الباحث القرآني

قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ: اختلف المتأوِّلون من المراد بهذه الآية والتي قبلها، فقال قوم: الآيتان جميعاً في جميع المؤمنينَ، وقال آخرون: هما في مُؤْمِنِي أهْلِ الكتاب، وقال آخرون: الآية الأولى في مُؤْمِنِي العربِ، والثانيةُ في مؤمني أهل الكتاب كعبد الله بن سلام [[هو: عبد الله بن سلام بن الحارث.. من ذرية يوسف (عليه السلام) . أبو يوسف، حليف النوافل من الخزرج «الإسرائيلي» ، الأنصاري. -- قال ابن الأثير في «الأسد» : كان إسلامه لما قدم النبي المدينة مهاجرا. روى عنه ابناه يوسف، ومحمد، وأنس بن مالك، وزرارة بن أوفى، وكان قد ذكر قبل ذلك أنه كان اسمه في الجاهلية «الحصين» ، فسماه رسول الله حين أسلم عبد الله. توفي سنة (43) هـ. ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (3/ 264) ، «الإصابة» (4/ 80) ، «الثقات» (3/ 228) ، «نقعة الصديان» (245) ، «عنوان النجابة» (124) ، «شذرات الذهب» (1/ 40) ، «تقريب التهذيب» (1/ 422) ، «تهذيب التهذيب» (5/ 249) .]] وفيه نزلت. وقوله: بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ: يعني القرآن، وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ، يعني: الكتب السالفة، ويُوقِنُونَ معناه: يعلَمُونَ عِلْماً متمكِّناً في نفوسهم، واليقين أعلى درجات العلم. وقوله تعالى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ إِشارة إِلى المذكورين، والهدى هنا: الإِرشاد، والفلاحُ: الظَّفَر بالبغية، وإدراك الأمل. قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ ... إلى عَظِيمٌ: اختلف فيمن نزلَتْ هذه الآية بعد الاتفاق على أنها غير عامَّة لوجود الكفار قد أسلموا بعدها، فقال قوم: هي فيمن سبق في علْمِ اللَّه، أنه لا يؤمِنُ، وقال ابن عَبَّاسٍ: نزَلَتْ في حُيَيٍّ بْنِ أَخْطَبَ، وأَبِي ياسِرِ بنِ أَخْطَبَ، وكعب بن الأَشْرَفِ [[كعب بن الأشرف الطائي، من بني نبهان، شاعر جاهلي. كانت أمه من «بني النضير» فدان باليهودية. وكان سيدا في أخواله. أدرك الإسلام ولم يسلم، وأكثر من هجوم النبي ﷺ وأصحابه، وتحريض القبائل عليهم وإيذائهم، والتشبيب بنسائهم، وخرج إلى مكة بعد وقعة «بدر» فندب قتلى قريش فيها، وحض على الأخذ بثأرهم، وعاد إلى المدينة. وأمر النبي ﷺ بقتله، فانطلق إليه خمسة من الأنصار فقتلوه في ظاهر حصنه سنة (3 هـ.) وحملوا رأسه في مخلاة إلى المدينة. ينظر: «الروض الأنف» (2/ 123) ، «إمتاع الأسماع» (1/ 107) ، «ابن الأثير» (2/ 53) ، «الطبري» (3/ 2) ، «الأعلام» (5/ 225) .]] ، ونظرائهم [[الطبري (1/ 141) برقم (295) وذكره السمرقندي (1/ 91- 92) ، وابن عطية الأندلسي (1/ 87) ، والماوردي (1/ 72) ، والقرطبي (1/ 160) ، والسيوطي في «الدر» (1/ 65) ، وعزاه لابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم. وذكره ابن كثير (1/ 45) .]] . والقولُ الأول هو المعتمد عليه. وقوله: سَواءٌ عَلَيْهِمْ معناه: معتدلٌ عندهم، والإِنذار: إعلام بتخويف، هذا حدُّه، وقوله تعالى: خَتَمَ: مأخوذ من الخَتْم، وهو الطبعُ، والخاتَمُ: الطابَعُ قال في مختصر الطبريِّ: والصحيح أن هذا الطبع حقيقة [[قال ابن فارس في «فقه اللغة» : الحقيقة من قولنا: حقّ الشيء إذا وجب. واشتقاقه من الشيء المحقق، -وهو المحكم يقال: ثوب محقّق النّسج: أي محكمه. فالحقيقة: الكلام الموضوع موضعه الذي ليس باستعارة، ولا تمثيل، ولا تقديم فيه، ولا تأخير كقول القائل: أحمد الله على نعمه وإحسانه. وهذا أكثر الكلام، وأكثر آي القرآن وشعر العرب على هذا. وينظر: «البحر المحيط» للزركشي (2/ 152) ، «سلاسل الذهب» له ص (182) ، «التمهيد» للأسنوي ص (185) ، «نهاية السول» له (2/ 145) ، «منهاج العقول» للبدخشي (1/ 327) ، «غاية الوصول» للشيخ زكريا الأنصاري» (ص 46) .]] لا أنه مجاز [[المجاز مأخوذ من جاز يجوز إذا استنّ ماضيا، تقول: جاز بنا فلان، وجاز علينا فارس هذا هو الأصل. ثم تقول: يجوز أن تفعل كذا: أي ينفذ ولا يرد ولا يمنع. وتقول: عندنا دراهم وضح وازنة، وأخرى تجوز جواز الوازنة: أي: إن هذه وإن لم تكن وازنة فهي تجوز مجازها وجوازها لقربها منها. فهذا تأويل قولنا: «مجاز» يعني: أن الكلام الحقيقي يمضي لسننه لا يعترض عليه، وقد يكون غيره يجوز جوازه لقربه منه، إلا أن فيه من تشبيه واستعارة وكفّ ما ليس في الأوّل وذلك كقولنا: عطاء فلان مزن واكف. فهذا تشبيه، وقد جاز مجاز قوله: عطاؤه كثير واف. ومن هذا قوله تعالى: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ [القلم: 16] . فهذا استعارة. وقال ابن جني في «الخصائص» : الحقيقية ما أقرّ في الاستعمال على أصل وضعه في اللغة، والمجاز: ما كان بضد ذلك، وإنما يقع المجاز ويعدل إليه عن الحقيقة لمعان ثلاثة: وهي الاتساع، والتوكيد، والتشبيه، فإن عدمت الثلاثة تعيّنت الحقيقة فمن ذلك قوله ﷺ في الفرس: «هو بحر» ، فالمعاني الثلاثة موجودة فيه. ينظر: «البحر المحيط» للزركشي (2/ 158) ، «سلاسل الذهب» له ص (190) ، «التمهيد» للأسنوي ص (185) ، «نهاية السول» له (2/ 145) ، «منهاج العقول» للبدخشي (1/ 354) ، «غاية الوصول» للشيخ زكريا الأنصاري ص (47) ، «التحصيل من المحصول» للأرموي، (1/ 221) ، «المستصفى» للغزالي (1/ 341) ، «حاشية البناني» (1/ 304) ، «الإبهاج» لابن السبكي (1/ 273) ، «الآيات البينات» لابن قاسم العبادي (2/ 152) ، «تخريج الفروع على الأصول» للزنجاني ص (387) ، «حاشية العطار على جمع الجوامع» (1/ 399) ، «المعتمد» لأبي الحسين (1/ 14، 2/ 405) ، «الإحكام في أصول الأحكام» (4/ 437) ، «التحرير» لابن الهمام ص (160) ، «تيسير التحرير لأمير بادشاه» (1/ 73، 2/ 3) ، «كشف الأسرار» للنسفي (1/ 226) ، «حاشية التفتازاني والشريف على مختصر المنتهى» (1/ 138) ، «شرح التلويح على التوضيح» لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني (1/ 72) ، «حاشية نسمات الأسحار» لابن عابدين ص (98) ، «شرح مختصر المنار» للكوراني ص (59) ، «الوجيز» للكراماستي ص (8) ، «ميزان الأصول» للسمرقندي (1/ 527) ، «تقريب الوصول» لابن جزي ص (73) ، «إرشاد الفحول» للشوكاني ص (22) ، «نشر البنود» للشنقيطي (1/ 124) ، «الكوكب المنير» للفتوحي ص (39- 56) ، «التقرير والتحبير» لابن أمير الحاج (2/ 2) .]] فقد جاء عن النبيِّ ﷺ: «إنَّ العَبْدَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْباً، نُكِتَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ، وَنَزَعَ واستغفر، صُقِلَ [[الصّقل: الجلاء. ينظر: «لسان العرب» (2473) .]] قَلْبُهُ، وَإِنْ زَادَ، زَادَتْ حتى تَغَلَّقَ قلبه، فذلك الرَّانُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تعالى: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَّا كانُوا يَكْسِبُونَ» [[أخرجه أحمد (2/ 297) ، والترمذي (5/ 434) ، كتاب «تفسير القرآن» ، باب ومن سورة ويل للمطففين، حديث (3334) ، والنسائي في «التفسير» (2/ 505) ، رقم (678) ، وفي «الكبرى» (6/ 110) ، كتاب «عمل اليوم والليلة» ، باب ما يفعل من بلي بذنب وما يقول، حديث (10251) ، وابن ماجه (2/ 1418) ، كتاب «الزهد» باب ذكر الذنوب، حديث (4244) ، والطبري في «تفسيره» (30/ 62) ، والحاكم (2/ 517) ، وابن حبان (3/ 210) ، رقم (930) ، و (1771- موارد) ، كلهم من طريق محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعا. وقال الترمذي: حديث حَسَنٌ صَحِيحٌ. وقال الحاكمُ: صحيحٌ على شرطِ مسلم، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وصححه ابن حبان. والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (6/ 539) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في «شعب الإيمان» .]] [المطففين: 14] » انتهى. والغِشَاوَةُ: الغطاء المغشي الساتر، وقوله تعالى: وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ: معناه: لِمخالفتِكَ يا محمَّد، وكفرهم بالله، وعَظِيمٌ: معناه بالإضافة إلى عذاب دونه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب