الباحث القرآني

وقوله سبحانه: مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى ... الآية: قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 551) .]] : هذه آية تتضمَّن عندي معاتَبةً مِنَ اللَّه عزَّ وجلَّ لأصحاب نبيِّه عليه السلام والمعنى: ما كان ينبغي لكُمْ أَنْ تفعلوا هذا الفعْلَ الذي أوْجَبَ أن يكون للنبيِّ أَسْرَى قبل الإِثخان ولذلك استمرَّ الخطابُ لهم ب تُرِيدُونَ والنبيُّ ﷺ لم يأمر باستبقاء الرِّجَالِ وقْتَ الحَرْبِ، ولا أراد ﷺ قَطُّ عَرَضَ الدنيا، وإِنما فعله جمهورُ مُبَاشِرِي الحرب، وجاء ذكر النبيّ ﷺ في الآية مشيراً إِلى دخوله عليه السلام في العَتْبِ حين لم يَنْهَ عن ذلك حين رآه من العَرِيشِ، وأنْكَره سعْدُ بْنُ معاذ، ولكنّه ﷺ شَغَلَهُ بَغْتُ الأمر، وظهورُ النصر عن النهْي ومَرَّ كثيرٌ من المفسِّرين على أنَّ هذا التوبيخَ إنما كان بسبب إشارة مَنْ أشار على النبيّ ﷺ بأخذ الفدْيَةِ، حين استشارهم في شأن الأَسرَى، والتأويل الأول أَحْسَنُ، والإِثخانُ: هو المبالغةُ في القَتْل والجراحةِ، ثم أمر مخاطبة أصحاب النبيِّ ﷺ، فقال: تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا، أي: مالها الذي يعز وَيَعْرِضُ، والمراد: ما أُخِذَ من الأسرى من الأموال، وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ، أيْ: عمل الآخرة، وذكَر الطبريُّ وغيره أن رسُولَ اللَّهِ ﷺ قال للنّاس: «إن شِئْتُمْ، أَخَذْتُمْ فِدَاءَ الأسرى، وَيُقْتَلُ مِنْكُمْ في الحَرْبِ سَبْعُونَ على عَدَدِهِمْ، وإِنْ شِئْتُمْ، قُتِلُوا وَسَلِمْتُمْ، فَقَالُوا: نَأْخُذُ المَالَ، وَيُسْتَشْهَدُ مِنَّا» [[ذكره الطبري في «تفسيره» (6/ 292) .]] ، وذكر عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ [[عبد بن حميد بن نصر الكشّي أبو محمد الحافظ مؤلف «المسند والتفسير» عن علي بن عاصم، ومحمد بن بشر العبدي، وعبد الرزاق، والنضر بن شميل، وخلائق، وعنه مسلم، والترمذي وخلق. قال البخاري وقال عبد الحميد: أنبأنا عثمان بن عمر فذكر حديثا، قيل: عبد الحميد هو عبد بن حميد، قلت: روى الحديث مسلم، عن عبد بن حميد. قال ابن حبان: مات سنة تسع وأربعين ومائتين. قاله في «الخلاصة» (2/ 188) .]] بسنده أَنَّ جبريلَ نَزَلَ على النبيّ ﷺ بتخْيِيرِ النَّاسِ هكذا وعَلَى هذا، فالأمر في هذا التخيير مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فإِنه إِعلامٌ بغيب، وإِذا خُيِّروا رضي اللَّه عنهم، فكيف يقع التوبيخُ بعدُ بقوله تعالى: لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ فهذا يدُّلك على صحَّة ما قدَّمناه، أنَّ العتب لهم إِنما هو على استبقاءِ الرجالِ وقْتَ الهزيمةِ رغبةً في أخْذ المال، وهو الذي أقولُ به، وذكر المفسِّرون أيضاً في هذه الآيات تحليلَ/ المَغَانِمِ، ولا أَقولُ ذلك لأن تحليل المغانم قد تقدَّم قبْل بَدْرٍ في السَّرِيَّة التي قُتِلَ فيها ابْنُ الحَضْرَمِيِّ، وإِنما المُبْتَدَعُ في بَدْرٍ استبقاء الرِّجَال لأجل المال، والذي مَنَّ اللَّه به فيها: إِلحاق فدية الكافر بالمغانمِ التي تقدَّم تحليلها، وقوله سبحانه: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ ... الآية: قال ابن عبَّاس، وأبو هريرة، والحَسَن، وغيرهم: الكِتَابُ: هو ما كان اللَّه قَضَاهُ في الأَزَلِ مِنْ إِحلالِ الغنائمِ والفداءِ لهذه الأمة، وقال مجاهد وغيره: الكتابُ السابق: مغفرةُ اللَّهِ لأهْلِ بدر، وقيل: الكتاب السابقُ: هو ألاَّ يعذب اللَّه أحداً بذَنْبٍ إِلا بعد النَّهْيِ عنه، حكاه [[ينظر: «تفسير الطبري» (6/ 288- 289- 290) .]] الطبريُّ. قال ابنُ العربيِّ في «أحكام القُرآن» : وهذه الأقوالُ كلُّها صحيحةٌ ممكنَةٌ، لكن أقواها ما سبق مِنْ إِحلال الغنيمة، وقد كانوا غَنِمُوا أوَّلَ غنيمة في الإسلام حين أرسل النبيّ ﷺ عَبْدَ اللَّه بْنَ جَحْش [[عبد الله بن جحش الأسدي بن رياب- براء تحتانية وآخره موحدة- ابن يعمر الأسدي: حليف بني عبد شمس، أحد السابقين. قال ابن حبان: له صحبة، وقال ابن إسحاق: هاجر إلى الحبشة، وشهد بدرا، ودفن هو وحمزة في قبر واحد، وكان له يوم قتل نيف وأربعون سنة. ينظر: «الإصابة» (4/ 31، 33) ، «أسد الغابة» (2858) بتحقيقنا، «الثقات» (3/ 237) ، «صفوة الصفوة» (1/ 385) ، «حلية الأولياء» (1/ 108- 109) .]] . انتهى، ورُوِيَ أن النبيّ ﷺ قَالَ: «لَوْ نَزَلَ في هَذَا الأَمْرِ عَذَابٌ، لَنَجَا مِنْهُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب» [[ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 203) ، وعزاه إلى ابن المنذر، وأبي الشيخ، وابن مردويه.]] ، وفي حديث آخر: «وسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ» وذلك أن رأيهما كان أنْ تُقْتَلَ الأَسْرَى، وقوله سبحانه: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ ... الآية: نصٌّ عَلَى إِباحة المال الذي أُخِذَ من الأسْرَى، وإِلحاقٌ له بالغنيمة التي كان تقدّم تحليها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب