الباحث القرآني

قوله: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ﴾ (إذ) متعلق بقوله: (لعذبنا) لأن المعنى: لعذبنا الذين كفروا إذ جعلوا في قلوبهم الحمية، وهي مصدر قولك: حمى فلانٌ أنفه يحميه حَمِيَّة أو مَحْمِيَّة، وفلان ذو حمية منكرة، إذا كان ذا غضب وأنفة [[انظر. "تهذيب اللغة" (حمى) 5/ 274.]]، ومعناها الحفاظ من قولهم: حمي فلان الشيء يحميه، إذا منعه من أن يُقْرَب ويجوز أن يكون من الحمى بمعنى الحرارة، قال الليث: حميت من هذا الشيء أحمي منه حمية، أي أنفاً وغضباً، منه لرجل حمي لا يحتمل الضيم، وحمي الأنف [[انظر: "العين" (حمى) 3/ 312، "تهذيب اللغة" (حمى) 5/ 274 لكن بلفظ (أنفًا وغيظًا) بدل غضبًا.]]. قال المبرد: الحمية الأنفة والإنكار، فإذا كانت مما لا يوقف من مثله فهو ضلالة وعلو، كما قال تعالى: ﴿حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ وإذا كانت لما يجب أن يوقف منه فصاحبها محمود. قال الفراء: حموا أنفاً أن يدخلها عليهم النبي -ﷺ- [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 3/ 68. ولم أقف على قول المبرد.]]. قال المقاتلان: قال أهل مكة: قد قتلوا أبناءنا وإخواننا ويدخلون علينا في منازلنا ونسائنا، وتحدث العرب أنهم قد دخلوا علينا على رغم أنفنا، واللات والعزى لا يدخلونها علينا -يعنون محمداً وأصحابه- فهذه الحمية الجاهلية التي دخلت قلوبهم [[انظر: "تفسير مقاتل" 4/ 75، 76، وأورد السمرقندي 3/ 285 هذا القول ولم ينسبه، وذكره البغوي 7/ 321 ونسبه لمقاتل، وأورده ابن الجوزي في "زاد المسير" ولم ينسبه 7/ 441، ونسبه في "الوسيط" 4/ 13 للمقاتلان.]]. وقال الزهري: كانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم [[أخرج ذلك الطبري13/ 103 عن الزهري. وأورده الثعلبي ولم ينسبه 10/ 151 ب، ونسبه للزهري: الماوردي 5/ 320، والقرطبي 16/ 288، 289.]]. وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء، وذلك أن سهيل بن عمرو كان عند النبي صلى -ﷺ- وهو يملي كتاب الصلح، وسهيل مشرك فقال رسول الله -ﷺ- لعلي: "اكتب بسم الله الرحمن الرحيم"، فقال سهيل: لا ندري ما الرحمن، ولكن اكتب: بسمك اللهم. ثم قال: "اكتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله"، فقال سهيل: لو علمنا أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك [[أورد ذلك الطبري 13/ 99، الثعلبي 10/ 147 ب، "البغوي" 7/ 316.]]. قوله تعالى: ﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ تفسير السكينة في هذه السورة قد مر مراراً، ومعناها هاهنا ما ذكره الفراء: أذهب الله عن المؤمنين أن يدخلهم ما دخل أؤلئك من الحمية فيعصوا الله [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 3/ 68.]]. قوله تعالى: ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ قال مقاتل: ألزم المؤمنين كلمة الإخلاص وهي: لا إله إلا الله [[انظر: "تفسير مقاتل" 4/ 76.]]، وهذا قول جماعة المفسرين [[انظر: "تفسير الطبري" 13/ 104، 105، "الثعلبي" 10/ 152 أ، "السمرقندي" 3/ 258، "الماوردي" 5/ 321، "البغوي" 7/ 321.]]، ورواية أبي بن كعب عن النبي -ﷺ- أنه قال في تفسيرها هي: لا إله إلا الله [[أخرج ذلك الترمذي في التفسير باب (49) ومن سورة الفتح 5/ 386، وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث الحسن بن قزعة، قال: وسألت أبا زرعة عن هذا الحديث فلم يعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، والثعلبي 10/ 152 أعن أبي بن كعب. ونسبه البغوي 7/ 321، والقرطبي 16/ 289.]]، وزاد علي وابن عمر: والله أكبر [[أخرج ذلك الطبري 13/ 104 عن علي -رضي الله عنه-، والثعلبي 10/ 152 أ، ونسبه ابن الجوزي 7/ 442، والقرطبي 16/ 289، والبغوي 7/ 321 لعلي وابن عمر.]]. قال عمرو بن ميمون: ما تكلم الناس بشيء أعظم عند الله من لا إله إلا الله، وهي الكلمة التي ألزمها الله أصحاب محمد [[أخرجه الطبري 13/ 105 عن عمرو بن ميمون قال: لا إله إلا الله فقط دون ما ذكره المؤلف.]]. وقال الزهري: هي بسم الله الرحمن الرحيم [[أخرج ذلك الطبري 13/ 106 عن الزهري، وأخرجه الثعلبي عن الزهري 10/ 152 أ، وعبد الرزاق في "تفسيره" عن الزهري 2/ 229، ونسبه الماوردي 5/ 321، والبغوي 7/ 322، وابن الجوزي للزهري 7/ 442.]]، يعني أن المشركين لما أبوا أن يقروا بهذا خص الله بهذه الكلمة المؤمنين [[ذكر ذلك القرطبي في "الجامع" 16/ 289.]]، والقول هو الأول لأن معنى كلمة التقوى هي التي يتقى بها من الشرك وهي: لا إله إلا الله. قوله: ﴿وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا﴾ قال مقاتل: كانوا أحق بها من كفار مكة، وكانوا أهلها في علم الله [[انظر: "تفسير مقاتل" 4/ 76.]]. وقال أبو إسحاق: أي كانوا أحق بها من غيرهم؛ لأن الله جل وعز اختار لنبيه ولدينه أهل الخير ومستحقيه، ومن هو أولى بالهداية من غيرهم [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 5/ 28، بلفظ: (ومن هو أولى بالهداية من غيره).]]. قوله: ﴿وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ قال مقاتل: عليماً بأنهم كانوا أهلاً للتوحيد في علم الله [[انظر: "تفسير مقاتل" 4/ 76.]]. والمعنى: أنه عليم بأمر الكفار وما يستحقونه، وأمر المؤمنين وما يستحقونه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب