الباحث القرآني

قوله تعالي: ﴿الْمُؤْمِنُ﴾ ذكره [[في (ك): (ذكره).]] المفسرون وأهل اللغة فيه قولين: أحدهما: أن المؤمن في صفة الله تعالى معناه الذي آمن أولياءه عذابه [[وهو المروي عن ابن عباس، وابن جريج، وزيد بن علي. انظر: "تنوير المقباس" 6/ 47، و"الكشف والبيان" 13/ 102 ب، و"تفسير القرآن العظيم" 4/ 343.]]، يقال: آمنه يؤمنه فهو مؤمن، ومنه قوله: والمؤمنِ العائذاتِ الطَّيرَ يَمْسَحُها ... رُكْبانُ مكة بين الغيل والسَّند [[البيت للنابغة الذبياني. انظر: "ديوانه" 25، و"الخزانة" 2/ 315، و"شرح المفصل" 3/ 11، ومعنى العائذات: التي عاذت بالحرم، والغيل، الشجر الملتف، ورواية "الديوان" (نسعد) بدل "السند"، و"الأسماء والصفات" للبيهقي 1/ 165 - 166.]] حلف بالله الذي آمن طير مكة فلا ينفر عن أن يمسحها الركبان، وهذا من الإيمان الذي هو ضد التخويف. قال الكلبي: المؤمن الذي لا يخاف ظلمه [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 5/ 150، ذكر نحوه ولم ينسبه.]]. وقال مقاتل: هو الذي يؤمن أولياءه [[انظر: "تفسير مقاتل": 150 أ.]]. القول الثاني: أن معنى المؤمن في صفته تعالى: المصدق [[(ك): (المتصدق).]] على معنى أنه يصدق أنبياءه بإظهار المعجزة لهم، ويصدق المؤمنين إذا وحدوه. وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء [[ذكره المفسرون عن الضحاك، وابن زيد. وانظر: "جامع البيان" 28/ 36، و"الكشف والبيان" 13/ 102 ب، و"تفسير القرآن العظيم" 4/ 343.]]. وذكرنا الإيمان بمعنى التصديق في مواضع. قال ابن الأنباري: سمعت أحمد بن يحيى يقول: المؤمن عند العرب المصدق [[في (ك): (المتصدق). وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس" 3/ 407، و"اللسان" 1/ 108 (أمن).]]، فذهب إلى أن الله تعالى مصدق عباده المسلمين يوم القيامة، وذلك أن المفسرين قالوا: إذا كان يوم القيامة سأل الله تعالى الأمم عن تبليغ الرسل فيقولون [[في (ك): (فيقول).]]: يا ربنا ما جاءنا رسول ولا نذير فيكذبون أنبياءهم، ويؤتى بأمة محمد -ﷺ- فيسئلون عن ذلك فيصدقون نبيهم والأنبياء الماضين، فيصدقهم الله تعالى عند ذلك [[انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 3/ 407، و"اللسان" 1/ 109 (أمن).]]، فالمؤمن المصدق لعباده كما قال تعالي ﴿يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: 61] معناه: يصدق الله ويصدق المؤمنين [[انظر: "اللسان" 1/ 109 (أمن).]]. قوله تعالى: ﴿الْمُهَيْمِنُ﴾ قال ابن عباس: الشاهد الذي لا يغيب عنه شيء، وهو قول قتادة، ومجاهد، قالوا: معناه الشهيد على عباده بأعمالهم [[انظر: "تفسير عبد الرزاق" 2/ 285، و"جامع البيان" 28/ 36، و"إعراب القرآن" للنحاس 3/ 407، و"الكشف والبيان" 13/ 103 أ.]]، وعلى هذا أصله من قولهم: هيمن يهيمن فهو مهيمن إذا كان رقيبًا على الشيء [[انظر: "تهذيب اللغة" 6/ 334 (همن)، و"إعراب القرآن" للنحاس 3/ 407، و"زاد المسير" 8/ 226، و"روح المعاني" 6/ 152.]]. وهو قول الخليل، وأبي عبيد. وذهب كثير من المفسرين وأهل المعاني على أن المهيمن مؤيمن على الأصل من أمن يؤمن، فيكون بمعنى المؤمن [[انظر: تفسير "غريب القرآن " ص 11 - 12، و"معاني القرآن" للزجاج 5/ 150، و"إعراب القرآن" للنحاس 3/ 407.]]، وقد ذكرنا استقصاء هذا عند قوله: ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: 48] قال ابن الأنباري: المهيمن القائم على خلقه برزقه وأنشد: ألا إن خير الناس بعد نبيه ... مهيمنه التاليه في العرف والنكر قال معناه: القائم على الناس بعده [[انظر: "تهذيب اللغة" 6/ 334، و"اللسان" 3/ 833 (همن)، و"التفسير الكبير" 29/ 293.]]. وقال ابن كيسان في المهيمن: الله أعلم بتأويله [[انظر: "الكشف والبيان" 13/ 103 أ، و"معالم التنزيل" 4/ 327.]]. قوله تعالى: ﴿الْجَبَّارُ﴾ له معان في صفة الله تعالى، قال ابن عباس: هو العظيم، وجبروت الله عظمته [[انظر: "الكشف والبيان" 13/ 103 أ، و"زاد المسير" 8/ 227، و"التفسير الكبير" 29/ 294.]]، وعلى هذا القول: الجبار الملك. والجبابرة الملوك ومنه الحديث "جلد الكافر في النار كثافته أربعون ذراعًا بذراع الجبار"، وهذا كما يقال: كذا ذراعًا بذراع الملك، والجبر في كلام العرب الملك ومنه قول الشاعر: وانعم صباحًا أيها الجبر [[وصدره: أسْلَمْ براووُقٍ حُييتَ به والبيت لعمرو بن أحمر، وقد ورد منسوبًا في "الخصائص" 2/ 21، "المحتسب" 1/ 97، و"تهذيب اللغة" 11/ 59، و"اللسان" 1/ 395 (جبر).]] أراد: أيها الملك. والعرب تسمي الجوزاء الجبار، تشبيهًا لها بالملك، لأنها في صورة رجل على كرسي وعليه تاج، ويجوز أن يكون الجبار في صفة الله تعالى من جبر إذا أغنى الفقير، وأصلح الكسير. قال الأزهري: وهو لعمري جابر [[(ك): (على).]] كسير وفقير، وهو جابر دينه الذي ارتضاه كما قال العجاج: قد جبر الدين الإله فجبر [["ديوان العجاج" ص 15، وصدره: وعور الرحن من ولى العور و"الخصائص" 2/ 263، و"اللسان" 1/ 396 (جبر)، و"شرح الأشموني لألفية ابن مالك" 4/ 241.]] قال اللحياني: يقال جبرت اليتيم والفقير أجْبُرُه جَبْرًا وجُبُورًا، فَجَبَرَ يجْبُرُ جُبُورًا، وانْجَبَرَ، واجْتَبَرَ بمعنى واحد [[انظر: "تهذيب اللغة" 11/ 60 (جبر).]]. ويجوز أن يكون الجبار من جبره على كذا إذا أكرهه على ما أراد. قال السدي: هو الذي يقهر الناس ويجبرهم على ما أراد [[انظر: " الكشف والبيان" 12/ 103 أ، و"التفسير الكبير" 29/ 293.]]. ونحو ذلك قال مقاتل [[انظر: "تفسير مقاتل" 150 أ، و"معالم التنزيل" 4/ 327.]]، وهو من جبرته على الأمر أجبره جبرًا وجبورًا [[انظر: "اللسان" 1/ 396 (جبر).]]. وكان الشافعي -رحمه الله- يقول: جبره السلطان على كذا بغير ألف [[انظر: " اللسان" 1/ 396، وقال ابن منظور. وهو حجازي وفصيح.]]. وجعل الفراء الجبار بهذا المعنى من أجبر، وهي اللغة المعروفة في الإكراه، فقال: لم أسمع فعالاً من أفعل إلا في حرفين، وهما جبار من أجبر، ودراك من أدرك [[انظر: "التفسير الكبير" 29/ 293 - 294، و"البحر المحيط" 8/ 251.]]. وعلى هذا القول الجبار معناه: القهار الذي يجبر على ما يريد. قال القرظي: إنما سمي الجبار، لأنه جبر الخلق على ما أراد. والخلق أرق شأنا من أن يعصوا ربهم طرفة عين إلا بما أراد [[انظر: "الكشف والبيان" 13/ 103 أ، و"الدر" 6/ 202.]] وهذا القول هو اختيار الزجاج، لأنه قال: تأويله الذي جبر الخلق على ما أراد [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 5/ 151.]]. وقال ابن الأنباري: الجبار في صفة الله: الذي لا ينال، ومنه قيل للنخلة التي فاتت يد المتناول: جبارة [[انظر: "تهذيب اللغة" 11/ 58 (جبر)، و"اللسان" 1/ 395 (جبر)، و"التفسير الكبير" 29/ 294.]]. هذا الذي ذكرنا معاني الجبار في صفة الله تعالى، وللجبار معان في صفة الخلق: أحدهما: المسلط كقوله: ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ﴾ [ق: 45]. والثاني: القوي العظيم الجسم، كقوله: ﴿إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ﴾ [المائدة: 22]. وقوله: ﴿إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا﴾ [القصص: 19]. والثالث: التكبر على عبادة الله، كقوله: ﴿وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾ [مريم: 32]. والرابع: القتال كقوله: ﴿بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ﴾ [الشعراء: 130]. وقوله: ﴿إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ﴾، ذكر ذلك ابن الأنباري [[انظر: "تهذيب اللغة" 11/ 51، و"اللسان" 1/ 395 (جبر)، وقد نسباه للحياني.]]. ومضى الكلام على كل واحد في موضعه. قوله: ﴿الْمُتَكَبِّرُ﴾ قال ابن عباس: الذي تكبر بربوبيته فلا شيء مثله [[انظر: "التفسير الكبير" 29/ 294.]]. وقال مقاتل: المتعظم عن كل سوء [[انظر: "تفسير مقاتل" 150 أ، ولفظه: (المتعظم على كل شيء).]]، وهو قول قتادة: الذي تكبر عن كل سوء [[انظر: "تفسير عبد الرزاق" 2/ 285، و"جامع البيان" 28/ 37.]]. وقال أبو إسحاق: الذي تكبر عن ظلم عباده [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 5/ 151.]]. قال ابن الأنباري: المتكبر ذو الكبرياء، والكبرياء عند العرب: الملك، ومنه قوله: ﴿وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ﴾ [[من آية (78) من سورة يونس. وانظر: "تهذيب اللغة"، و"اللسان" (كبر) عن ابن الأنباري.]]. وقال أهل المعاني: المتكبر في صفة الله تعالى معناه الكبرياء فإنه أجل من أن يتكلف كبرًا، والعرب تضع يفعل في موضع فعل، يقولون: تظلم بمعنى ظلم، ومنه قول الجعدي: وما يشعر الرُّمْحُ الأصم كُعوبُه ... بثروة رهط الا ثلج المتظلمِ [["ديوان النابغة" ص 144، و"كتاب سيبويه في شرح شواهده" للأعلم 1/ 237، و"الأغاني" 4/ 139، و"السبع الطوال" ص 347، و"شروح سقط الزند" صس 592، و"اللسان" (ظلم).]] ويقولون لشتم الرجل إذا شتم، قال الشاعر: فقل لزهيرٍ إن شَتَمْتَ سَرَاتَنا ... فلسنا بشَتَّامين للمُتَشَتِّم [[والبيت لمعبد بن علقمة. انظر: "الحماسة" لأبي تمام 1/ 362.]] سورة الممتحنة
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب