﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ﴾ وهي مفسَّرة في سورة فاطر [آية: 40] إلى قوله: ﴿ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا﴾ أي: ائتوني بكتاب من قبل القرآن فيه برهان ما تدعون من عبادة الأصنام ﴿أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ﴾، قال أبو عبيدة: أي بقية، ويقال: ناقة ذات أثارة، أي بقية من شحم [[انظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 212.]]، ونحو هذا ذكر الفراء [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 3/ 50.]]، والزجاج [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 4/ 438.]] في معنى الأثارة أنها البقية.
قال ابن قتيبة: أي بقية علم عن الأولين [[انظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص 407.]]، وزاد الفراء فقال: ويقال أو شيء مأثور من كتب الأولين، قال: وأثارة على المصدر مثل: السماحة والشجاعة [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 3/ 50.]]، وزاد الزجاج فقال: (أثارة) معناها علامة من علم [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 4/ 438.]].
وقال المبرد: أثارة ما يؤثر من علم، كقولك: هذا حديث يؤثرُ عن فلان، ومن ثَمَّ سميت الأخبار الآثار، يقال: في الأثر كذا وكذا، قال: وقالوا في الأثارة: الشيء الحسن البهي في العين، يقال للناقة: ذات أثارة، إذا كانت ممتلئة تروق العين، يقال: أثرة وأثارة على فَعَلة وفَعَالة، فهذا ما ذكره علماء اللغة في تفسير هذا الحرف [[انظر: "تهذيب اللغة" (أثر) 15/ 119، و"الصحاح" (أثر) 2/ 574، و"اللسان" (أثر) 4/ 5.]]، وهو ينقسم إلى أقوال ثلاثة:
الأول: البقية، واشتقاقه من: أَثَرْثُ الشيء أُثِيره إِثَارَة، كأنها بقية تستخرج فتثار، وهو قول الحسن [[أخرج ذلك الطبري عن الحسن. انظر: "تفسيره" 13/ 3/2، و"تفسير الحسن البصري" 2/ 281، و"زاد المسير" 7/ 369.]].
الثاني: من الأثر الذي هو الرواية [[أخرج ذلك الطبري عن مجاهد. انظر: تفسيره 13/ 3/2، و"تفسير مجاهد" ص 602، و"تفسير الماوردي" 5/ 271.]]، ومنه قول الأعشى:
إنَّ الذي فيه تَمَارَيْتُمَا ... بُيِّنَ للسَّامِع والأَثِرِ [[انظر: "ديوانه" ص 92، و"اللسان" (أثر) 4/ 6، و"تفسير الثعلبي" 10/ 106 ب، و"الدر المصون" 6/ 135.]]
الثالث: من الأثر بمعنى العلامة [[وهذا قول الزجاج، انظر: "معاني القرآن" 4/ 438، و"زاد المسير" 7/ 369.]]، وعلى [هذا المعاني] [[كذا رسمها في الأصل ولعل الصواب (هذه المعاني).]] يدور كلام المفسرين، روى عطاء عن ابن عباس؛ قال: يريد أو شيء ترويه عن نبي كان قبل محمد -ﷺ-.
وقال مقاتل: أو رواية من علم عن الأنبياء أن لله شريكًا [[انظر: "تفسير مقاتل" 4/ 15، ونسبه في "الوسيط" لعطاء. انظر: 4/ 103.]]، وقال: هذا قول مجاهد وعكرمة والقرظي [[أخرج الطبري عن مجاهد بلفظ: (أحد يأثر علمًا) 13/ 2/ 3، وذكر الماوردي عن عكرمة ميراث من علم 5/ 271، وذكر الثعلبي قول القرظي بلفظ: الإسناد 10/ 106 ب، وذكره أيضًا القرطبي 16/ 182.]]، وعلى هذا الأثارة مصدر يقال: أثر ياثر أثراً وأثارة بمعنى روى، وقال في رواية الكلبي: بقية من علم [[انظر: "تنوير المقباس" ص 502.]]، وعلى هذا معنى قول قتادة: خاصة من العلم؛ لأن الخاصة من العلم بقية منه بقيت عند خواص العلماء [[انظر: "تفسير الطبري" 13/ 3/ 2، و"الماوردي" 5/ 271، و"القرطبي" 16/ 182.]]، ويحتمل قول قتادة وجهًا آخر، وهو أن تكون الأثارة من إيثار والاستيثار يقال: أثرت فلانًا بكذا، إذا خصصته به واستأثر فلان بكذا، إذا اختص به دون غيره [[انظر: "تهذيب اللغة" (أثر) 15/ 122، و"اللسان" (أثر) 4/ 8، و"معاني القرآن" للنحاس 6/ 440.]]، ومنه قول الأعشى:
استأثَرَ اللهُ بالوَفَاءِ وبـ ... الحَمْدِ وولَّى الملامَةَ الرَّجُلا [[انظر: "شرح المعلقات العشر" ص 137، و"اللسان" (أثر) 4/ 8.]]
ويقال لفلان: أثرة بكذا أو أثارة، أي اختصاص، ويؤكد ما قلناه قراءة السلمي والحسن (أو أَثَرةٍ من علم) [[ذكره هذه القراءة الكلبي في "تفسير" 10/ 106 ب، والماوردي في "تفسيره" 5/ 271، والقرطبي في "الجامع" 16/ 182، وأبو حيان في "البحر المحيط" 8/ 55، وهي بفتح الهمزة والثاء.]]، والمعنى على هذا: ائتوني بعلم تنفردون به دوننا، فإنا لا نعلم أن لله شريكًا، وهذا وجه حسن، وروى أبو سلمة [[هو: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.]] عن ابن عباس والشعبي أيضًا عنه في قوله: ﴿أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ﴾ قال: هو علم الخط [[أخرج ذلك الحاكم عن أبي سلمة عن ابن عباس، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. انظر: "المستدرك" التفسير 2/ 454. كما أخرج رواية الشعبي عن ابن عباس وقال: هذه زيادة عن ابن عباس في قوله -عز وجل- غريبة في هذا الحديث، وسكت عنه الذهبي 2/ 454.]]، وهو خط كان تخطه العرب في الأرض.
وروي عن النبي -ﷺ- أنه قال: "قد كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه، عَلِمَ عِلْمَه" [[أخرج مسلم في "صحيحه" عن معاوية بن الحكم السلمي في حديث طويل، وفيه قال: قلت: ومنا رجال يخطون قال: "كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك"، انظر: "صحيح مسلم" كتاب المساجد، باب 7، تحريم الكلام في الصلاة .. 1/ 381، وفي كتاب السلام، باب 35، تحريم الكهانة وإتيان الكهان == 2/ 1749، كما أخرجه الإمام أحمد في "المسند" 5/ 447، والنسائي في "السنن" كتاب السهو، باب 20، الكلام في الصلاة 3/ 14، وأبو داود في "السنن" كتاب الطب، باب 23، في الخط وزجر الطير 4/ 229.]]. والمعنى على هذا: ائتوني بعلم من قبل الخط الذي تخطونه في الأرض ، وكأنه قيل لهم ذلك لأنهم كانوا يعدونه علمًا لهم وبياناً في الأمور فقيل لهم: ائتوني بعلم من هذه الجهة على ما تدعونه حقًّا إن كنتم صادقين أن لله شريكًا. واشتقاق هذا القول من الأثر بمعنى العلامة، والخط أثر.
{"ayah":"قُلۡ أَرَءَیۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِی مَاذَا خَلَقُوا۟ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكࣱ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِۖ ٱئۡتُونِی بِكِتَـٰبࣲ مِّن قَبۡلِ هَـٰذَاۤ أَوۡ أَثَـٰرَةࣲ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ"}