الباحث القرآني

﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ قال عطاء عن ابن عباس [["بحر العلوم" 3/ 399، وانظر: "لوامع الأنوار البهية" للسفاريني 2/ 183 من غير عزو.]]، (والكلبي [[لم أعثر على مصدر لقوله.]] [[ما بين القوسين ساقطة من (أ).]]، ومقاتل [["تفسير مقاتل" 207/ أ، و"زاد المسير" 8/ 83.]] نزلت في أبي سلمة؛ عبد الله بن عبد الأسد المخزومي؛ زوج أم سلمة: يُعطى كتابًا بيمينه. قال الكلبي: فيقرأ سيئاته في باطنها، فيسوؤه ذلك، ويقرأ الناس حسناته في ظاهرها، فيقولون: نجا هذا، فإذ بلغ أسفل كتابه قيل له: إن الله قد غفر لك، فيبيض وجْهُهُ، ويشرق لونه، ثم تُقرأ حسناته في ظاهرها [[في (أ): ظاهره.]]، فيسره ذلك [[لم أعثر على مصدر لقوله.]]، ويقول: ﴿هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ﴾ يقول: تعالوا اقرؤوا حسَابيه [[غير مقروء في (ع).]]، وبنحو هذا قال ابن زيد [[ورد قوله في "جامع البيان" 29/ 60، وعبارته: "تعالوا"، و"الجامع لأحكام القرآن" 18/ 269، و"تفسير القرآن العظيم" 4/ 443.]] في تفسير (هاؤم): تعالوا [[ما بين القوسين ساقط من (أ).]]. وقال مقاتل: يعني هلمَّ [[بياض في (ع).]]. [[ورد قوله هذا في "الجامع لأحكام القرآن" 18/ 269، والذي ورد في "تفسيره" 207/ أ: قوله: قال: هاكم.]] وأما أهل اللغة، فإنهم يقولون في تفسيرها: هاؤم: خذوا [[انظر مادة: (هوم) في "تهذيب اللغة" 6/ 478، و"لسان العرب" 12/ 625، و"تاج العروس" 9/ 111، وكتاب "حروف المعاني" للزجاجي 73، و"المسائل البصريات" لأبي علي الفارسي 1/ 431.]]. ومنه حديث الربا: "إلا هاء وهاء" [[الحديث أخرجه: البخاري 2/ 98، 106، 107، ح 2134، و2170، و 2174، كتاب: البيوع باب: 54، 74، 76، والحديث عن مالك بن أوس، سمع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يخبر عن رسول الله -ﷺ- قال: "الذهب بالوَرِقِ ربًا إلا هاء وهاء، والبُرُّ بالبُرِّ ربًا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربًا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربًا إلا هاءَ وهاءَ". وأخرجه مسلم 3/ 1209 - 1210 ح 79، فى المساقاة، باب: 15، == ومالك في "الموطأ" 2/ 494 (ح: 38) في كتاب البيوع، باب: 17، والدارمي في "سننه" 2/ 709 (ح: 2480)، في البيوع، باب: 41، وابن ماجه 2/ 25 ح 2272، و"أبواب التجارات" 48، والإمام أحمد 1/ 24، 35، 45. ومعنى قوله: "الورق بالذهب ربًا إلا هاء وهاء"، قال النووي: "فيه لغتان: المد، والقصر، والمد أفصح وأشهر، وأصله: هاك، فأبدلت المدة من الكاف، ومعناه: خذ هذا، ويقول صاحبه مثله" "شرح صحيح مسلم" 11/ 15 ..]]، وهو أن يقول كل واحد من البيعين [[غير مقروءة في (أ).]] لصاحبه: خذ، فيعطيه [[بياض في (ع).]] ما في يده. وقال [[وقال: مكررة في (ع).]] ابن السِّكِّيت: يقال: هَاءِ يا رجلُ [[بياض في (ع).]]، [وهَاؤم] [[في (أ): هاء وهاء، وفي (ع): هاؤما وكلاهما، وما أثبته من "إصلاح المنطق" 291، وهو الصواب؛ لأن هاؤما للاثنين، وهاء للواحد.]] يا رجال، وهَاءِ [[في (أ): هاه.]] يا امرأة، وهَاءِ -مكسورة بلا ياءٍ [[بياض في (ع).]] -، وهَائِيا [[في (أ): هأيا.]]، وهَاؤنَّ: يا نسوة، قال: ولغة أخرى: هَأ يا رجل، وللاثنين: هَاءا [[في (أ): هأيا.]] بمنزلة: هَاعا [[وردت في "إصلاح المنطق" 291 هكذا: هعا.]]، وللجميع: هَاؤوا وللمرأة هَائي [[بياض في (ع).]]، وللثنتين [[هذه لغة تميم، ولم ترد في القرآن الكريم، ولغة القرآن: اثنان واثنتان: ﴿فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾، تعليقًا من الدكتور عبد العزيز إسماعيل على الكلمة.]]: هَائيا، وللجميع: هَأن يا نسوة بمنزلة هَعْن، ولغة أخرى: هَاءِ يا رجل بهمزة مكسورة، وللاثنين: هَائيا، وللجميع: هَاؤوا، وللمرأة: هائي، وهائيا [[في (أ): هاهيا.]]، وللجميع: هائين، قال وإذا قيل لك: هاءِ قلت: ما أهاءُ يا هذا، أي: ما آخذ، وما أُهاءُ، أي: ما أعطَى [[انظر: "إصلاح المنطق" لابن السكيت: 290 - 291 نقله عنه الواحدي باختصار، وانظر: "سر صناعة الإعراب" لابن جني: 1/ 319.]]. ونحو هذا قال [الكسائي] [[بياض في (ع). قلت: ولعله الكسائي كما أثبته، فقد ورد عنه نحو ذلك في "تهذيب اللغة" 6/ 479 مادة: (هوم).]] وأبو الهيثم [[لم أعثر على مصدر لقوله إلا ما ذكره الأزهري في التهذيب مختصرًا جدًّا في هذا الباب، قال: فإن أبا الهيثم قال: ها تنبيه تفتتح العرب بها الكلام بلا معنى سوى الافتتاح، تقول: ها ذاك أخوك، ها إنّ ذا أخوك. "تهذيب اللغة" 6/ 479.]] [[ما بين القوسين ساقط من (أ).]]. وقال أبو زيد: (قالوا: هاءَ يا رجل بالفتح، وهاءِ يا رجلُ بالكسر، وللاثنين: هاءَيا بالفتح- في اللغتين جميعًا، ولم يكسروا في الاثنين، وهاؤوا في الجميع، وأنشد: قوموا فهاؤوا الحقَّ نَنْزِلْ عِندَه ... إذْ لم [يكن] [[ما بين المعقوفين ساقط من النسختين، وأثبته من "تهذيب اللغة" 6/ 479 مادة: (هوم)، و"اللسان" 15/ 482: مادة: (هوم).]] لكمُ علينا مَفْخَرُ [[لم أعثر على قائله، كما أني لم أعتر عليه في النوادر لأبي زيد، ولا في كتابه الهمز، وهو مظنته، وقد ورد البيت في تهذيب اللغة. المرجع السابق. وناقل ابن منظور كلام أبي زيد مع البيت في اللسان، مادة: (ها).]] ومن العرب من يقول: هاكَ هذا يا رجل، وهاكما، وهاكم، وهاك، وهاكما، وهاكن [[انظر: "تهذيب اللغة" 6/ 478 - 479: مادة: (هوم) بتصرف يسير. وانظر: "سر صناعة الإعراب" لابن جني: 1/ 319 فيما جاء في هاءَ وهاءِ إلخ.]]. وقال أبو القاسم الزجاجي: أجود هذه اللغات ما حكاه سيبويه عن العرب، فقال: ومما يؤمر به من المبنيات قولهم: ها يا فتى، ومعناه: تناول. ويفتحون الهمزة، ويجعلون فتحها [[في (ع): فتحتها.]] عَلَمَ المذكر، كما قالوا: هاكَ يا فتى، فيجعل فتحة الكاف علامة المذكر، ويقول للاثنين: هاؤما، وهاؤموا، وهاؤم [[انظر كتاب: "حروف المعاني" للزجاجي: 73، و"شرح المفصل" 4/ 42 - 45.]]. والميم في هذا الموضع كالميم في أنتما، وأنتم، وهذه الضمة التي تولدت في همزة هاؤُمُ، وإنما هي لضمة (ميم) الجمع؛ لأن الأصل فيه: هاءه مُوا، وأنتمو، فأتبعوا الضمة، وحكموا للاثنين بحكم الجمع؛ لأن الاثنين عندهم في حكم الجمع في كثير من الأحكام، وكتبت واوًا لانضمامها [[في (أ): لانضاهها.]]، وهي الهمزة التي كانت في هآ، وها بمعنى تناول اسم الفعل بمنزلة (صه)، أي: اسكت [[بياض في (ع).]] [[انظر: "شرح المفصل" 4/ 44.]]. واختلف [[بياض في (ع).]] أهل اللغة في الفعل بين الاثنين من هذه الكلمة [[بياض في (ع).]]: فذكر بعضهم: هاءَ وأيهاوِيّ، مُهَاواة إذا أعطى [[بياض في (ع).]] كل واحد منهما صاحبه، وهذا مأخوذ من هاءَ. ومنهم من يقول: هاوي، غير مهموز، ومهاواة. وهذا أكثر في استعمال الفقهاء [[أى أن تكون "ها" بدون همز. قال الخطابي: "أصحاب الحديث يروونه ها وها، ساكنة الألف، والصواب مدها وفتحها؛ لأن أصلها هاك، أي: خذ، فحذفت الكاف، وعوضت منها المدة والهمزة" انظر: "غريب الحديث" 3/ 241، و"إصلاح غلط المحدثين" للخطابي: 106. وغير الخطابي يجيز فيها السكون على حذف العوض، وتتنزل منزلة (ها) التي للتنبيه. نقلًا عن حاشية "تهذيب اللغة" 6/ 480.]]، وهو يحتمل وجهين: أحدهما: إبدال الهمزة ياء. والآخر: أن يكون بناء من (ها) غير مهموز. قوله: ﴿كِتَابِيَهْ﴾ (القراء مختلفون في إثبات هذه الهاء [[إن الاختلاف بين القراء فيما احتمله خط المصحف مرجعه إلى النقل واللغة العربية لتسويغ الشارع لهم القراءة بذلك؛ إذ ليس لأحد أن يقرأ قراءة بمجرد رأيه؛ بل القراءة سنة متبعة؛ قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" 13/ 399 وقال الشيخ الدكتور عبد العزيز إسماعيل -حول ما كُتب في اختلاف القراءة في إثبات الهاء في موضع دون آخر- قال: إثبات الهاء في موضع دون الآخر يعلل بأن القراءة سنة متبعة، يأخذها الآخر عن الأول، لا مجال فيها للرأي أو القياس. كتب تعليقه هذا عند عرضي عليه ما كنت حققته حول هذه الآية من سورة الحاقة.]]، وكذلك التي في ﴿مَالِيَهْ﴾، و ﴿سُلْطَانِيَهْ﴾ فمنهم [[وهؤلاء هم: ابن عامر، وابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، ونافع، والكسائي، وخلف، وأبو جعفر. انظر: "الحجة" 2/ 374، و"المبسوط" 379، و"الكشف عن وجوه القراءات السبع" 1/ 307 - 308 فقرة: 171 - 172 من سورة البقرة، و"النشر" 2/ 142، و"إتحاف فضلاء الشر" 422 - 423.]]: من يثبتها وصلًا ووقفًا. ومنهم [[قرأ حمزة، ويعقوب بحذف الهاء في الوصل في قوله: ﴿مَالِيَهْ﴾ و ﴿سُلْطَانِيَهْ﴾ كله، أما في ﴿كِتَابِيَهْ﴾ فحذف يعقوب وحده الهاء إذا وصل. انظر المراجع السابقة.]]: من يحذف في الوصل، ويثبت في الوقف. ووجه إثباتها في الوصل: أن ما كان [[و [[(أسدُّ): كذا في "الحجة" 2/ 376، وقد كتبت (أشدّ) في كلا النسختين، والصواب كما قال د. عبد العزيز إسماعيل: ولعل الصواب: (أسد) من السداد، وليس (أشد) من الشدة، واستشهد بقول الشاعر: أُعَلِّمُهُ الرمَايَةَ كُلَّ يَوْمٍ ... فلما استدَّ سَاعِدُه رماني وروي: اشتد، وقالوا: الصواب: استد بالسين. انظر مادة: (سد)، و (شد) في "الصحاح" 2/ 485. قال الأصمعي: اشتد بالشين ليس بشيء.]] و [[أثبت الكسائي الهاء في قوله تعالى: ﴿مَالِيَهْ﴾، و ﴿سُلْطَانِيَهْ﴾، و ﴿كِتَابِيَهْ﴾.]] بياض في (ع).]] من ذلك فاصلة، أو مشبهاً للفاصلة (¬2) في أنه كلام تام (¬3)، يُشَبَّهُ بالقافية، فيُجْعَلُ في الوصل مثلَهُ في الوقف، كما يُفْعَلُ ذلك بالقافية. وقول حمزة في ذلك [أسدُّ] [[وحذف الكسائي الهاء في قوله تعالى: ﴿لَمْ يَتَسَنَّه﴾، و ﴿أقْتَدِه﴾.]]؛ لأنه يحذف هذه كلها في الوصل، وهو الوجه. والكسائي أثبت البعض [[في (ع): كلى.]]، وحذف البعض [[في (أ): الإيثار.]]؛ لأنه شبه البعض بالقوافي، فأثبت الهاء فيه في الوصل، كما تثبت في القوافي، ولم يُشَبِّهِ البعض، وكلا [[في (ع): ثلثه ربعة، وعند سيبويه: ثلاثهَ أرْبَعَهْ، وهو الصواب. انظر: "الكتاب" == لسيبويه: 3/ 265، ونص كلامه فيه: "وزعم من يوثق به أنه سمع من العرب من يقول: ثَلاثَهَ أرْبَعَهْ، طرح همزة أرْبَعَهْ على الهاء ففتحها، ولم يحولها تاءً؛ لأنه جعلها ساكنة، والساكن لا يتغير في الإدراج، تقول: اضْرِبْ، ثم تقول: اضْرِبْ زيدًا". "الكتاب" لسيبويه 2/ 265.]] الأمرين سائغ. وفي إجماعهم على الإثبات (¬8) في ﴿كِتَابِيَهْ﴾، و ﴿حِسَابِيَهْ﴾ دلالة على تشبيههم ذلك بالقوافي. ولإثبات هذه (الهاءات) وجه في القياس، وذلك أن سيبويه حكى في العدد: أنهم يقولون: ثلاثة (رابعهم) (¬9)، فقد أجروا الوصل في هذا مجرى الوقف، ألا ترى أنهم ألقوا حركة الهمزة على (التاء) التي للتأنيث، وأبقوها (هاء) كما يكون في الوقف، ولم يقلبوها (تاء) كما يقولون في الوصل: هذه ثلاثتك بالتاء، فكذلك قوله: ﴿كِتَابِيَهْ﴾) [[ما بين القوسين نقله الإمام الواحدي عن أبي علي الفارسي باختصار عند تناوله الآية: 259 من سورة البقرة ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾. انظر: "الحجة" 2/ 374 - 378.]]. والكلام في هذه (الهاءات) قد تقدم في قوله: ﴿لَمَ يَتَسَنَّه﴾ [البقرة: 259]، وقوله: ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: 90]. (قوله) [[ما بين القوسين ساقط من (ع).]]: ﴿إِنِّي ظَنَنْتُ﴾ قال المفسرون: علمت، وأيقنت في الدنيا [[قال بذلك: قتادة، وابن عباس، والضحاك، ومجاهد، وابن زيد. انظر أقوالهم في "تفسير" الإمام مجاهد 672، و"تفسير" عبد الرزاق 2/ 315، و"جامع البيان" 29/ 60، و"الجامع لأحكام القرآن" 18/ 270، و"الدر المنثور" 8/ 272.]] ﴿أنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ﴾ في الآخرة، ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21)﴾ [الحاقة: 21] أي حاله من العيش، ﴿رَاضِيَةٍ﴾ رضاها [[في (ع): برضاها.]] في الجنة بأن لقي الثواب، وأمن العقاب؛ قاله مقاتل [[لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد مثل هذا القول في "لباب التأويل" 4/ 304 من غير عزو.]]، وعطاء [[لم أعثر على مصدر لقوله.]]. قال الفراء: (عيشة راضية) فيها الرضا، والعرب تقول: ليل نائم، وسر كاتم، وماء دافق، فيجعلونه فاعلًا، وهو في الأصل مفعول، وذلك أنهم يقولون ذلك لا علي بناء الفعل، ولو كان فعلًا مصرحًا لم يُقل ذلك؛ لأنه لا يجوز أن يقال للمضروب [[غير مقروء في (ع).]]: ضارب [[انظر: "معاني القرآن للفراء" 3/ 182 بتصرف يسير.]]. وقد أحكمنا هذه المسألة عند قوله: ﴿قَالَ لَا عَاصِمَ﴾ [[والآية بتمامها: قال تعالى: ﴿قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)﴾. وقد جاء فى تفسيرها: "يعصمني من الماء، يريد يمنعني من الماء، فلا أغرق. قال نوح: لا عاصم اليوم من أمر الله: لا مانع اليوم من عذاب الله، إلا من رحم، استثناء منقطع، المعنى: لكن من رحم الله فإنه معصوم. ولا يجوز هاهنا أن يكون المعصوم عاصمًا، هذا وجه في الاستثناء. قال أبو إسحاق: ويجوز أن يكون (عاصم) بمعنى معصوم، ويكون معنى: لا عاصم، لا ذا عصمة، كما قالوا: "عيشة راضية" على جهة النسب، أي: ذات رضا، ويكون (من) على هذا التفسير في موضع رفع، ويكون المعنى: لا معصوم إلا المرحوم. ونحو هذا قال الفراء: وقال: لا تنكثون أن يخرج المفعول على فاعل، ألا ترى قوله: ﴿خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ﴾ معناه مدفوق، وقوله: ﴿فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾ معناها مرضية؟. فعلى قول الفراء: يجوز أن يكون الفاعل بمعنى المفعول على ما ذكر. وقال علماء البصرة: ماء دافق بمعنى مدفوق باطل في الكلام؛ لأن الفرق بين بناء الفاعل وبناء المفعول واجب، وهذا عند سيبويه وأصحابه يكون على طريق النسب من غير أن يعتبر فيه فعل، فهو فاعل نحو: رامح، ولابن، وتامر، وتارس، ومعناه: ذو رمح، وذو لبن، كذلك هاهنا: عاصم بمعنى ذي عصمة من قبل الله تعالى، ليس أنه عُصِمَ فهو عاصم بمعنى معموم على الإطلاق الذى ذكره الفراء.]] [هود: 43]. قوله تعالى: ﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23)﴾ قال المفسرون: ثمارها قريبة ممن يتناولها، تدنو منه إذا أرادها [[بياض في (ع).]]، فيتناول منها ما شاء [[جاء هذا المعنى عن البراء بن عازب قال: يتناول الرجل من فواكهها وهو نائم، وعنه: قريبة. انظر قوله في "جامع البيان" 29/ 61، و"الدر المنثور" 8/ 272، وعزاه إلى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر. وعن قتادة: دنت، فلا يرد أيديهم عنها بُعد ولا شوك. انظر قوله في المرجعين السابقين، وعزاه صاحب الدر إلى عبد بن حميد. وقال الضحاك في معنى الآية: ثمرها. "الدر المنثور" 8/ 272، وعزاه إلى ابن المنذر، وبهذا قال ابن قتيبة. "تفسير غريب القرآن" 484. وقال السجستاني؛ ثمرثها قريبة المتناول، تُناول على كل حال من قيام وقعود ونيام، واحدها: قطف. "نزهة القلوب" 37. وإلى معنى الأقوال السابقة ذهب: الثعلبي في "الكشف والبيان" 13/ 178/ أ، والبغوي في "معالم التنزيل" 4/ 388، والقرطبي في "الجامع" 18/ 270، والخازن في "لباب التأويل" 4/ 305.]]. والقطف: ما يُقطف من الثمار، والقطف المصدر، والقِطاف بالكسر والفتح وقت القطف [[عن الليث: القَطْف: قَطْعُك العنب وغيره، وكل شيء تقطعه فقد قَطَفْتَه، حتى الجراد تُقْطَفُ رؤوسُها، والقِطْف: اسم للثمار المقطوعة، وجمعها: قُطوف. "تهذيب اللغة" 16/ 281: (قطف). وعن ابن فارس أن القاف والطاء والفاء: أصل صحيح يدل على أخذ ثمرة من شجرة، ثم يستعار ذلك فتقول: قطفت الثمرة أقطفُها قَطْفًا. "معجم مقاييس اللغة" 5/ 103 (قطف). وعن الجوهري: القِطْف بالكسر العنقود، وبجمعه جاء القرآن: ﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23)﴾، والقِطاف، والقَطاف: وقت القطف. "الصحاح" 4/ 1417 (قطف).]]. قوله: ﴿كُلُواْ﴾ أي: ويقال لهم: كلوا واشربوا هنيئًا، وإنما جمع الخطاب بعد قوله: ﴿فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾، لقوله: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ﴾ ، و (من) يتضمن [معنى] [[في كلا النسختين: مع، والصواب ما أثبته، وهو منقول من "القرطبي" 18/ 270.]] الجمع. قوله تعالى: ﴿بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾ [[(الخالية) ساقطة من (ع).]] أي قدمتم من أعمالكم الصالحة. ومعنى الأسلاف في اللغة: تقديم ما يرجو أن يعود [[بياض في (ع).]] خيرًا [[في (ع): بخير.]]، فهو كالإقراض، ومن هذا يقال: أسلف في كذا: إذا قدم فيه ماله [[عن الليث وغيره قالوا: السَّلَفُ: القَرْضُ، والفعل: أسْلَفْت، يقال: سَلَّفْتَه مالًا، أي: أقْرَضْتَه، وكل قال قدَّمته في ثمن سلعة مضمونة اشتريتها بصفة فهي سَلَف وللسلف معنيان آخران: أحدهما: أن كل شيء قدمه العبد من عمل صالح، أو ولد فَرَط تقدمه فهو سلَف، وقد سلف له عمل صالح. "تهذب اللغة" 12/ 431: مادة: (سلف). وقال ابن فارس: إن السين واللام والفاء أصل يدل على تقدُّم وسبق. "معجم مقاييس اللغة" 3/ 95 مادة: (سلف).]]. والمعنى: بما عملتم من الأعمال الصالحة. وقال ابن عباس: بما قدمتم في الأيام الخالية، قال: يريد أيام الدنيا [[لم أعثر على مصدر لقوله.]]. و ﴿الْخَالِيَةِ﴾ الماضية، ومنه قوله: ﴿وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ﴾ [الأحقاف: 17]، و ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ﴾ [البقرة: 134، و141]. وقال الكلبي: ﴿بِمَا أَسْلَفْتُمْ﴾ يعني الصوم [[لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد بمثل قوله عن وكيع، وابن جبير، وعبد العزيز بن رفيع، ومجاهد. انظر: "المحرر الوجيز" 5/ 360، و"الدر" 8/ 272، و"فتح القدير" 5/ 284.]]، وذلك أنهم لما أمروا بالأكل والشرب دل ذلك على أنه لمن امتنع في الدنيا عنهما بالصوم طاعة لله تعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب