الباحث القرآني

ولما كان الكفار يمتنعون عن الإيمان وينكرون التوحيد مع وضوح الأدلة صاروا كأنهم يمتنعون من عذاب الله بجند، وأشبهت حالهم من يملك دفع العذاب إن أتاه، فقال الله تعالى منكرا عليهم أن [[في (س): (أن) زيادة.]] يكون لهم امتناع من عذابه [[(ك): (عذابه قوله تعالى).]] ﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُم﴾، وهذا نسق على قوله: ﴿أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾، ﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ﴾، ولفظ الجند يوحد، ولذلك قال [[(س): (قيل).]] ﴿هَذَا الَّذِي هُوَ﴾ وهو استفهام إنكار. أي: لا جند لكم ﴿يَنْصُرُكُمْ﴾ يمنعكم من عذاب الله. قال ابن عباس ينصركم مني إن أردت عذابكم [[انظر: "تنوير المقباس" 6/ 110، و"معالم التنزيل" 4/ 372، و"الجامع لأحكام القرآن" 18/ 218.]]. ثم ذكر أن ما هم فيه غرور فقال: ﴿إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ﴾، أي: من الشيطان يغرهم بأن العذاب لا ينزل بهم، ﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ﴾، أي: من الذي يرزقكم من آلهتكم المطر إن أمسكه الله عنكم، قاله مقاتل [[(س): (قاله مقاتل) زيادة وانظر: "تفسير مقاتل" 162 أ. قلت: حمل الآية على عموم الرزق من إعطاء ومنع وخلق ورزق ونصر وغير ذلك أولى، وما ذكره مقاتل من باب التمثيل أخذًا من قوله تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات: 22]، والله أعلم.]]. ثم قال: ﴿بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ﴾ أي: ليسوا يعتبرون ولا يتفكرون، لجوا في طغيانهم وتماديهم وتباعدهم عن الإيمان [[لج: اللجاج: التمادي والعناد في تعاطي الفعل. "المفردات" (447) (لج).]]. ثم ضرب مثلًا فقال: ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى﴾ [[(أهدى) ساقطة من (س).]]، والإكباب مطاوع الكب [[انظر: "التفسير الكبير" 30/ 72، و"البحر المحيط" 8/ 303، و"روح المعاني" 29/ 20، وذكر جواز الوجهين وقول بعض الأئمة بتسوية المطاوعة والصيرورة. ورد الزمخشري هذا حيث قال: (أكب من باب أنفض وألام، ومعناه دخل في الكب، وصار ذا كب، ومطاوع كب وقشع وانكب وانقشع) "الكشاف" 4/ 124. قال النيسابوري: ولا يخفى أن هذا نزاع لفظي، و"غرائب القرآن" 29/ 11. ومعنى المطاوعة: الموافقة، والنحويون ربما سموا الفعل اللازم مطاوعًا. "اللسان" 2/ 615 (طوع).]]، وذكرنا تفسيره عند قوله: ﴿فَكُبَّتْ وُجُوهُهُم﴾ [النمل: 90]، ويقال للسادر والهائم [[السادر: هو الذي لا يهتم لشيء ولا يبالي ما صنع. والهائم: الحائر. يقال: هام في الأمر يهيم إذا تحير فيه. "اللسان" 2/ 119 (سدر) 3/ 857 (هيم).]] على وجهه في ضلاله: مكب على وجهه، فضرب المكب على وجهه مثلًا للكفار؛ لأنه أكب على وجهه في الغي والكفر يمشي ضالًا أعمى القلب. فهذا أهدى، ﴿أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا﴾ معتدلًا يبصر الطريق ﴿عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ وهو الإسلام، وهذا قول ابن عباس في رواية الكلبي، وقول مقاتل، ومجاهد، والضحاك [[في (س): (وهذا قول ابن عباس) إلى (الضحاك) زيادة. وانظر: "تنوير المقباس" 6/ 110، 111، و"تفسير مقاتل" 162 أ، و"جامع البيان" 12/ 29/ 7، و"الجامع لأحكام القرآن" 18/ 219.]]. وقال الكلبي: راكبًا رأسه في الكفر والضلالة كما تركب البهيمة رأسها [[انظر: "الكشف والبيان" 12/ 158 ب، و"معالم التنزيل" 4/ 372.]]. وقال مقاتل: يعني أبا جهل والنبي -ﷺ- [[انظر: "تفسير مقاتل" 162 أ، و"غرائب القرآن" 29/ 11.]]. وقال عطاء عن ابن عباس: يريد أبا جهل وحمزة بن عبد المطلب [[انظر: "غرائب القرآن" 29/ 11.]]. وقال عكرمة [[انظر: "التفسير الكبير" 30/ 73، و"الجامع لأحكام القرآن" 18/ 219.]]: هو أبو جهل وعمار بن ياسر. وقال قتادة: هذا في الآخرة يحشر الله الكافر مكبًّا على وجهه يوم القيامة، كما قال: ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ﴾ [الإسراء: 97]، والمؤمن يمشي سويًّا [[انظر: "تفسير عبد الرزاق" 2/ 305، و"جامع البيان" 12/ 29/ 7.]]. قوله: ﴿قَلِيلًا مَا تَشْكُرُون﴾ قال ابن عباس: يريد أنكم لله غير طائعين [[لم أجده.]]. وقال مقاتل: يعني بالقليل أنهم لا يشكرون رب هذه النعم فيوحدونه [[انظر: "تفسير مقاتل" 162 أ، و"زاد المسير" 8/ 324.]]. وذكر الله تعالى أنهم يستعجلون وعد العذاب بقوله: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْد﴾، ثم ذكر حالهم عند معاينة العذاب فقال:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب