]، إلا على ما رواه عطاء عن ابن عباس، فإن على روايته نزلت الآية بعد الأمر بالقتال؛ لأنه ذكر أن الآية نزلت بعد غزوة بني المصطلق [[وقد رجح الدكتور سليمان اللاحم أن الآية محكمة في تحققه لكتاب "الناسخ والمنسوخ" للنحاس 2/ 626، وقال ابن الجوزي أيضًا: ويمكن أن يقال أنها محكمة وذكر رواية عطاء عن ابن عباس. انظر: "نواسخ القرآن" لابن الجوزي ص 460، كما ذكر المؤلف رواية عطاء في "أسباب النزول" ص 399، وذكرهما أيضًا القرطبي في "الجامع" 16/ 161.]] والصحيح أنها نزلت قبل الأمر بالقتال والله أعلم، قال قتادة [[أخرج ذلك الطبري عن قتادة. انظر: "تفسيره" 13/ 144، والنحاس في "الناسخ والمنسوخ" 2/ 626.]]: نسختها ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: 5] وقال أبو صالح [[أخرج ذلك الطبري عن أبي صالح. انظر: تفسيره 13/ 145، وذكره ابن الجوزي في "نواسخ القرآن" ص 460.]]: نسختها ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ﴾ [الحج: 39] الآية. قوله تعالى: ﴿لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد يجازي الذين أحسنوا الجنة، والذين أساؤوا بالعذاب [[لم أقف عليه.]]، وقال مقاتل: لكن نجزي بالمغفرة قومًا يعملون الخير [[انظر: "تفسير مقاتل" 3/ 837.]]. وقال آخرون: معنى الآية: قل للمؤمنين يتجاوزوا عن الكفار ليجزي الله الكفار بما كسبوا من الإثم ليوفيهم عقاب سيئاتهم بما عملوا من ذلك، قيل لا قكافؤنهم أنتم لنكافيهم نحن [[انظر: "زاد المسير" 7/ 359.]]، ثم ذكر المؤمنين وأعمالهم والمشركين وأعمالهم بقوله:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب