الباحث القرآني

وقوله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً ... الآية: اتل: معناه: اسرد وأَسْمِعْهم إياه، وهذه مِنْ علوم الكتب الأُوَلِ، فهي مِنْ دلائل نبوَّة نبيِّنا محمَّد ﷺ إذْ هي من غامِضِ كتب بني إسرائيل. قال الفَخْر [[ينظر: «مفاتيح الغيب» (11/ 160) .]] : وفي الآية قولان: أحدهما: اتل على الناس. والثاني: اتل على أهْلِ الكتابِ. انتهى. وابْنَيْ آدَمَ: هما لصلبه، وهما هَابِيلُ وقَابِيلُ، روت جماعة من المفسِّرين منهم ابن مسعود أنَّ سبب هذا التقريبِ أنَّ حوَّاء كانت تَلِدُ في كلِّ بطْن ذكراً وأنثى، وكان الذَّكَر يتزوَّج أنثَى البطْن الآخر، ولا تحلُّ له أخته توءمته، فولدَتْ مع قابيلَ أختاً جميلةً، ومع هابيلَ أختاً ليست كذلك، فلمَّا أراد آدم أن يزوِّجها من هَابِيلَ، قال قابيل: أنا أحَقُّ بأختي، فأمره آدم، فلم يأتمر، فاتفقوا على التَّقْريب، فتُقُبِّل قربانُ هابيلَ، ووجب أنْ يأخذ أخت قابيلَ فحينئذٍ: قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (4/ 529) (11718) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (2/ 28) ، وابن عطية (2/ 179) والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 481) وعزاه لابن جرير، عن ابن مسعود، عن ناس من الصحابة.]] ، وقولُ هابيلَ: إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ: كلامٌ، قبله محذوفٌ، تقديره: ولِمَ تقتلُنِي، وليس لي ذنُبٌ في قبول اللَّه قربانِي، وإنما يتقبَّل اللَّه من المتَّقين؟! وإجماع أهل السُّنَّة في معنى هذه الألفاظ: أنها اتقاء الشِّرْكِ، فمن اتقاه، وهو موحِّد، فأعماله التي تَصْدُقُ فيها نيتُه مقبولةٌ، وأما المتَّقِي للشرْكِ وللمعاصِي، فله الدرجةُ العليا من القَبُول/ والخَتْم بالرحمة، عُلمَ ذلك بإخبار اللَّه تعالى لا أنَّ ذلك يَجِبُ على اللَّه تعالى عقْلاً. قلتُ: قال ع: في معنى هذه الألفاظ (يعني حيث وقعت في الشرع) ، وأما في هذه الآية، فليس باتقاء شرك على ما سيأتي، وقولُ هابيلَ: مَا أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ ... الآية: قال عبد اللَّه بن عمر، وجمهورُ النَّاس: كان هابيلُ أشَدَّ قوةً من قابيلَ، ولكنَّه تحرَّج [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (4/ 532) (11730) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (2/ 29) ، وابن عطية (2/ 179) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 484) وعزاه لابن جرير.]] ، وهذا هو الأظهر. قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 179) .]] : ومن هنا يقوى أن قابيل إنما هو عاصٍ، لا كافر لأنه لو كان كافراً، لم يكن للتحرّج هنا وجه، وتَبُوءَ: معناه: تمضِي متحمِّلاً، وقوله: بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ: قيل: معناه: بإثم قَتْلي وسائرِ آثامك، وقيل: المعنى: بإثمي الذي يختصُّ بي فيما فَرَط لي، وهذا تأويل يعضده قول النبيّ ﷺ: «يؤتى بِالظَّالِمِ وَالمَظْلُومِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِ الظَّالِمِ، فَتُزَادُ فِي حَسَنَاتِ المَظْلُومِ حتى يَنْتَصِفَ، فَإنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ، أُخِذَ من سيّئات المظلوم، فتطرح عليه» [[تقدم تخريجه.]] . وقوله: وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ يحتملُ: أن يكون مِنْ قول هابيلَ لأخيه، ويحتمل: أن يكون إخباراً من اللَّه تعالى لمحمَّد- عليه السلام-، قال الفَخْر: وقوله تعالى: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ قال المفسرون: معناه: سَهَّلَتْ له نفسه قَتْل أخيه. انتهى. وقوله سبحانه: فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ: أصْبَحَ: عبارةٌ عن جميعِ أوقاتِهِ، وهذا مَهْيَعُ كلامِ العرب ومنه: [المنسرح] أَصْبَحْتُ لاَ أَحْمِلُ السِّلاَح ... البَيْتَ [[صدر بيت للربيع بن ضبع الفزاري وعجزه: [المنسرح] ............... ... ... أملك رأس البعير إن نفرا ينظر: «المعجم» (1/ 321) ، «النوادر» (159) ، «أمالي المرتضى» (1/ 255) ، و «حماسة البحتري» ص (201) ، و «خزانة الأدب» (7/ 384) و «شرح التصريح» (2/ 36) و «الكتاب» (1/ 89) و «لسان العرب» (13/ 259) (ضمن) و «المقاصد النحوية» (3/ 398) وبلا نسبة في «الدر على النحاة» ص (114) و «شرح المفصل» (7/ 105) و «المحتسب» (2/ 99) ، «الدر المصون» (2/ 178) .]] وقول سعد: فَأَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي [[ذكره ابن عطية (2/ 180) .]] ، إلى غير ذلك مِن استعمال العرب، ومِنْ خسرانِ قابيلَ ما صحَّ، وثبَتَ عن النبيِّ ﷺ أنه قَالَ: «مَا قُتِلَتْ نَفْسٌ ظُلْماً إلاَّ كَانَ عَلَى ابن آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا» [[أخرجه البخاري (6/ 419) ، كتاب «أحاديث الأنبياء» (3335) وفي (12/ 198) كتاب «الديات» ، باب قول الله تعالى: وَمَنْ أَحْياها ... حديث (6867) ، وفي (13/ 314) كتاب «الاعتصام» ، باب إثم من دعا إلى ضلالة، حديث (7321) ومسلم (3/ 1303- 1304) ، كتاب «القسامة» ، باب بيان إثم من سن القتل، حديث (27/ 1677) من حديث ابن مسعود.]] وذلك لأنه أول من سنّ القتل.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب