الباحث القرآني

قوله: {فَلاَ أُقْسِمُ} : قرأه العامَّةُ «فلا» ، لامَ ألفٍ، وفيها أوجهٌ، أحدُها: أنها حرفُ نفي، وأنَّ المنفيَّ بها محذوفٌ، وهو كلامُ الكافرِ الجاحدِ تقديرُه: فلا حُجَّةَ لِما يقولُ الكافرُ، ثم ابتدأ قَسَماً بما ذَكَر، وإليه ذهب جماعةٌ من المفسِّرين والنَّحْويين. وضُعِّفَ هذا: بأنَّ فيه حَذْفَ اسمِ «لا» وخبرِها. قال الشيخ: «ولا يجوز» ولا ينبغي؛ فإن القائلَ بذلكَ مثلُ سعيدِ بنِ جُبير تلميذِ حَبْر القرآنِ وبحرِه عبدِ اللَّهِ ابن عباس رضي الله عنهما، ويَبْعُدُ أَنْ يقولَه سعيدٌ إلاَّ بتوقيف. الثاني: أنها زائدةٌ للتوكيدِ، مِثْلُها في قولِه تعالى: {لِّئَلاَّ يَعْلَمَ} [الحديد: 29] والتقدير: فأُقْسِمُ، وليَعْلَمَ، وكقولِه: 4224 -. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... فلا وأَبي أعدائِها لا أَخُوْنُها الثالث: أنَّها لامُ الابتداءِ. والأصلُ: فَلأُقْسِمُ فأُشْبِعَتْ الفتحةُ فتولَّد منها ألفٌ، كقولِه: 4225 - أَعوذُ باللَّهِ من العَقْرابِ ... قاله الشيخُ، واستشهدَ بقراءةِ هشام «أَفْئِيْدَة» . قلت. وهذا ضعيفٌ جداً، واستند أيضاً لقراءةِ الحسن وعيسى/ «فَلأُقْسِمُ» بلامٍ واحدةٍ. قلت: وفي هذه القراءةِ تخريجان أحدُهما: أنَّ اللامَ لامُ الابتداءِ، وبعدَها مبتدأٌ محذوفٌ، والفعلُ خبرُه، فلمَّا حُذِفَ المبتدأُ اتصلَتْ اللامُ بخبرِه وتقديرُه: فلأَنا أٌقْسِمُ نحو: لَزيدٌ منطلقٌ، قاله الزمخشري وابن جني. والثاني: أنها لامُ القسمِ دخَلَتْ على الفعل الحالي. ويجوز أَنْ يكونَ القسم جواباً للقسمِ كقوله: {وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا} [التوبة: 107] فنفسُ «ليَحْلِفُنَّ» قسمٌ جوابُه «إنْ أرَدْنَا» وهو جوابٌ لقسمٍ مقدرٍ، كذلك هذا، وهو قولُ الكوفيين: يُجيزون أَنْ يُقْسَم على فعلِ الحالِ. البصريُّون يَأْبَوْنه ويُخَرِّجون ما يُوهم ذلك على إضمار مبتدأ فيعود القسم على جملةٍ اسمية. ومنع الزمخشري أن تكونَ لامَ القسمِ قال: «لأمرَيْن، أحدهما: أنَّ حَقَّها أَنْ تُقْرَنَ بالنونِ المؤكدةِ، والإِخلالُ بها ضعيفٌ قبيحٌ. والثاني: أنَّ لأفعلنَّ في جواب القسم للاستقبالِ، وفعلُ القسمِ يجب أَنْ يكونَ للحال» وهذا كما تقدَّم أنه يرى مذهبَ البَصرْيين، ومعنى قولِه: «وفعلُ القَسَمِ يجبُ أنْ يكونَ للحال» يعني أنَّ فِعْلَ القسمِ إنشاءٌ والإِنشاءُ حالٌ. وإمَّا قولُه: «أَنْ يُقْرن بها النونُ» هذا مذهبُ البصريين. وأمَّا الكوفيون فيجيزون التعاقبَ بين اللام والنونِ نحو: واللَّهِ لأَضْرِبُ زيداً كقولِه: 4226 - لَئِن تَكُ قد ضاقَتْ عليكم بيوتُكمْ ... لَيَعْلَمُ ربِّي أنَّ بيتيَ واسعُ وواللَّهِ اضربَنَّ زيداً كقولِه: 4227 - وقتيلُ مُرَّةَ أَثْأَرَنَّ. . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وقد تقدَّم قريبٌ من هذه الآية في قولِه تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ} [النساء: 65] ولكن هناك ما لا يُمْكن القولُ به هنا كما أنَّ هنا ما لا يمكن القولُ به هناك، وسيأتي قريبٌ منه في القيامةِ في قراءةِ ابن كثير {لأُقْسِمُ بيوم القيامة} [القيامة: 1] . وقرأ العامَّة «بمواقِع» جمعاً، والأخَوان «بموقع» مفرداً بمعنى الجمع لأنَّه مصدرٌ فوُحِّدَ، ومواقعُها: مَساقِطُها ومَغارِبُها. وقيل: سُقوطُها يوم تَنْكَدِرُ. وقيل: النجومُ للقرآن، ويؤيِّدُه «وإنَّه لَقَسَمٌ» ، و {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} والمُقْسَمُ عليه قولُه: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} وعلى هذا فيكونُ في الكلام اعتراضان، أحدُهما: الاعتراضُ بقوله: «وإنه لَقَسَمٌ» بين القسمِ والمُقْسَم عليه، والثاني: الاعتراضُ بقولِه: «لو تعلمون» بين الصفةِ والموصوفِ. وأبى ابنُ عطية أَنْ يُجْعَلَ قولُه: «وإنَّه لَقَسَمٌ» اعتراضاً فقال: «وإنه لَقَسَمٌ» تأكيدٌ للأمرِ وتنبيهُ المُقْسَم به، وليس هذا باعتراضٍ بين الكلامَيْن، بل هذا معنىً قُصِدَ التَّهَمُّمُ به، وإنما الاعتراضُ قولُه: «لو تعلمون» قلت: وكونُه تأكيداً ومُنَبِّهاً على تعظيمِ المُقْسَمِ به لا يُنافي الاعتراضَ بل هذا معنى الاعتراضِ وفائدتُه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب