الباحث القرآني

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ﴾ بهذا أمر إدامة النصرة والثبات عليه. أي: دوموا على ما أنتم عليه من النصرة، يدل على هذا أن في حرف عبد الله (يا أيها الذين آمنوا أنتم أنصار الله) [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 3/ 155، و"الحجة للقراء السبعة" 6/ 290، و"الكشاف" 4/ 95.]] بغير تنوين [[في قوله (أنصار الله) قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو (أنصارا لله) منونًا وحجتهم في ذلك إجماع الجميع على الإضافة في قوله (فمن أنصار الله) وقرأ ابن عامر، ويعقوب، وحمزة، والكسائي، وعاصم (أنصار الله) غير منون مضافا إلى لفظ الجلالة. انظر: "حجة القراءات" ص 708، و"النشر" 2/ 387، و"الإتحاف" ص 416، وقال ابن جرير: والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان صحيحتان المعنى فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. "جامع البيان" 28/ 59.]] كقوله: ﴿نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾ ولم يقل أنصار لله، والمعني في ﴿أَنْصَارُ اللَّهِ﴾ أنصار دين الله [[انظر: "التفسير الكبير" 29/ 318.]]. فترك ذكر الدين لتشريف النصر لدين الله. ﴿كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ﴾ أي: انصروا دين الله مثل نصرة الحواريين لما قال لهم عيسى ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ قال مقاتل: يعني من يمنعنى مع الله [[انظر: "تفسير مقاتل" 154 ب، و"معالم التنزيل" 4/ 338.]]. وقال عطاء: يريد من ينصرني وينصر دين الله [[لم أجده.]]. وقال مقاتل: أمر الله المؤمنين أن ينصروا محمدًا كما نصر الحواريون عيسى [[انظر: "تفسير مقاتل" 154 أ.]]. وكان الله قد أوحى إلى عيسى: إذا أنت دخلت القرية فأت النهر الذي عليه القصارون فسلهم النصر، فأتاهم عيسى فقال لهم ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ يقول: من ينصرني مع الله، فقالوا: نحن ننصرك. فاتبعوه وصدقوه ونصروه. قال مقاتل: مرَ بهم ببيت المقدس وهم يقصرون الثيات فقال لهم هذا [[انظر: "تفسير مقاتل" 154 أ.]]. ومضى الكلام في ﴿إِلَى﴾ بمعنى مع عند قوله: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ [[عند تفسيره الآية (2) من سورة النساء. وانظر: "معاني الحروف" للرماني ص 115.]]. قوله تعالى: ﴿فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ﴾ قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: يعني الطائفة التي كفرت في زمن عيسى، والتي آمنت في زمان عيسي، وذلك أن عيسى عليه السلام لما رفع إلى السماء تفرقوا ثلاث فرق: فرقة قالوا: كان الله فارتفع. وفرقة قالوا: كان ابن الله فرفعه الله إليه. وفرقة قالوا: كان عبد الله ورسوله فرفعه إليه، وهو المسلمون. واتبع كل فرقة منهم طائفة من الناس، واجتمعت الطائفتان الكافرتان على الطائفة المسلمة فقتلوهم وطردوهم وظهر أمرهم فلم يزالوا كذلك حتى بعث الله محمدا -ﷺ- فاقتتلوا، فظهرت المؤمنة على الكافرة، فذلك قوله تعالى: ﴿فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ [[أخرجه ابن جرير 28/ 60، ولم يذكر قتالهم بعد بعثة محمد -ﷺ- بل قال: فأصبحوا ظاهرين في إظهار محمد دينهم على دين الكفار .. وانظر: "معالم التنزيل" 4/ 339، و"التفسير الكبير" 29/ 319، و"تفسير القرآن العظيم" 4/ 362.]]. قال مجاهد: ﴿فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ يعني من أَتبع عيسى [[انظر: "تفسير مجاهد" 2/ 672، و"جامع البيان" 28/ 60 و"الدر" 6/ 214.]]. ونحو هذا قال المقاتلان [[انظر: "تفسير مقاتل" 154 ب، و"التفسير الكبير" 29/ 139.]]. وعلى هذا القول معنى الآية أن من آمن بعيسى ظهروا على من كفر به، وأصبحوا عالين على أهل الأديان. وقال إبراهيم: أصبحت حجة من آمن بعيسى ظاهرة بتصديق محمد -ﷺ- عيسى كلمة الله وروحه [[انظر: "جامع البيان" 28/ 60، و"زاد المسير" 8/ 256.]]. وهذا قول الكلبي: ظاهرين بالحجة [[انظر: "تنوير المقباس" 6/ 65، و"التفسير الكبير" 29/ 319، وهو قول زيد بن علي، و"الكشاف" 4/ 95.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب