الباحث القرآني

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ قبل أن يخلق السماوات والأرض وذلك الماء على متن الريح. وقال كعب: خلق الله ياقوتة حمراء لا نظير لها [فنظر إليها بالهيبة] فصارت ماء، [يرتعد من مخافة الله تعالى] ثمّ خلق الريح فجعل الماء [على قشرة] [[في تفسير القرطبي: 9/ 8، على متنها.]] ثم وضع العرش على الماء. وقال ضمرة: إنّ الله تعالى كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ثم خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بالحق، وخلق القلم وكتب به ما هو خالق وما هو كائن من خلقه، ثم إن ذلك الكتاب سبّح الله ومجدّه قبل أن يخلق شيئا من الخلق. لِيَبْلُوَكُمْ ليختبركم وهو أعلم أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا روى عبد الله بن عمر عن النبي ﷺ‎ أنه قال: «ليبلوكم أيّكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله» [92] [[الدرّ المنثور: 4/ 211.]] . قال ابن عباس: أيّكم أعمل بطاعة الله. قال مقاتل: أيّكم أتقى لله، الحسن: أيّكم أزهد في الدنيا زاهدا وأقوى لها تركا. وَلَئِنْ قُلْتَ يا محمد إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ يعنون القرآن، ومن قرأ: ساحر ردّه إلى محمد (ﷺ‎) . وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ إلى أجل معدود ووقت محدود، وأصل الأمّة الجماعة، وإنما قيل للحين: أمّة، لأن فيه يكون الأمّة، فكأنه قال: إلى مجيء أمّة وانقراض أخرى قبلها، كقوله: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ. لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ يقولون استعجالا للعذاب واستهزاء، يعنون أنه ليس بشيء. قال الله تعالى: أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ العذاب لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ خبر (ليس) عنهم. وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ أي رجع إليهم ونزل بهم وبال استهزائهم وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً سعة ونعمة ثُمَّ نَزَعْناها سلبناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ قنوط في الشدّة كَفُورٌ في النعمة. وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ بعد بلاء وشدة لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي زالت الشدائد عني إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ أشر بطر، ثم استثنى فقال: إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فإنهم إن نالتهم شدّة وعسرة صبروا، وإن نالوا نعمة شكروا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَأَجْرٌ كَبِيرٌ وهو الجنة، وإنما جاز الاستثناء مع اختلاف الحالين لأن الإنسان اسم الجنس كقوله: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا. فَلَعَلَّكَ يا محمد تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ فلا تبلّغه إياهم، وذلك أن مشركي مكة قالوا: آتنا بكتاب ليس فيه سبّ آلهتنا. وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لأن يقولوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ ينفقه أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ يصدّقه، قال عبد الله بن أمية المخزومي قال الله: يا أيها النذير ليس عليك إلّا البلاغ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مثله مُفْتَرَياتٍ بزعمكم وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ لفظه جمع والمراد به الرسول وحده كقوله: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ ويعني الرسول. وقال مجاهد: عنى به أصحاب محمد ﷺ‎ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ يعني القرآن وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ لفظه استفهام ومعناه أمر. مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا أي من كان يريد بعمله الحياة الدنيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ نوفر لهم أجور أعمالهم في الدنيا وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ لا ينقصون. قتادة يقول: من كانت الدنيا همّه وقصده وسروره وطلبته ونيّته جازاه الله تعالى ثواب حسناته في الدنيا، ثم يمضي إلى الآخرة وليس له حسنة يعطى بها جزاء، وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة. قال النبي ﷺ‎: «من أحسن من محسن فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ في عاجل الدنيا وآجل الآخرة» [[جامع البيان للطبري: 12/ 18، وتاريخ دمشق: 47/ 214. 216.]] . واختلفوا في المعنيّ بهذه الآية فقال بعضهم: هي للكفار، وأما المؤمن فإنه يريد الدنيا والآخرة، وإرادته الآخرة غالبة على إرادته للدنيا، ويدل عليه قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها في الدنيا وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ قال مجاهد: هم أهل الربا. وروى ابن المبارك عن حيوة بن شريح قال: حدثني الوليد بن أبي الوليد بن عثمان أن عقبة بن مسلم حدّثه أن شقي بن قابع الأصبحي حدّثنا أنه دخل المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس، فقال: من هذا؟ قيل: أبو هريرة. قال: فدنوت منه حتى قعدت بين يديه وهو يحدّث الناس، فلما سكت وخلا، قلت: وأنشدك الله لما حدثتني حديثا سمعته من رسول الله ﷺ‎ [عقلته وعلمته] فقال: لأحدّثنّك حديثا حدثنيه رسول الله ﷺ‎ في [هذا البيت] ثم غشي عليه ثم أفاق فقال: أحدثك حديثا حدّثنيه رسول الله ﷺ‎ في هذا البيت، ولم يكن أحد غيره وغيري، ثم شهق أبو هريرة شهقة شديدة ثم قال: [فأرى على وجهه ثمّ استغشى] طويلا ثم أفاق فقال: حدثني رسول الله ﷺ‎: «إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة دعا [[في المصدر: ينزل إلى.]] العباد ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية فأول من يدعو رجل جمع القرآن، ورجل قتل في سبيل الله، ورجل كثير المال. فيقول الله للقارئ: ألم أعلّمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يا رب. قال: ماذا عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله تعالى له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، فيقول الله تعالى: بل أردت أن يقال: فلان قارئ، فقد قيل ذلك، ويؤتى بصاحب المال، فيقول الله له: ألم أوسّع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى رب، قال: فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم وأتصدّق، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله تعالى: بل أردت أن يقال: فلان جواد فقد قيل ذلك. ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقال له: في ماذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت، فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال فلان جريء، فقد قيل ذلك» ثم ضرب رسول الله ﷺ‎ على ركبتي فقال: «يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة» [93] [[كنز العمّال: 3/ 469، ح 7469.]] . قال الوليد: وأخبرني غيره أن شقيا دخل على معاوية وأخبره بهذا عن أبي هريرة فقال معاوية: وقد فعل بهؤلاء هذا فكيف بمن بقي من الناس؟ ثم بكى معاوية [وضرب خدّيه] حتى ظننّا أنه هالك، ثم أفاق معاوية لا يمسح وجهه وقال: صدق الله ورسوله مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وقرأ إلى قوله: باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب