قوله تعالى: {مَآءً لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ} : يجوزُ في «لكم» أن يتعلَّقَ ب «أنْزَلَ» ، ويجوزُ أن يكونَ صفةً ل «ماءً» ، فيتعلَّقَ بمحذوفٍ، فعلى الأولِ يكون «شرابٌ» مبتدأً و «منه» خبرُه مقدَّمٌ عليه، والجملةُ أيضاً صفةٌ ل «ماءً» وعلى الثاني يكون «شرابٌ» فاعلاً بالظرف، و «منه» حالٌ من «شراب» . و «مِنْ» الأولى للتبعيض، وكذا الثانيةُ عند بعضِهم، لكنه مجاز لأنه لمَّا كان سَقْيُه بالماء جُعِل كأنه من الماء كقوله:
294 - 6- أسنِمَة الآبالِ في رَبابَهْ ... أي: في سَحابة، يعني به المطرَ الذي يَنْبُتُ به الكلأُ الذي تأكلُه الإِبِلُ فَتَسْمَنُ اَسْنِمَتُها.
وقال أبو بكر بن الأنباري: «هو على حذف مضاف إمَّا من الأول، يعني قبل الضمير، أي: مِنْ سَقْيِه وجِهتِه شجرٌ، وإمَّا من الثاني، يعني قبل شجر، أي: شُرْب شجر أو حياة شجر» . وجعل أبو البقاء الأولى للتبعيض والثانية للسبيية، أي: بسببه، ودَلَّ عليه قولُه: {يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزرع} .
والشَّجَرُ هنا: كلُّ نباتٍ من الأرض حتى الكَلأُ، وفي الحديث: «لا تأكُلوا الشجرَ فإنه سُحْتٌ» يعني الكلأ، ينهى عن تحجُّر المباحاتِ المحتاجِ إليها بشدة. وقال:
296 - 5- نُطْعِمُها اللحمَ إذا عَزَّ الشجَرْ ... وهو مجازٌ؛ لأنَّ الشجرَ ما كان له ساقٌ.
قوله: {فِيهِ تُسِيمُونَ} هذه صفةٌ أخرى ل «ماءً» . والعامَّة على «تُسِيمون» بضمِّ الياء مِنْ أسام، أي: أَرْسَلَها لِتَرْعى، وزيد بن علي بفتحِها، فيحتمل أن يكونَ متعدياً، ويكون فَعَل وأَفْعَل بمعنى، ويحتمل أن يكون لازماً على حذفِ مضافٍ، أي: تَسِيْمُ مواشِيَكُمْ.
{"ayah":"هُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰۖ لَّكُم مِّنۡهُ شَرَابࣱ وَمِنۡهُ شَجَرࣱ فِیهِ تُسِیمُونَ"}