الباحث القرآني

وقوله سبحانه: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ ... الآية: أي: لم يجعلْ سبحانه شيئاً مِنْ ذلك، ولا سَنَّهُ لعباده، المعنى: ولكن الكُفَّار فعلوا ذلك/ كعَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ وغيره مِنْ رؤسائهم يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ بقولهم: هذه قربةٌ إلى اللَّهِ، وَأَكْثَرُهُمْ، يعني: الأتْبَاعَ لاَ يَعْقِلُونَ، بل يتّبعون هذه الأمور تقليدا، وجَعَلَ في هذه الآية: لا يتَّجه أنْ تكون بمعنى «خَلَقَ» ، ولا بمعنى «صَيَّرَ» ، وإنما هي بمعنى: «مَا سَنَّ ولا شَرَعَ» . قال ص: مَّا جَعَلَ: ذَهَبَ ابن عطيةَ والزمخشريُّ [[محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي، الزمخشري، جار الله أبو القاسم ولد سنة (467 هـ) في زمخشر (من قرى خوارزم) ، من أئمة العلم بالدين والتفسير واللغة والآداب، سافر إلى مكة، فجاور بها زمنا، فلقب بجار الله. أشهر كتبه: «الكشاف» و «أساس البلاغة» و «المفصل» ومن كتبه: «المقامات» و «مقدمة الأدب» و «نوابغ الكلم» و «ربيع الأبرار» . توفي بالجرجانية بخوارزم سنة (538 هـ) . ينظر: «وفيات الأعيان» (2/ 81) ، «لسان الميزان» (6/ 4) ، «الجواهر المضيئة» (2/ 160) ، «آداب اللغة» (3/ 46) ، «الأعلام» (7/ 178) .]] إلى أنها بمعنى: «شرع» ، قال ابن [[ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 247) .]] عطيَّة: ولا تكونُ بمعنى «خلق» ، لأن اللَّه تعالى خَلَقَ هذه الأشياء كلَّها، ولا بمعنى «صيَّر» لعدم المفعولِ الثاني، قال أبو حيَّان [[ينظر: «البحر المحيط» (4/ 38) .]] : ولم يذكر النحويُّون لها هذا، وقد جاء حَذْفُ أحد مفعولَيْ «ظَنَّ» وأخواتِها قليلاً، فتحمل هذه على حَذْفِ المفعولِ الثانيِ، أي: ما صَيَّر اللَّه بحيرةً ولا سائبةً ولا وصيلةً ولا حامياً- مشروعاً، وهو أولى من إثبات معنًى لم يُسْمَعْ فيها، وذكر أبو البقاء أنها هنا بمعنى «سَمَّى» انتهى. قُلْتُ: وحاصل كلامِ أبي حيَّان أنه شهادةٌ على نفْيٍ، وعلى تقدير صحَّته، فيحمل كلام ابن عطيَّة على أنه تفسيرُ معنًى، لا تفسير إعرابٍ. وبحيرة: فعليةٌ بمعنى مَفْعُولة، وبَحَرَ: شَقَّ، كانوا إذا نُتِجَتِ النَّاقَةُ عَشَرَةَ بُطُونٍ، شَقُّوا أذنها بِنِصْفَيْن طُولاً، فهي مَبْحُورة، وتُرِكَتْ ترعى، وتَرِدُ الماء، ولا ينتفعُ بشيء منْها، ويحرَّمُ لحْمُها إذا ماتَتْ على النساء، ويُحلَّلُ للرِّجَال وذلك كلُّه ضلالٌ، والسائبة: هي الناقة تسيَّب للآلهة، والناقةُ أيضاً إذا تابَعَتْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ إناثاً ليس فيهِنَّ ذكَرٌ، سُيِّبَتْ، وكانت السوائبُ أيضاً في العرب كالقُرْبة عند المرَضِ يُبْرَأُ منه، والقُدُوم من السفرِ، وإذا نزل بأحدهم أمْرٌ يُشْكَرُ اللَّه تعالى عليه، تقرَّب بأنْ يسيِّب ناقةً، فلا ينتفعُ منها بِلَبَنٍ، ولا ظَهْر، ولا غَيْره، يَروْنَ ذلك كعِتْقَ بني آدمَ ذكَره [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (5/ 91) (12843) .]] السُّدِّيُّ وغيره، وكانَتِ العربُ تعتقدُ أنَّ مَنْ عَرَضَ لهذه النوقِ، فأخذها أو انتفع منْهَا بشيْءٍ، فإنه تلحقه عُقُوبةٌ مِنَ اللَّه، والوصيلةُ: قال أكثر النَّاس: إن الوصيلَةَ في الغَنَمِ، قالوا إذا وَلَدتِ الشاة ثلاثةَ بُطونٍ، أو خمسةً، فإن كان آخرها جَدْياً، ذبحوه لِبَيْت الآلهة، وإن كان عَنَاقاً، استحيوها، وإن كان جَدْيٌ وعَنَاقٌ، استحيوهما، وقالوا: هذه العَنَاقُ وَصَلَتْ أخاهَا، فمنعتْهُ مِنْ أنْ يُذْبَحَ، وعلى أن الوَصِيلة في الغَنَم، جاءت الرِّوايات عن أكثر الناس، وروي عَنِ ابن المسيَّب أن الوصيلة مِنَ الإبل، وأما الحامِي فإنه الفَحْل من الإبل، إذا ضَرَبَ في الإبل عشر سنين [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (5/ 91) (12844) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (2/ 248) .]] ، وقيل: إذا وُلِدَ من صُلْبه عَشْرٌ، وقيل: إذا وُلِدَ مِن وَلَدِ ولده، قالوا: حمى ظهره، فسيَّبوه، لا يركب، ولا يسخَّر في شيء، وعبارةُ الفَخْر [[ينظر: «مفاتيح الغيب» (12/ 91) .]] : وقيل: الحامِي: الفَحْلُ إذا رَكِبَ وَلَدُ وَلَدِهِ. انتهى، قلتُ: والذي في «البخاريِّ» : والحامِ: فحلُ الإبلِ يضرب الضّراب المعدود، وإذا قضى ضِرَابه، وَدَعُوهُ للطَّواغيتِ، وأعْفَوْه من الحمل، فلم يُحْمَلْ شيءٌ عليه، وسمَّوْه الحامِيَ. انتهى. وقوله سبحانه: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ، يعني: لهؤلاءِ الكفار المستنِّينَ بهذه الأشياء: تَعالَوْا إِلى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، يعني: القرآن الذي فيه التحريمُ الصحيحُ، قالُوا حَسْبُنا، معناه: كفانا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب