الباحث القرآني

وقوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ ... الآية: جعل اللَّه ترك الآخرةِ، وأخْذَ الدنيا عوضاً عنها، مع قدرتهم على التمسُّك بالآخرة- بمنزلة من أخذها، ثم باعها بالدنيا، فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ، في الآخرة، وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ لا في الدنيا، ولا في الآخرة. ص [[«المجيد» (ص 331) .]] : وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ: «اللام» في «لَقَدْ» : يحتمل أن تكون توكيداً، ويحتمل أن تكون جواب قسم، وموسى هو المفعول الأول، والكتاب الثانِي، وعكس السّهيليّ. ومَرْيَمَ: معناه في السُّرْيانية: الخَادَم، وسميت به أمُّ عيسى، فصار علما عليها. انتهى. والْكِتابَ: التوراةُ. وَقَفَّيْنا: مأخوذ من القَفَا تقول: قَفَيْتُ فُلاَناً بِفُلاَنٍ، إِذا جئْتَ به من قبل قَفَاه، ومنه: قَفَا يَقْفُو، إِذا اتبع، وكلُّ رسول جاء بعد موسى، فإِنما جاء بإِثبات التوراة، والأمر بلزومها إلى عيسَى- عليهم السلام-. والْبَيِّناتِ: الحججُ التي أعطاها اللَّه عيسى. وقيل: هي آياته من إحياء، وإبراء، وخَلْق طَيْرٍ، وقيل: هي الإِنجيل، والآية تعم ذلك. وَأَيَّدْناهُ: معناه: قويْناه، والأَيْدُ القوة. قال ابن عبَّاس: رُوح القدس: هو الاسم الذي كان يُحْيِي به الموتى [[أخرجه الطبري (1/ 449) برقم (1494) ، وذكره السيوطي في «الدر» (1/ 167) .]] ، وقال ابن زِيْد: هو الإِنجيل كما سمَّى اللَّه تعالَى القرآن رُوحاً [[أخرجه الطبري (1/ 449) برقم (1493) عن ابن زيد.]] ، وقال السُّدِّيُّ، والضّحّاك، والربيع، وقتادة: بِرُوحِ الْقُدُسِ: جبريلُ- عليه السلام [[أخرجه الطبري (1/ 448) بأرقام (1488- 1489- 1490- 1491) عن قتادة، والسدي، والضحاك، والربيع.]] - وهذا أصحُّ الأقوال، وقد قال النبيّ ﷺ لِحَسَّان: «اهج قُرَيْشاً، وَرُوحُ القُدُسِ مَعكَ» [[أخرجه البخاري (6/ 351) كتاب «بدء الخلق» ، باب ذكر الملائكة، حديث (3213) ، (7/ 480) كتاب «المغازي» ، باب مرجع النبي ﷺ من الأحزاب، حديث (4123، 4124) ، (10/ 562) كتاب «الأدب» ، باب هجاء المشركين، حديث (6153) ، ومسلم (4/ 1933) كتاب «فضائل الصحابة» ، باب فضائل حسابن بن ثابت، حديث (153/ 2486) ، وأحمد (4/ 299، 302) ، وابن حبان (7146) ، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (4/ 298) ، والبيهقي (10/ 237) ، والطبراني في «الكبير» (3588، 3589، 3590) كلهم من طريق عدي بن ثابت عن البراء بن عازب به.]] ومرةً قال له: «وجبريل معك» ، وفَكُلَّما: ظرف والعامل فيه: اسْتَكْبَرْتُمْ، وظاهر الكلامِ الاستفهامُ، ومعناه التوبيخُ روي أن بني إِسرائيل كانوا يقتلون في اليومِ ثلاثمائة نبيٍّ، ثم تقوم سوقُهم آخر النهار، وروي سبعين نبيًّا، ثم تقومُ سوق بَقْلِهِمْ آخر النهار. والهوى أكثر ما يستعمل فيما ليس بحقٍّ، وهو في هذه الآية من ذلك لأنهم إنما كانوا يَهْوَوْنَ الشهوات، ومعنى: قُلُوبُنا غُلْفٌ، أي: عليها غشاوات، فهي لا تفقه، قاله ابن عبَّاس. ثم بيَّن تعالى سبب نُفُورهم عن الإِيمان إِنما هو أنهم لُعِنُوا بما تقدَّم من كفرِهِم واجترامهم، وهذا هو الجزاء على الذنْبِ بذنْب أعظم منه، واللعن: الإبعاد والطرد. وفَقَلِيلًا: نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، تقديره: فإِيماناً قَلِيلاً مَّا يؤمنون، والضمير في «يؤمنون» لحاضري محمّد ﷺ منْهُمْ ومَا في قوله: مَّا يُؤْمِنُونَ زائدةٌ موكّدة [[قال السمين الحلبي: في نصب «قليلا» ستة أوجه: أحدها وهو الأظهر: أنه نعت لمصدر محذوف أي: فإيمانا قليلا يؤمنون. الثاني: أنه حال من ضمير ذلك المصدر المحذوف أي: فيؤمنونه أي الإيمان في حال قلّته، وقد تقدّم أنه مذهب سيبويه وتقدّم تقريره. الثالث: أنه صفة لزمان محذوف، أي: فزمانا قليلا يؤمنون، وهو كقوله: آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ. الرابع: أنه على إسقاط الخافض والأصل: فبقليل يؤمنون، فلمّا حذف حرف الجرّ انتصب، ويعزى لأبي عبيدة. الخامس: أن يكون حالا من فاعل «يؤمنون» ، أي فجمعا قليلا يؤمنون أي المؤمن فيهم قليل، قال معناه ابن عباس وقتادة. إلا أن المهدوي قال: «ذهب قتادة إلى أنّ المعنى: فقليل منهم من يؤمن» ، وأنكره النحويون، وقالوا: لو كان كذلك للزم رفع «قليل» . قلت: لا يلزم الرفع مع القول بالمعنى الذي ذهب إليه قتادة لما تقدّم من أنّ نصبه على الحال واف بهذا المعنى. و «ما» على هذه الأقوال كلها مزيدة للتأكيد. -- السادس: أن تكون «ما» نافية أي: فما يؤمنون قليلا ولا كثيرا، ومثله: قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ [السجدة: 9] ، قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ [النمل: 62] ، وهذا قوي من جهة المعنى، وإنما يضعف شيئا من جهة تقدّم ما في حيّزها عليها، قاله أبو البقاء، وإليه ذهب ابن الأنباري، إلا أنّ تقديم ما في حيزها عليها لم يجزه البصريون، وأجازه الكوفيون. قال أبو البقاء: «ولا يجوز أن تكون «ما» مصدرية، لأن «قليلا» يبقى بلا ناصب» . يعني أنّك إذا جعلتها مصدرية كان ما بعدها صلتها، ويكون المصدر مرفوعا ب «قليلا» على أنه فاعل به فأين الناصب له؟ وهذا بخلاف قوله: كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ [الذاريات: 17] فإنّ «ما» هناك يجوز أن تكون مصدرية لأنّ «قليلا» منصوب ب كان. وقال الزمخشري: «ويجوز أن تكون القلّة بمعنى العدم» . قال أبو حيان: «وما ذهب إليه من أنّ «قليلا» يراد به النفي فصحيح، لكن في غير هذا التركيب» ، أعني قوله تعالى: فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ [البقرة: 88] لأنّ «قليلا» انتصب بالفعل المثبت فصار نظير «قمت قليلا» أي: قمت قياما قليلا، ولا يذهب ذاهب إلى أنّك إذا أتيت بفعل مثبت وجعلت «قليلا» منصوبا نعتا لمصدر ذلك الفعل يكون المعنى في المثبت الواقع على صفة أو هيئة انتفاء ذلك المثبت رأسا وعدم وقوعه بالكليّة، وإنما الذي نقل النحويون: أنّه قد يراد بالقلة النفي المحض في قولهم: «أقلّ رجل يقول ذلك، وقلّما يقوم زيد» ، وإذا تقرّر هذا فحمل القلة على النفي المحض هنا ليس بصحيح» انتهى. قلت: ما قاله أبو القاسم الزمخشري- رحمه الله- من أنّ معنى التقليل هنا النفي قد قال به الواحديّ قبله، فإنه قال: «أي: لا قليلا ولا كثيرا، كما تقول: قلّما يفعل كذا، أي: ما يفعله أصلا» . ينظر: «الدر المصون» (1/ 297) .]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب