الباحث القرآني

وقوله سبحانه: وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ: الضميرُ في جَعَلَهُ اللَّهُ: عائدٌ على الإنزال والإمداد، ومعنى الآية: وما كان هذا الإمداد إلا لتستبشروا بهِ، وتطمئنَّ به قلوبكم، وترون حِفَايَةَ اللَّه بكم، وإلا فالكثرةُ لا تُغْنِي شيئًا إلاَّ أنْ ينصر اللَّه، واللاَّمُ في قوله: لِيَقْطَعَ متعلِّقة بقوله: وَمَا النَّصْرُ، ويحتمل أنْ تكون متعلِّقة ب جَعَلَهُ فيكون قَطْع الطَّرف إشارةً إلى مَنْ قتل ببَدْرٍ على قول ابن إسحاق وغيره، أو إلى [[ذكره ابن عطية في «تفسيره» (1/ 505) .]] من قتل بأحد على ما قال السُّدِّيُّ [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 430) برقم (7799) ، وذكره الماوردي في «تفسيره» (1/ 422) ، وابن عطية في «تفسيره» (1/ 505) .]] ، وقتل من المشركين ببَدْرٍ سبعون، وقُتِلَ منهم يوم أحد اثنان وعِشْرُونَ رجُلاً، والطرف الفريق. وقوله سبحانه: أَوْ يَكْبِتَهُمْ: معناه يُخْزِيَهُمْ والكَبْتُ: الصرع لليَدَيْن. وقال ص: الكَبْت: الهزيمة، وقيل: الصَّرْع لليدين اهـ. وقوله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ... الآية: رُويَ في سبب هذه الآية أنَّه لما هزم أصحابه ﷺ، وشُجَّ وَجْهُهُ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، جَعَلَ يَمْسَحُ وَجْهَهُ، وَيَقُولُ: «كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ» ، وفي بعض طُرُق الحَدِيثِ: «كَيْفَ بِقَوْمٍ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى اللَّه» ، فَنَزَلَتِ الآيةُ، فقيلِ لَهُ: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، أي: عواقب الأمور بيد اللَّه، فامض أنْتَ لشأْنِكَ، ودُمْ على الدعاء إلى ربِّك. قلت: وقد فعل ذلك ﷺ ممتثلاً أَمْرَ ربِّه، قال عِيَاض: رُوِيَ أنَّ النبيّ ﷺ لَمَّا كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَشُجَّ وَجْهُهُ يَوْمَ أُحُدٍ، شَقَّ ذَلِكَ على أَصْحَابِهِ، وَقَالُوا: لَوْ دَعَوْتَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: «إنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَلَكِنِّي بُعِثْتُ دَاعِياً، وَرَحْمَةً، اللَّهُمَّ اهد قَوْمِي، فإنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ» [[أخرجه مسلم (4/ 2006- 2007) ، كتاب «البر والصلة» ، باب النهي عن لعن الدواب وغيرها، حديث (87/ 2599) عن أبي هريرة قال: قيل يا رسول الله: ادع على المشركين. قال: «إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة» .]] ، ورُوِيَ عن عُمَر (رضي اللَّه عنه) أنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ كلامه: بِأَبِي وَأُمِّي أنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ دَعَا نُوحٌ على قَوْمِهِ، فَقَالَ: رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ [نوح: 26] الآية وَلَوْ دَعَوْتَ عَلَيْنَا، لَهَلَكْنَا مِنْ عِنْدِ آخِرِنَا، فَلَقَدْ وُطِيءَ ظَهْرُكَ، وَأُدْمِيَ وَجْهُكَ، وَكُسِرَتْ رُبَاعِيَتُكَ، فَأَبَيْتَ أَنْ تَقُولَ إلاَّ خَيْراً، فَقُلْتَ: «اللَّهُمَّ، اغفر لِقَوْمِي فَإنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ» اهـ. قال الطبريُّ [[ينظر: «تفسير الطبري» (3/ 431) .]] وغيره من المفسِّرين: أَوْ يَتُوبَ عطْفٌ على يَكْبِتَهُمْ والمعنى: أوْ يَتُوبَ عليهم، فَيَسْلَمُونَ/ أو يُعَذِّبَهم، إنْ تَمَادَوْا على كفرهم فإنهم ظالمون، ثم أكَّد سبحانه معنى قوله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ بذكْرِ الحُجَّةِ السَّاطعة في ذلك، وهي ملكه الأشياء، فقال سُبْحانه: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، أي: فله سبحانه أنْ يفعل بحَقِّ ملكه ما يشاء، لا اعتراض علَيْه ولا معقِّب لحُكْمه، وذَكَر سبحانَهُ: أنَّ الغُفْران أو التَّعْذيب، إنما هو بمشيئَتِهِ، وبحَسَب السَّابق في علْمه، ثم رجى سبحانه في آخر ذلك تأنيسا للنّفوس.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب