الباحث القرآني

وقوله تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى: «مِنْ» : متعلِّقة ب أَخَذْنا، التقديرُ: وأخذْنَا مِنَ الذين قالُوا: إنَّا نصارى ميثاقَهُمْ، ويحتملُ أنْ تكون معطوفةً على خائِنَةٍ مِنْهُمْ، والأولُ أرجَحُ، وعلَّق قولهم: «نصارى» بقولهم ودعواهم مِنْ حيث هو اسمٌ شرعيٌّ يقتضي نَصْرَ دينِ اللَّه، وسَمَّوْا به أنفُسَهُمْ دُون استحقاق. وقوله سبحانه: فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ: أي: أثبتْنَاها بيْنَهم وألْصَقْنَاها، والإغْرَاءُ: مأخوذ من الغِرَاءِ الذي يُلْصَقُ به، وقال البُخَارِيُّ: الإغراءُ: التسليط. انتهى. والضمير في بَيْنَهُمُ يحتملُ أنْ يعود على اليَهُودِ، والنصارى لأنَّ العداوةَ بَيْنهم موجودةٌ مستمرَّةٌ، ويحتملُ أن يعود على النصارى فقطْ لأنها أُمَّة متقاتِلَةٌ بينها الفِتَنُ إلى يَوْم القيامة، ثم توعَّدهم بعذابِ الآخرة إذْ صُنْعهم كُفْرٌ يوجب الخُلُود في النار. واعلَمْ (رحمك اللَّه) أنه قَدْ جاءَتْ آثارٌ صحيحةٌ في ذَمِّ الشحناءِ والتباغُضِ والهِجْرَانِ لغَيْر موجِبٍ شرعيٍّ، ففي «صحيح مُسْلِمٍ» ، عن أبي هريرة أنّ رسول الله ﷺ قال: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ يَوْمَ الاِثْنَيْنَ وَيَوْمَ الخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً إلاَّ رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيه شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: انظروا هَذَيْنِ حتى يَصْطَلِحَا، انظروا هَذَيْنِ حتى يَصْطَلِحَا» ، وفي روايةٍ: «تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِي كُلِّ خَمِيسٍ واثنين، فَيَغْفِرُ اللَّهُ فِي ذلك اليوم/ لكلّ امرئ لاَ يُشْرِكُ باللَّهِ شَيْئاً ... » الحديث [[أخرجه مالك في «الموطأ» (2/ 908- 909) ، كتاب «حسن الخلق» ، باب ما جاء في المهاجرة، حديث (17) ومسلم (4/ 1986) كتاب «البر والصلة» ، باب النهي عن الشحناء والتهاجر، حديث (35/ 2565) من حديث أبي هريرة.]] . انتهى. وروى ابن المبارك في «رقائقه» بسنده، عن النبي ﷺ، قال: «لاَ يَحِلُّ لامْرِىءٍ مُسْلِمٍ أَنْ يُهَاجِرَ مُسْلِماً فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، فَإنَّهُمَا نَاكِبَانِ عَنِ الْحَقِّ مَا دَامَا على صِرَامِهِمَا، فَأَوَّلُهُمَا فَيْئاً يَكُونُ سَبْقُهُ بِالفَيْءِ كَفَّارَةً لَهُ، وَإنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَقْبَلْ، وَرَدَّ عَلَيْهِ سَلاَمَهُ، رَدَّتْ عَلَيْهِ المَلاَئِكَةُ، وَرَدَّتْ عَلَى الآخَرِ الشَّيَاطِينُ، وإذَا مَاتَا على صِرَامِهِمَا، لَمْ يَدْخُلاَ الجَنَّةَ» ، أُرَاهُ قَالَ: أَبَداً [[أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (ص 271) رقم (784) والبخاري في «الأدب المفرد» (402) ، وأحمد (4/ 20) ، وابن حبان (5664) من طريق يزيد الرشك، عن معاذة العدوية، عن هشام بن عامر به. وذكره الهيثمي في «المجمع» (8/ 69) وقال: رواه أحمد، وأبو يعلى، ورجال أحمد رجال الصحيح.]] . انتهى، وسنده جيِّد، ونصَّه قال ابن المبارك: أخبرنا شعبةُ عَنْ يزيدَ الرِّشْكِ [[يزيد بن أبي يزيد الضّبعي بضم المعجمة مولاهم أبو الأزهر البصري الذارع القسّام الرّشك بكسر المهملة وإسكان المعجمة. عن: مطرّف بن الشّخّير. وعنه: شعبة، ومعمر. وثقه أبو حاتم. قال ابن منجويه: مات سنة ثلاثين ومائة. له في (البخاري) فرد حديث. ينظر: «الخلاصة» (3/ 179) .]] ، عن مُعَاذَةَ العَدَوِيَّةِ [[معاذة بنت عبد الله العدويّة أم الصّهباء البصرية العابدة، عن علي وعائشة، وعنها أبو قلابة ويزيد الرّشك وأيوب وعاصم الأحول وطائفة، قال ابن معين: ثقة حجة، قال الذهبي: بلغني أنها كانت تحيي الليل، وتقول: عجبت لعين تنام وقد علمت طول الرقاد في القبور، قال ابن الجوزي: توفيت سنة ثلاث وثمانين. ينظر: «الخلاصة» (3/ 393) ، «تهذيب الكمال» (3/ 1698) ، «الكاشف» (3/ 481) ، «أعلام النساء» (5/ 60) ، «سير الأعلام» (4/ 508) .]] ، قَالَتْ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عامر [[هشام بن عامر بن أمية بن الحسحاس بمهملات ابن مالك. عن عامر بن غنم بن عدي بن النّجّار الأنصاري النّجّاري، صحابي نزل البصرة، له أحاديث، انفرد له مسلم بحديث. وعنه ابنه سعد ومعاذة العدوية. -- ينظر: «الخلاصة» (3/ 114) ، «الكاشف» (3/ 222) ، «تهذيب الكمال» (3/ 1440) ، «تهذيب التهذيب» (11/ 42) .]] يقول: سمعت النبيّ ﷺ، فذكر الحديثَ. وقوله: «لَمْ يدخُلاَ الجَنَّةَ» : ليس على ظاهره، أيْ: لم يدخُلاَ الجَنَّة أبداً حتى يقتصَّ لبعضهم من بعض، أو يقع العفو، أو تحلَّ الشفاعة حَسْبما هو معلومٌ في صحيح الآثار.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب