الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ ظرف لهذا الأمر. أي: فليأتوا بها في ذلك اليوم [[انظر: "معالم التنزيل" 4/ 381، و"غرائب القرآن" 29/ 22.]]. وذلك أنها تبطل وتزهق فلا تنفعهم بشيء. يقول الله: ﴿إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾ في أنها شركاء فليأتوا بها يوم القيامة لتنفعهم وتشفع لهم. وهذا الذي ذكرنا معنى ما ذكره صاحب النظم [[انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 18/ 248.]]. وأما معنى قوله: ﴿يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ فروى عكرمة عن ابن عباس قال: عن شدة. ألم تسمع إلى قول الشاعر [[أخرجه الطستي في مسائل عن ابن عباس. انظر: "الدر" 6/ 255، وهو مندرج في الأثر الآتي. ولم أجد للبيت قائلاً.]]: وقامتِ الحربُ بنا على ساقْ قال: وسئل ابن عباس عن هذه الآية فقال: إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب. أما سمعتم قول الشاعر: سن لنا قومك ضرب الأعناق ... وقامت الحربُ بنا على ساق ثم قال [[(ك): (قال) زيادة.]]: هو يوم كرب وشدة [[أخرجه الحاكم في "المستدرك" 2/ 499، وابن جرير في "جامعه" 29/ 24، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وفي "الدر" 6/ 254 نسبه أيضًا لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم. وحسن إسناده الحافظ في "فتح الباري" 13/ 428، وانظر: "الأسماء والصفات" للبيهقي وما ذكره محققه وقد بين ضعف إسناده. فليراجع 2/ 183.]]. وروى عطاء عنه قال: يريد شدة في الآخرة. وروى إبراهيم عنه أيضًا: عن شدة الأمر [[(س): من قوله (وروى عطاء) إلى هنا زيادة. وانظر: "معالم التنزيل" 4/ 381 عن سعيد بن جبير.]]. قال [[(ك): (وقال ابن عباس: يريد شدة في الآخرة. قال).]]: وقال ابن عباس يكشف عن أمر عظيم [[انظر: "جامع البيان" 29/ 24، و"الدر" 6/ 254، ونسب تخريجه للفريابي، والبيهقي في "الأسماء والصفات"، وابن منده، وسعيد بن منصور من طريق إبراهيم النخعي، ولم أجده عند البيهقي.]]. وروى مجاهد عنه قال: هو أشد ساعة في القيامة. فهذا ما روي عن عباس في هذه الآية [[(س): (فهذا ما روي عن ابن عباس في هذه الآية) زيادة. وقال البيهقي بعد ذكره الروايات: هذا ما روينا عن ابن عباس في المعنى يتقاربان، وقد روي عن ابن عباس بهذا اللفظ، وروي بمعناه. "الأسماء والصفات" 2/ 184.]]. ونحو هذا [[(ك): (ونحوه).]] قال سعيد بن جبير ومجاهد [[س: (ومجاهد) زيادة.]] وقتادة. قالوا: عن شدة الأمر وبلاء عظيم [[انظر: "تفسير عبد الرزاق" 2/ 310، و"جامع البيان" 29/ 24، و"الدر" 6/ 255.]]. وهذا قول جميع أصحاب اللغة [[(س): (وهذا قول جميع أصحاب اللغة) زيادة.]]. قال أبو عبيدة: إذا اشتد الأمر والحرب قيل: قد كشف الأمر عن ساقه، وأنشد لقيس بن زهير [[(س): (القيس بن زهير) زيادة. وهو قيس بن زهير بن جذيمة، يكنى أبا هند، شاعر وفارس جاهلي، كان سيد عبس، وله أخبار مشهورة يوم داحس والغبراء. انظر: "الأغاني" 17/ 187، و"المؤتلف والمختلف" (255)، و"الخزانة" 3/ 536، و"شرح شواهد المغني" (113)، و"معجم الشعراء الجاهليين والمخضرمين" (287).]] فقال: فإذ شمرت [[(ك): (شمر).]] لك عن ساقها ... فويهًا ربيع ولا تسأم [[انظر: "مجاز القرآن" 2/ 266، وورد البيت منسوبًا في "اللسان" 3/ 998 (ويه) وقوله فويها أصلها (ويه) من أدوات الإغراء فَنَوَّنَها فقال: فويهًا.]] وروى الفراء بإسناده [[(س): (والفراء بإسناده) زيادة.]] عن ابن عباس [[أخرجه البيهقي في "الأسماء والصفات" 2/ 185، بإسناد صحيح. وصححه الحافظ في "الفتح" 428/ 13.]] أنه قال: يريد يوم القيامة والساعة لشدتها. قال الفراء أنشدني بعض العرب لجد [[(ك): (وأنشد الفراء لجد).]] طرفة [[(ك)، (س): (أبي طرفة)، والصواب ما أثبته. وهو سعد بن مالك، جد طرفة بن العبد. شاعر جاهلي، واحد سادات بكر بن وائل وفرسانها. انظر: "طبقات فحول الشعراء" (49)، و"المؤتلف والمختلف" (198)، و"شرح الحماسة" للتبريزى 73/ 2، و"الحماسة" لأبي تمام 1/ 265، و"معجم الشعراء الجاهليين والمخضرمين" (148).]]: كشفت لهم عن ساقها ... وبدا من الشرِّ الصراح [[والبيت ورد في "معاني القرآن" للفراء 3/ 177، و"الخصائص" 3/ 252، و"اللسان" == 2/ 243 (سوق)، و"الحماسة" لأبي تمام 1/ 266، و"المحتسب" 2/ 326. والصراح والصراح: الخالص من كل شيء.]] وقال أبو إسحاق: معنى ﴿يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ كشف عن الأمر الشديد. وأنشد: قد شمرت عن ساقها فشدوا [[(ك): (وشدوا).]] ... وجدت الحربُ بكم [[(ك): (الحرب بكم) ساقطة.]] فجدوا والقوس فيها وتر عردُّ [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 5/ 210. والبيت ورد في خطبة الحجاج أول ما قدم أميرًا على العراق. والأبيات لحنظلة بن ثعلبة. انظر: "الكامل" 1/ 224، و"اللسان" 2/ 827 (عرد)، و"العقد الفريد" 4/ 121، و"شرح شواهد الشافية" (300). والعُرُدُّ: هو الشديد في كل شيء. يقال: إنه لقوي شديد عرد. "اللسان" 2/ 728 (عرد).]] وقال ابن قتيبة: أصل هذا أن الرجل إذا وقع [[(ك): (وقع) ساقطة.]] في أمر عظيم يحتاج إلى معاناته والجد [[(س): (والجد) زيادة.]] شمر عن ساقه. فاستعيرت الساق والكشف عنها في موضع الشدة [[انظر: "تأويل المشكل" (137).]]. قال دريد يرثي رجلاً: كميش الإزار خارج نصف ساقهِ ... جسور على الجلاء طلاع أنجد [[البيت من قصيدة قالها في أخيه عارضة بن الصمة. ويروى: بعيد عن الآفات طلاع أنجد انظر: "ديوانه" (49)، و"الحماسة" لأبي تمام 1/ 398، و"الأصمعيات" (108)، و"جمهرة أشعار العرب" (223)، و"تهذيب اللغة" 9/ 231 (سوق)، و"الخزانة" 1/ 260. == وقوله: (طلاع أنجد) أي: أنه يعلو الأمور فيقهرها بمعرفته وتجاربه. والأنجد: جمع النجد، وهو الطريق في الجبل وكذلك الثية. "اللسان" 2/ 605 (طلع)، و"القاموس المحيط" (كمش، طلع).]] وقال الهذلي: وكنت إذا جاري دعا لمضوفةٍ ... أشمر حتى ينصف الساق مئزري [[انظر: "ديوان الهذليين" 3/ 92، و"المحتسب" 1/ 214، و"الخزانة" 7/ 417، و"اللسان" 2/ 561 (ضيف).]] وأنشد أيضًا فقال [[ورد في البيت غير منسوب في "تفسير غريب القرآن" (481)، و"الجامع لأحكام القرآن" 18/ 248، و"البحر المحيط" 8/ 316، و"الدر المصون" 1/ 417.]]: في سنةٍ قدكشفت عن ساقها ... حمراء تبرى اللحم عن عراقها وزاد غيره بيانًا فقال: تأويل الآية: يوم يشتد الأمر كما يشتد ما يحتاج فيه إلى أن يكشف عن ساق. وقد كثر هذا في كلام العرب حتى صار كالمثل في شدة الأمر [[قال ابن القيم -رحمه الله-: والصحابة متنازعون في تفسير الآية، هل المراد الكشف عن الشدة، أو المراد بها أن الرب تعالى يكشف عن ساقه ولا يحفظ عن الصحابة والتابعين نزاع فيما يذكر من الصفات أم لا في غير هذا الموضع، وليس في ظاهر القرآن ما يدل على أن ذلك صفة الله؛ لأنه سبحانه لم يضف الساق إليه، وإنما ذكره مجرداً عن الإضافة منكرًا، والذين أثبتوا ذلك صفة كاليدين والإصبع لم يأخذوا ذلك من ظاهر القرآن، وإنما أثبتوه بحديث أبي سعيد الخدري المتفق على صحته. وهو حديث الشفاعة الطويل وفيه: فيكشف الرب عن ساقه فيخرون له سجدًا: ومن حمل الآية على ذلك قال قوله تعالى ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ﴾ مطابق لقوله -ﷺ- ... نكيره للتعظيم والتفخيم كأنه قال: يكشف عن ساق عظيمة جلت عظمتها وتعالى شأنها .... وحمل الآية على الشدة لا يصح بوجه، فإن لغة القوم في مثل == ذلك أن يقال: كشفت الشدة من القوم لا كشف عنها كما قاله الله تعالى: ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50)﴾ .. فالعذاب، والشدة هو المكشوف لا المكشوف عنه. "الصواعق المرسلة" 1/ 252 - 253. وانظر: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" 2/ 127، و"الأسماء والصفات" للبيهقي 2/ 181، 183.]]. وقوله تعالى: ﴿وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ قال مقاتل: وذلك أنه تدمج أصلاب الكفار يومئذ فيكون عظمًا واحداً مثل صياصي [[صياصي البقر: أي قرونها واحدتها صيصية بالتخفيف. انظر: "النهاية" 3/ 9 (صيص).]] البقر، لأنهم لم يسجدوا لله في الدنيا. وهذا قول جميع المفسرين [[انظر: "تفسير مقاتل" 164/ أ، و"جامع البيان" 29/ 24، و"معالم التنزيل" 4/ 382، و"تفسير القرآن العظيم" 4/ 408.]]. قالوا: إذا كان ذلك سجد [[(ك)، (س): (سجدوا).]] الخلق كلهم لله سجدة واحدة. ويبقى الكفار والمنافقون يريدون أن يسجدوا [[(ك): (يسجد).]] فلا يستطيعون؛ لأن أصلابهم أيبس فلا تلين للسجود. قال ابن مسعود: وأما المؤمنون فيخرون سجدًا، وأما المنافقون فتكون ظهورهم طبقًا كأن فيها السفافيد [[أخرجه ابن جرير وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا. وقال القرطبي: قلت: معنى حديث أبي موسى وابن مسعود ثابت في "صحيح مسلم" من حديث أبي سعيد الخدري وغيره. انظر: "صحيح مسلم" كتاب: الإيمان، باب: معرفة طريق الرؤية 1/ 168 - 169. قلت: ورواه البخاري في كتاب: التفسير، سورة القلم 6/ 198 من حديث أبي سعيد أيضًا. == انظر: "جامع البيان" 29/ 25، و"الجامع لأحكام القرآن" 18/ 250. والسفافيد: جمع سفود. وهو حديدة ذات شُعب معقفة، معروفة، يشوى بها اللحم. "اللسان" (سفد).]]. قوله: ﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ﴾ قال ابن عباس ومقاتل: يعني حين أيقنوا بالعذاب وعاينوا النار [[انظر: "تفسير مقاتل" 164/ أ، و"جامع البيان" 29/ 27.]]. وهي حال من قوله: ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾. ﴿تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ قال ابن عباس: يلحقهم ذل الندامة والحسرة [[انظر: "معالم التنزيل" 4/ 383.]]. قوله: ﴿وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾ يعني في الدنيا حين كانوا يدعون إلى الصلاة المكتوبة ويؤمرون بها وهم معافون [[(ك): (معاقبون).]] ليس في أصلابهم مثل سفافيد الحديد. ومعنى قوله: ﴿يُدْعَوْنَ﴾ أي بالأذان والإقامة. وهذا الذي ذكرنا قول ابن عباس ومقاتل وإبراهيم التيمي [[(س): (إبراهيم التيمي) زيادة. وانظر: "تفسير مقاتل" 164/ أ، و"جامع البيان" 29/ 27، و"معالم التنزيل" 4/ 383.]]. قال سعيد بن جبير: كانوا يسمعون حيّ على الفلاح فلا يجيبون. وفي هذا وعيد لمن قعد عن الجماعة ولم يجب الأذان إلى إقامة الصلاة في الجماعة [[انظر: "جامع البيان" 29/ 27، و"معالم التنزيل" 4/ 383، و"الجامع لأحكام القرآن" 18/ 251.]]. قوله تعالى: ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ﴾ يريد القرآن. قاله ابن عباس. وقال مقاتل: يقول لمحمد: خل بيني وبين من يكذب بهذا القرآن فأنا أنفرد بهلكتهم [[انظر: "تفسير مقاتل" 164/ أ، و"الجامع لأحكام القرآن" 18/ 251، و"البحر المحيط" 8/ 317.]]. قال أبو إسحاق: معناه لا تشغل قلبك به، كله إليّ فإني أكفيك أمره [[انظر: "معاني القرآن" 5/ 211.]]. قوله تعالى: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أي: نأخذهم قليلاً قليلاً فلا نباغتهم. قال ابن عباس: أمكر بهم من حيث لا يعلمون [[انظر: "الجامع لاحكام القرآن" 18/ 251.]]. وهذا مفسر في سورة الأعراف مع الآية التي بعدها [[عند تفسيره الآية (182 - 183) من سورة الأعراف.]]. قوله تعالى: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ﴾ مع الآية التي بعدها مفسر في سورة الطور [[عند تفسيره الآية (40 - 41) من سورة الطور.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب