الباحث القرآني

﴿وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ﴾ أي من قومه ﴿سَبْعِينَ رَجُلاً﴾ حملهم معه إلى الطور يسمعون كلام الله لموسى فقالوا: أرنا الله جهرة فأخذتهم الرجفة عقاباً لهم على قولهم، وقيل: إنما أخذتهم الرجفة لعبادتهم العجل أو لسكوتهم على عبادته، والأوّل أرجح لقوله فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم، ويحتمل أن تكون رجفة موت أو إغماء، والأول أظهر لقوله: ثم بعثناكم من بعد موتكم ﴿لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّٰيَ﴾ يحتمل أن تكون لو هنا للتمني أي تمنوا أن يكون هو وهم قد ماتوا قبل ذلك، لأنه خاف من تشغيب بني إسرائيل عليه إن رجع إليهم دون هؤلاء السبعين، ويحتمل أن يكون قال ذلك على وجه التضرع والاستسلام لأمر الله كأنه قال: لو شئت أن تهلكنا قبل ذلك لفعلت فإنا عبيدك وتحت قهرك، وأنت تفعل ما تشاء، ويحتمل ان يكون قالها على وجه التضرع والرغبة كأنه قال: لو شئت أن تهلكنا قبل اليوم لفعلت، ولكنك عافيتنا وأبقيتنا فافعل معنا الآن ما وعدتنا، وأحي هؤلاء القوم الذين أخذتهم الرجفة ﴿أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ﴾ أي أتهلكنا وتهلك سائر بني إسرائيل بما فعل السفهاء الذين طلبوا الرؤية، والذين عبدوا العجل، فمعنى هذا إدلاء بحجته، وتبرؤ من فعل السفهاء، ورغبة إلى الله أن لا يعم الجميع بالعقوبة ﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ﴾ أي الأمور كلها بيدك ﴿تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ﴾ ومعنى هذا: اعتذار عن فعل السفهاء، فإنه كان بقضاء الله ومشيئته ﴿إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ﴾ أي تبنا، وهذا الكلام الذي قاله موسى عليه السلام إنما هو: استعطاف ورغبة إلى الله وتضرع إليه، ولا يقتضي شيئاً مما توهم الجهال فيه من الجفاء في قوله: أتهلكنا بما فعل السفهاء منا لأنا قد بينا أنه إنما قال ذلك استعطافاً لله وبراءة من فعل السفهاء ﴿قَالَ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ﴾ قيل: الإشارة بذلك إلى الذين أخذتهم الرجفة، والصحيح أنه عموم يندرجون فيه مع غيرهم، وقرئ من أساء. بالسين وفتح الهمزة من الإساءة وأنكرها بعض المقرئين وقال: إنها تصحيف ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ يحتمل أن يريد رحمته في الدنيا فيكون خصوصاً في الرحمة، وعموماً في كل شيء لأنّ المؤمن والكافر، والمطيع والعاصي: تنالهم رحمة الله ونعمته في الدنيا، ويحتمل أن يريد رحمة الآخرة فيكون خصوصاً في كل شيء لأنّ الرحمة في الآخرة مختصة بالمؤمنين، ويحتمل أن يريد جنس الرحمة على الإطلاق، فيكون عموماً في الرحمة، وفي كل شيء ﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ إن كانت الرحمة المذكورة رحمة الآخرة فهي بلا شك مختصة بهؤلاء الذين كتب بها الله لهم، وهم أمّة محمد ﷺ، وإن كانت رحمة الدنيا، فهي أيضاً مختصة بهم لأنّ الله نصرهم على جميع الأمم، وأعلى دينهم على جميع الأديان، ومكن لهم في الأرض ما لم يمكن لغيرهم، وإن كانت على الإطلاق: فقوله: سأكتبها تخصيص للإطلاق ﴿وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ أي يؤمنون بجميع الكتب والأنبياء، وليس ذلك لغير هذه الأمّة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب