قوله: {خِفْتُ الموالي} : العامَّةُ على «خَفْتُ» بكسر الحاء وسكونِ الفاء، وهو ماضٍ مسندٌ لتاءِ المتكلم. و «المَوالي» مفعولٌ به بمعنى: أنَّ مَوالِيه كانوا شِرارَ بني إسرائيل، فخافَهم على الدِّين. قاله الزمخشري.
قال أبو البقاء: «لا بُدَّ مِنْ حَذْفِ مضافٍ، أي: عَدَمَ المَوالي أو جَوْرَ المَوالي» .
وقرأ الزُّهري كذلك، إلا أنه سَكَّن ياءَ «المَواليْ» وقد تَقَدَّم أنَّه قد تُقَدَّر الفتحةُ في الياء والواو، وعليه قراءةُ زيدِ بنِ عليّ {تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] . وتقدَّم إيضاحُ هذا.
وقرأ عثمان بن عفان وزيد بن ثابت وابن عباس وسعيد بن جبير وسعيد بن العاص ويحيى بن يعمر وعلي بن الحسين في آخرين: «خَفَّتِ» بفتحِ الخاءِ والفاءِ مشددةً وتاءِ تأنيثٍ، كُسِرَتْ لالتقاءِ السَّاكنين. و «المَوالِيْ» فاعلٌ به، بمعنى دَرَجُوا وانقرضُوا بالموت.
قوله: {مِن وَرَآئِي} هذا متعلِّقٌ في قراءةِ الجُمهورِ بما تضمنَّه المَوالي مِنْ معنى الفِعْلِ، أي: الذين يَلُوْن الأمرَ بعدي. ولا يتعلق ب «خَفْتُ» لفسادِ المعنى، وهذا على أَنْ يُرادَ ب «ورائي» معنى خلفي وبعدي. وأمَّا في قراءةِ «خَفَّتْ» بالتشديد فيتعلَّق الظرفُ بنفسِ الفعل، ويكونُ «ورائي» بمعنى قُدَّامي. والمرادُ: أنهم خفُّوا قدَّامَه ودَرَجُوا، ولم يَبْقَ منهم مَنْ به تَقَوٍّ واعْتِضادٌ. ذكر هذين المعنيين الزمخشري.
والمَوالي: بنو العمِّ يدلُّ على ذلك تفسيرُ الشاعرِ لهم بذلك في قوله:
321 - 1- مَهْلاً بني عَمَّنا مَهْلاً مَواليَنا ... لا تَنْبُشوا بَيْنَنا ما كان مَدْفُوْنا
وقال آخر:
321 - 2- ومَوْلَىً قد دَفَعْتُ الضَّيْمَ عنهُ ... وقد أمْسَى بمنزلةِ المَضِيْمِ
والجمهورُ على «ورائي» بالمدِّ. وقرأ ابنُ كثير - في روايةٍ عنه - «وَرايَ» بالقصر، ولا يَبْعُدُ ذلك عنه فإنه قَصَرَ «شُرَكاي» في النحل كما تقدَّم، وسيأتي أنَّه قَرَأ {أَنْ رَاْه اسْتَغْنى} في العَلَق، كأنه كان يُؤْثِرُ القَصْر على المدِّ لخفَّتِهن ولكنه عند البصريين لا يجوزُ سَعَةً.
و {مِن لَّدُنْكَ} يجوز أَنْ يتعلَّقَ ب «هَبْ» . ويجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ مِنْ «وَليَّاً» لأنه في الأصل صفةٌ للنكرةِ فقُدِّمَ عليها.
{"ayah":"وَإِنِّی خِفۡتُ ٱلۡمَوَ ٰلِیَ مِن وَرَاۤءِی وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِی عَاقِرࣰا فَهَبۡ لِی مِن لَّدُنكَ وَلِیࣰّا"}