الباحث القرآني

فَلَوْلا أي فهلّا، وكذلك هي في حرف عبد الله وأبي، قال الشاعر: تعدون عقر النيب أفضل مجدكم ... [بني ضوطري] لولا الكميّ المقنعا [[لسان العرب: 4/ 489.]] أي فهلّا. وقرأ في الآية: (فلا تكن قرية) لأن في الاستفهام ضربا من الجحد. آمَنَتْ عند معاينتها العذاب فَنَفَعَها إِيمانُها في وقت اليأس إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ فإنّهم نفعهم إيمانهم في ذلك الوقت لما علم من صدقهم. قال أهل النحو: قوم منصوب على الاستثناء المنقطع، وإن شئت قلت من جنسها لأن القوم مستثنى من القرية، ومنجون من الهالكين، وتقديره: لكن قوم يونس كقول النابغة: وقفت فيها أصيلانا أسائلها ... أعيت جوابا وما بالربع من أحد ألا الأواري لأيا ما أبينها ... والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد [[الأواري: واحدها: آري وهو الحبل تشدّ به الدابّة، واللأي: المشقّة، والنؤي: حفرة حول البيت تحول دون وصول الماء، والجلد: الأرض الصلبة، والبيت في تفسير الطبري: 1/ 117.]] وفي يونس ست لغات، ضم النون، وقرأ [ ... ] [[بياض في الأصل.]] بضمّ الياء لكثرة من قرأ بها، وقرأ طلحة والأعمش والحميري وعيسى بكسر النون، وعن بعضهم بفتح النون، وروى أبو قرظة الأنصاري عن العرب همزة مع الضمة والكسرة والفتحة. لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ وهو وقت انقضاء آجالهم، قال بعضهم: إنّما نفعهم إيمانهم في وقت اليأس لأن آجالهم بقي منها بقية فنجوا لما بقي من آجالهم، فأما إيمان من انقضى أجله فغير نافع عند حضور العذاب. وقصة الآية على ما ذكره عبد الله بن مسعود وسعيد بن جبير والسدّي ووهب وغيرهم أن قوم يونس كانوا بنينوى من أرض الموصل فأرسل الله إليهم يونس يدعوهم إلى الإسلام وترك ما هم عليه فدعاهم فأبوا، فقيل له: أخبرهم أن العذاب يجيئهم إلى ثلاث، فأخبرهم بذلك فقالوا: إنّا لم نجرّب عليه كذبا فانظروا، فإن بات فيكم تلك الليلة فليس بشيء وإن لم يبت فاعلموا أن العذاب مصبحكم، فلمّا كان في جوف الليل خرج ماشيا من بين ظهرانيهم فلمّا أصبحوا تغشّاهم العذاب كما يغشي الثوب القصير إذا أدخل فيه صاحبه. قال مقاتل: كان العذاب فوق رؤوسهم قدر ميل. قال ابن عباس: قدر ثلثي ميل. قال وهب: غامت السماء غيما أسود هائلا يدخل دخانا شديدا، وهبط حتى غشى مدينتهم واسودّت سطوحهم، فلما رأوا ذلك أيقنوا بالهلاك فطلبوا نبيّهم فلم يجدوه، فقذف الله في قلوبهم التوبة فخرجوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابّهم ولبسوا المسوح وأظهروا الإيمان والتوبة وأخلصوا النية، وفرّقوا بين كل والدة وولدها من الناس والأنعام، فحنّ بعضهم إلى بعض، وعلت أصواتهم واختلطت أصواتها بأصواتهم وحنينها بحنينهم، وعجوا وضجوا إلى الله تعالى وقالوا: آمنّا بما جاء به يونس، فرحمهم ربّهم واستجاب دعاءهم، وكشف عنهم العذاب بعد ما أظلّهم وتدلّى إلى سمعهم، وذلك يوم عاشوراء. قال ابن مسعود: بلغ من توبة أهل نينوى أن ترادّوا المظالم بينهم حتى أن كان الرجل ليأتي الحجر وقد وضع عليه أساس فيقلعه ويردّه. وروى صالح المري عن أبي عمران الجوني عن أبي الجلد، قال: لما غشى قوم يونس العذاب مشوا إلى شيخ من بقية علمائهم، فقالوا له: قد نزل بنا العذاب فما ترى؟ فقال: قولوا: يا حيّ حين لا حي ويا حي [يا] محيي الموتى، ويا حي لا إله إلّا أنت، فقالوها، فكشف عنهم العذاب ومتّعوا إلى حين. قالوا: وكان يونس (عليه السلام) وعدهم العذاب فخرج ينتظر العذاب وهلاك قومه فلم ير شيئا، وكان من كذب ولم تكن له بيّنة قتل، فقال يونس لما كشف عنهم العذاب: كيف أرجع إلى قومي وقد كذبتهم؟ فانطلق عاتبا على ربه، مغاضبا لقومه فأتى البحر [فإذ سفينة قد شحنت] فركب السفينة [لوحده] بغير أجر، فلمّا دخلها وقفت السفينة، والسفن تسير يمينا وشمالا قالوا: ما لسفينتكم؟ قال يونس: إنّ فيها عبدا آبقا ولا تجري ما لم تلقوه، فقالوا: وأنت يا نبي العبد فلا نلقيك، فاقترعوا فوقعت القرعة عليه ثلاثا فوقع في الماء ووكل عليه حوت فابتلعه. قال ابن مسعود: فابتلعه الحوت وجرى به حتى أتاه إلى قرار الأرض، وكان في بطنه أربعين ليلة فسمع تسبيح الحصى فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فاستجاب الله له فأمر الحوت فنبذه على ساحل البحر [عريانا] ، فأنبت الله عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ، فجعل يستظلّ بها، ووكل الله به سخلا يشرب من لبنها، فيبست الشجرة فبكى عليها، فأوحى الله إليه: تبكي على شجرة يبست، ولا تبكي على مائة ألف إنسان أهلكهم! فخرج يونس فإذا هو بغلام يرعى، فقال: من أنت يا غلام؟ قال: من قوم يونس، قال: إذا رجعت إليهم فأخبرهم أنك لقيت يونس، قال الغلام: إن كنت يونس فقد تعلم أنه لم يكن لي بينة، [فإن] قلت: فمن يشهد لي؟ قال يونس: يشهد لك هذه البقعة وهذه الشجرة، قال الغلام: أراهما؟ قال يونس: إذا جاءكما هذا الغلام فاشهدا له، قالا: نعم. فرجع الغلام إلى قومه، فقال للملك: إني قد لقيت يونس وهو يقرأ عليكم السلام، وكان له أخوة وكان في منعة فأمر الملك بقتله، فقال: إنّ لي بينة فانسلّوا معه إلى البقعة والشجرة، فقال الغلام: أنشدكما هل أشهدكما يونس؟ قالا: نعم، فرجع القوم مذعورين، وقالوا للملك: شهد له الشجرة والأرض، فأخذ الملك بيد الغلام فأجلسه في مجلسه، وقال: أنت أحق بهذا المكان مني، قال ابن مسعود: فأقام لهم أميرا فيهم ذلك الغلام أربعين سنة [[راجع زاد المسير: 4/ 56.]] . وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ يا محمد لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً قال الحسين بن الفضل: لأضطرّهم إلى الإيمان. قال الأخفش: جاء بقوله: (جَمِيعاً) مع (كل) تأكيدا كقوله: لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ. أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ قال ابن عباس: كان رسول الله ﷺ‎ حريصا على أن يؤمن جميع الناس ويبايعوه على الهدى، فأخبره الله تعالى أنّه لا يؤمن إلّا من سبق له من الله سعادة في الكتاب الأول، ولا يضلّ إلّا من سبق له من الله الشقاء في الذكر الأول. وَما كانَ لِنَفْسٍ قال الحسن: وما ينبغي لنفس. وقال المبرد: معناه وما كنت لتؤمن إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ. قال ابن عباس: بأمر الله. وقال عطاء: بمشيئة الله، كقوله: وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ. وقال الكوفي: ما سبق من قضائه. وقال [الدّاني] : بعلمه وتوفيقه. وَيَجْعَلُ أي ويجعل الله، وقرأ الحسن وعاصم بالنون الرِّجْسَ العذاب والسخط. وقرأ الأعمش الرجز بالزاي عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ حجج الله في التوحيد والنبوة. قُلِ يا محمد لهؤلاء المشركين السائليك الآيات انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ من الشمس والقمر والنجوم وَالْأَرْضِ من الجبال والبحار والأنهار والأشجار وغيرها من الآيات ثم قال: وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ في علم الله. فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ يعني مشركي مكة إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مضوا مِنْ قَبْلِهِمْ من الذين مضوا. قال قتادة: يعني وقائع الله في قوم نوح وعاد وثمود، والعرب تسمي العذاب والنعيم: أياما، كقوله تعالى: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ وكل ما مضى عليك من خير أو شر فهو أيام. قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا معهم عند نزول العذاب، كذلك كما أنجيناهم. كَذلِكَ حَقًّا واجبا، عَلَيْنا غير شك، نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ بك يا محمد. وقرأ يعقوب: نُنْجِي رُسُلَنا بالتخفيف، وقرأ الكسائي وحفص: نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ بالتخفيف وشدّدهما الآخرون، وهما لغتان فصيحتان أنجى ينجي إنجاء ونجّي ينجّي تنجية بمعنى واحد.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب