الباحث القرآني

﴿ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ﴾ أي ينتفعون به، وعبر عن ذلك بالأكل لأنه أغلب المنافع. وسواء من أعطاه أو من أخذه، والربا في اللغة الزيادة، ثم استعمل في الشريعة في بيوعات ممنوعة أكثرها راجع إلى الزيادة، فإنّ غالب الربا في الجاهلية قولهم للغريم: أتقضي أم تربي، فكان الغريم يزيد في عدد المال، ويصبر الطالب عليه، ثم إن الربا على نوعين: ربا النسيئة، وربا التفاضل وكلاهما يكون في الذهب والفضة، وفي الطعام، فأما النسيئة؛ فتحرم في بيع الذهب بالذهب وبيع الفضة بالفضة وفي بيع الذهب بالفضة، وهو الصرف، وفي الطعام بالطعام مطلقاً، وأما التفاضل: فإنما يحرم في بيع الجنس الواحد بجنسه من النقدين ومن الطعام، ومذهب مالك أنه يحرم التفاضل في المقتات المدخر من الطعام، ومذهب الشافعي أنه يحرم في كل طعام، ومذهب أبي حنيفة أنه يحرم في المكيل والموزون من الطعام وغيره ﴿لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَٰنُ مِنَ ٱلْمَسِّ﴾ أجمع المفسرون أن المعنى لا يقومون من قبورهم في البعث إلاّ كالمجنون، ويتخبطه يتفعله من قولك: خبط يخبط، والمس الجنون، ومن تتعلق بيقوم ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ﴾ تعليل للعقاب الذي يصيبهم، وإنما هذا للكفار، لأن قولهم: إنما البيع مثل الربا: ردّ على الشريعة وتكذيب للإثم وقد يأخذ العصاة بحظ من هذا الوعيد، فإن قيل: هلا قيل إنما الربا مثل البيع، لأنهم قاسوا الربا على البيع في الجواز، فالجواب: أن هذا مبالغة، فإنهم جعلوا الربا أصلاً حتى شبهوا به البيع ﴿وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ﴾ عموم يخرج منه البيوع الممنوعة شرعاً، وقد عددناها في الفقه ثمانين نوعاً ﴿وَحَرَّمَ ٱلرِّبَٰواْ﴾ ردّ على الكفار وإنكار للتسوية بين البيع والربا، وفي ذلك دليل على أن القياس يهدمه النص، لأنه جعل الدليل على بطلان قياسهم تحليل الله وتحريمه ﴿فَلَهُ مَا سَلَفَ﴾ أي له ما أخذ من الربا، أي لا يؤاخذ بما فعل منه قبل نزول التحريم ﴿وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ﴾ الضمير عائد على صاحب الربا، والمعنى أن الله يحكم فيه يوم القيامة، فلا تؤاخذوه في الدنيا، وقيل: الضمير عائد على الربا، والمعنى أن أمر الربا إلى الله في تحريم أو غير ذلك ﴿وَمَنْ عَادَ﴾ الآية: يعني من عاد إلى فعل الربا وإلى القول: إنما البيع مثل الربا، ولذلك حكم عليه بالخلود في النار، لأن ذلك القول لا يصدر إلاّ من كافر، فلا حجة فيها لمن قال بتخليد العصاة لكونها في الكفار ﴿يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَٰواْ﴾ ينقصه ويذهبه ﴿وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَٰتِ﴾ ينميها في الدنيا بالبركة، وفي الآخرة بمضاعفة الثواب ﴿كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾ أي من يجمع بين الكفر والإثم بفعل الربا، وهذا يدل على أن الآية في الكفار.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب