الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ﴾ وهو أن يظن بأخيه المسلم سوءاً [كأنه] [[كذا في الأصل، ولعلها: (لأنه).]] سمع منه كلاماً لا يريد به سوءاً، أو رآه يدخل مدخلاً لا يقصد به سوءًا، فظن به سوءاً، فذلك الظن هو المأمور باجتنابه، ولا بأس به ما لم يتكلم به، فإن تكلم بذلك الظن وأبداه [ثم] وهو قوله تعالى: ﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ يعني: ما أعلن وأبدى مما ظن بأخيه، هذا قول المقاتلين [[انظر: "تفسير مقاتل" 4/ 96، "تفسير الماوردي" 5/ 334، وقد نسبه لمقاتل بن حيان، ونسبه في "الوسيط" للمقاتلين، انظر 4/ 155.]]. وقال أبو إسحاق: أمر الله باجتناب كثير من الظن وهو أن يظن بأهل الخير سوءاً، فأما أهل السوء والفسق فلنا أن نظن بهم مثل الذي ظهر منهم [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 5/ 36 - 37.]]. قوله تعالى: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ قال الليث: الجَسُّ: جَسُّ الخَبَر، والجَاسُوسُ: العينُ يَتَجَسَّسُ الأخبار، والتجسس: البحث [[انظر كتاب: العين (جسس) 6/ 5، "تهذيت اللغة" (جسس) 10/ 448.]]. وقال يحيى بن أبي كثير: التجسس البحث عن باطن أمور الناس، وأكثر ما يقال ذلك في الشر [[ورد هذا القول في "اللسان" غير منسوب، انظر: "اللسان" (جسس) 6/ 38، وأورد نحوه ابن الجوزي في "زاد المسير" منسوبًا ليحيى بن أبي كثير 7/ 471.]]، قال المقاتلان: يقول لا يبحث أحدكم عن عيب أخيه حتى يطلع عليه إذ ستره الله عليه [[انظر: "تفسير مقاتل" 4/ 96، وذكر هذا المعنى في "الوسيط" 4/ 156 ولم ينسبه.]]، وهذا معنى قول ابن عباس: يريد: لا تجسسوا من عيوب الناس [[أخرج ذلك الطبري 13/ 135 عن ابن عباس.]]، وقال مجاهد: يقول: خذوا ما ظهر ودعوا ما ستره الله [[أخرج ذلك الطبري عن مجاهد.]]. قوله تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ يقال: اغتاب فلان فلاناً اغتياباً وغيبة يغتابه، قال الأزهري: وروي عن بعضهم أنه سمع: غابه يغيبه، إذا عابه وذكر منه ما يسوؤه مما هو فيه [[انظر: "تهذيب اللغة" (غيب) 8/ 215.]]، وإذا تناوله بما ليس فيه فهو بهت وبهتان، وهذا قول جميع المفسرين [[انظر: "تفسير الطبري" 13/ 135، "الثعلبي" 10/ 168 أ، "الماوردي" 5/ 334، "زاد المسير" 7/ 471، "القرطبى" 16/ 334، "تفسير الوسيط" 4/ 156.]]. وروي ذلك عن النبي -ﷺ- قال:"من ذكر رجلاً بما فيه فقد اغتابه، ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهته" [[أخرج ذلك مسلم عن أبي هريرة بلفظ: "أتدرون ما الغيبة؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "ذكرك أخاك بما يكره"، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته". انظر: صحيح مسلم كتاب البر والصلة والآداب، باب (20) تحريم الغيبة 3/ 2001، وأخرجه الترمذي عن أبي هريرة، انظر: "سنن الترمذي" كتاب: البر والصلة باب (23) ما == جاء في "الغيبة" 4/ 329، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه أبو داود في سننه في كتاب: الأدب باب (40) في الغيبة 5/ 191، عن أبي هريرة، وأخرجه الطبري 13/ 137 عن أبي هريرة.]]. قال مقاتل: ثم ضرب للغيبة مثلاً فقال: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا﴾ بقوله، فكما كرهتم أكل لحم الميت، فكذلك فاكرهوا الغيبة لإخوانكم [[انظر: "تفسير مقاتل" 4/ 96.]]. وقال أبو إسحاق: تأويله: إن ذِكْرَكَ بسوء من لم يحضرك بمنزلة أكل لحمه وهو ميت لا يحيى بذلك، ويقال للمغتاب: فلان يأكل لحوم الناس [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 5/ 37.]]. وهذا استفهام معناه: التقرير، كأنه قيل لهم: لم تحبون أكل لحم أخيكم ميتاً؟ وعطف قوله (فكرهتموه) على معنى لفظ الاستفهام [[انظر: "روح المعاني" للألوسي 26/ 158.]]، كما قال: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ [الشرح: 1، 2] فقوله: ﴿وَوَضَعْنَا﴾: عطف على معنى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ﴾ لا على لفظه، ألا ترى أنه لا يقال: ألم وضعنا، ولكن معنى (ألم نشرح) لا على لفظه ولكن معنى (ألم نشرح) قد شرحنا، فعطف على معناه، كذلك هذه الآية، قاله المبرد [[لم أقف عليه، وقد ذكر قريبًا من هذا النحاس في "إعراب القرآن" 4/ 215.]] وقال الفراء: قوله: فكرهتموه أي: فقد كرهتموه فلا تفعلوه [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 3/ 73.]]. قال صاحب "النظم": التأويل: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً وقد كرهتم ذلك، أي: فاكرهوا الغيبة أيضًا، فإنها مثل أكلكم لحوم أخوانكم [[لم أقف عليه.]]. وقال مجاهد: لما قيل لهم (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً؟)، قالوا: لا، فقيل: فكرهتموه أي: فكما كرهتم هذا فاجتنبوا ذكره بالسوء غائباً [[أخرج نحوه الطبري 13/ 373 عن مجاهد، وانظر: "تفسير مجاهد" ص 612 ، وأورده البغوي 7/ 346 بهذا النص.]]، وشرح أبو علي الفارسي هذا الوجه فقال: الفاء في قول: ﴿فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ عطف على المعنى، كأنه لما قيل لهم: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً، قالوا: لا، فقيل لهم لما قالوا لا: فكرهتموه، أي: كرهتم أكل لحمه ميتاً، فكذلك فاكرهوا غيبته [[انظر: "الحجة" لأبي علي 6/ 212.]]. قوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ معطوف على هذا الفعل المقدر، ولا يكون قوله (فكرهتموه) بمعنى فاكرهوه واتقوا الله؛ لأن لفظ الخبر لا يوضع للأمر في كل موضع، ولأن قوله فكرهتموه محمول على المعنى الذي ذكرنا، فمعنى الخبر فيه صحيح [[المصدر السابق.]]. قال مقاتل: واتقوا الله في الغيبة ﴿إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ﴾ علي من تاب ﴿رَحِيمٌ﴾ به [[انظر: "تفسير مقاتل" 4/ 96.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب