الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21)﴾ قال مقاتل: لما أصبحوا قال بعضهم لبعض: ﴿اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ﴾ قال يعني بالحرث الثمار والزرع والأعناب [[انظر: "تفسير مقاتل" 163/ ب، و"التفسير الكبير" 30/ 88، و"غرائب القرآن" 29/ 19.]]، ولذلك قال: (صارمين)؛ لأنهم أرادوا قطع ثمار النخيل والأعناب. وقال أبو إسحاق: إن كنتم عازمين [[(ك)، (س): (عازمين) ساقطة.]] على صرم [[(ك)، (س): (الصرام) وانظر: "معاني القرآن" 5/ 208.]] النخل. وقال الكلبي: على حرثكم. يعني: ما كان في جنتهم من شجر وزرع [[انظر: "جامع البيان" 29/ 20، و"زاد المسير" 8/ 336، ولم ينسب لقائل.]] ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ﴾ يعني [[(س): (قال يعني).]]: جاذين للنخل والحصاد، ولم يرد الجمع بين النخل والزرع في الحصاد؛ لأن الحصاد والقطاف لا يجتمعان في وقت واحد، ولكنهم غدوا إلى جنتهم لحصاد الزرع وللمقام بها إلى آخر القطاف. و (أن) في قوله: ﴿أَنِ اغْدُوا﴾ بمعنى أي، كما قال تعالى ذكره: {أَنِ ﴿امْشُواْ﴾، وقد مر [[عند تفسيره الآية (6) من سورة ص.]]. قوله تعالى: ﴿فَاَنطَلَقُواْ﴾ أي ذهبوا إلى جنتهم ﴿وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ﴾ يسرون الكلام بينهم بـ ﴿أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24)﴾، ومضى تفسير التخافت عند قوله: ﴿وَلَا تُخَافِتْ بِهَا﴾ [[عند تفسيره الآية (110) من سورة الإسراء. قال: المخافتة: الإخفاء، يقال: خفت صوته يخفت وخفاتًا إذا ضعف وسكن. وصوت خفيت أي خفيض. ومن هذا يقال للرجل إذا مات: قد خفت، أي: انقطع كلامه؛ وخفت الزرع إذا ذبل ولان.]] قال ابن عباس: غدوا إليها بسدفة يسر بعضهم إلى بعض الكلام لئلا يعلم أحد من الفقراء والمساكين [[انظر: "التفسير الكبير" 30/ 89.]]. وقال قتادة: كانت الجنة لشيخ، وكان يتصدق، وكان يمسك قوته ويتصدق بالفضل، وكان بنوه ينهونه عن الصدقة، فلما مات غدوا عليها وقالوا: لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين [[انظر: "جامع البيان" 29/ 19، و"الدر" 6/ 253.]]، ﴿وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ﴾. وقال أبو إسحاق: لما كان الوقت الذي اعتدوا فيه في أول الصبح بسدفة غدوا إلى جنتهم ليصرموها [[انظر: "معاني القرآن" 5/ 207.]]. ﴿وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ﴾ واختلفوا في تفسير الحرد. والحرد [[(س): (والحرد) زيادة.]] في اللغة يكون على معان. الحرد: المنع، من قولهم: حاردت السنة إذا قل مطرها ومنعت ريعها. وحاردت الناقة إذا منعت لبنها وقيل اللبن [[انظر: "تهذيب اللغة" 4/ 415، و"اللسان" 1/ 602 (حرد).]]. ومنه قول الأعشى: فإذا ما بكؤت أو حاردتْ ... فك عن حاجب أخرى طينها [[انظر: "ديوان الأعشى" (151)، و"اللسان" 1/ 602 (حرد)، وفي ألفاظه اختلاف وتقديم وتأخير. والشاعر يصف باطنة -وهي إناء عظيمة- إذا قل ما فيها من لبن أو شرب أو انقطع فتحت أخرى.]] والحرد: القصد؛ ومنه قول الهذلي [[انظر: "مجاز القرآن" 2/ 266، و"الخزانة" 10/ 356، ونسبه لقرب بن المستفيد، و"شواهد الكشاف" (254)، وود أيضًا في "زيادات ديوان حسان" (522)، و"إصلاح المنطق" (47).]]: أقبل سيلٌ كان من [[(س): (في).]] أمرِ الله ... يحرِد حَرْد الجنَّة المُغَلَّهْ وأنشد أبو عبيدة [[البيت لمنقد الأسدي الملقب بالجميح، وهو تشبيه للمرأة باللبؤة الضبطاء نزقًا وخفة والذي أنشده هو ابن قتيبة وليس بأبي عبيدة انظر: "مجاز القرآن" 2/ 265، و"تفسير غريب القرآن" (480)، و"تهذيب اللغة" 11/ 493 (ضبط).]]: أما إذا أحردت حردي فمجرية ... ضبطاء تمنع غيلًا غير مقروب والحرد: الغضب. وهما لغتان الحَرْدُ [[(ك): (والحرد).]]، والحَرَدُ؛ والتحريك أكثر. وأنشد أبو عبيدة [[(س): (أبو عبيدة) زيادة. والبيت للأشهب بن رُميلة كما في "اللسان" 1/ 602، و"جامع البيان" 29/ 21، و"تفسير غريب القرآن" (480)، و"الخزانة" 6/ 27، والشَّرى موضع تُنسب إليه الأسد. يقال للشجعان: ما هم إلا أسود الشرى. وقيل: هو شرى الفرات وناحيته وبه غياض وآجام ومأسدةٌ. "اللسان" 2/ 310 (شري).]]: أسود شرًى لاقت أسود خفية ... تساقوا [[(ك)، (س): (تساء).]] على حرد وماء الأساود هذا الذي ذكرنا هو قول جميع أهل اللغة في تفسير الحرد [[انظر: "مجاز القرآن" 2/ 265، و"معاني القرآن" للفراء 3/ 176، و"معاني القرآن" للزجاج 5/ 207.]]. وأقوال المفسرين غير خارجة عن هذه المعاني. قال قتادة: على جد من أمرهم [[انظر: "تفسير عبد الرزاق" 2/ 309، و"جامع البيان" 29/ 20.]]. وقال مقاتل: جد في أنفسهم [[انظر: "تفسير مقاتل" 163/ ب، و"زاد المسير" 8/ 336.]]. وقال الكلبي: غدوا جادين. وهو قول أبي العالية والحسن ومجاهد [[انظر: "جامع البيان" 29/ 20، و"الكشف والبيان" 12/ 168/ أ، و"معالم التنزيل" 4/ 380.]] في رواية أبي بشر. وهذا من معنى القصد، وذلك أن المقاصد إلى الشيء جاد بخلاف من لا يكون له قصد في أمر، على أن الليث قد قال في كتابه: على جد من أمرهم. فقال الأزهري: الصواب على حد. أي على منع، كما قال الفراء. ثم ذكر بإسناده عن الفراء بالحاء [[انظر: "تهذيب اللغة" 4/ 414، و"اللسان" 1/ 604 (حرد).]]. ويدل على صحة معنى هذا القول أن أبا عبيدة والمبرد والقتيبي [[(س): (والقتيبي) زيادة.]] قالوا في معنى الحرد هاهنا: إنه المنع [[انظر: "مجاز القرآن" 2/ 265، و"تفسير غريب القرآن" (479)، و"فتح القدير" 5/ 272.]]. أي: غدوا من بيتهم إلى جنتهم على منع المساكين ما كانوا يعطونه. وقال مجاهد وعكرمة: على أمر أسسوه بينهم [[انظر: "معالم التنزيل" 4/ 380 و"زاد المسير" 8/ 336.]]. وهذا من معنى القصد أيضًا. وقال الشعبي: على حرد على المساكين، وهو قول [[(س): (وقال الشعبي: على حرد على المساكين وهو قول) زيادة.]] سفيان [[(ك): (وقال سفيان).]]؛ قال [[(س): (وقال) انظر: "جامع البيان" 29/ 21، و"الكشف والبيان" 12/ 168/ أ، و"معالم التنزيل" 4/ 380.]]: على حنق وغضب. وروى [[(ك): (وقال).]] معمر عن [[(س): (معمر عن) زيادة.]] الحسن: على فاقة [[انظر: "تفسير عبد الرزاق" 2/ 309، و"جامع البيان" 29/ 21.]]؛ ومعناه من القلة، من قولهم: حاردت الناقة، والمعنى أنهم غدوا على قلة مالهم عند أنفسهم فقالوا: المال قليل لا يسع المساكين. وقال السدي: الحرد اسم الجنة. وذكر الأزهري هذا القول فقال [[(س): (وذكر الأزهري هذا القول فقال) زيادة.]]: وقيل في بعض [[(س): (بعض) زيادة.]] التفسير: إن حرد كانت قريتهم [[انظر: "تهذيب اللغة" 4/ 414 (حرد). قال ابن كثير: وقال السدي: ﴿عَلَى حَرْدٍ﴾ أي كان اسم قريتهم حرد. فأبعد السدي في قوله هذا. "تفسير القرآن العظيم" 4/ 406، وقال الآلوسي -عن تفسير السدي هذا-: ولا أظن ذلك مرادًا) "روح المعاني" 29/ 31.]]. قوله تعالى: ﴿قَادرِينَ﴾ قال ابن عباس: يريد قادرين على جنتهم في أنفسهم [[انظر: "الكشف والبيان" 12/ 168/ أ، و"الجامع لأحكام القرآن" 18/ 242.]]؛ وهو قول مقاتل وجميع المفسرين [[(س): (وهو قول مقاتل وجميع المفسرين) زيادة، وقال النحاس: أصح ما قيل == في معناه على قصد كما قال مجاهد، قد أسسوا ذلك بينهم، أي عملوه على قصد وتأسيس ومؤامرة بينهم قادرين عليه عند أنفسهم. "إعراب القرآن" 3/ 487، وهو اختيار ابن جرير أيضًا. "جامع البيان" 29/ 21.]]. قال أبو إسحاق: أي قادرين عند أنفسهم على قصد جنتهم لا يحول بينهم وبينها آفة [[لم أجده عنه، وهو معنى ما قاله المفسرون وأهل اللغة.]]. وقال ابن قتيبة: يقول: منعوا وهم قادرون، أي: واجدون [[انظر: "تفسير غريب القرآن" (480).]]. فالقدرة على هذا القول بمعنى الجدة والقدرة على المال. وفي القول الأول معناه القدرة على الجنة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب