الباحث القرآني

وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها يعني امرأة العزيز، وطلبت منه أن يواقعها وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وكانت سبعة. وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ، اختلف القراء فيه، فقرأ ابن عباس والسلمي وأبو وائل وقتادة: هئت لك بكسر الهاء وضم التاء مهموزا، بمعنى تهيأت لك، وأنكرها أبو عمرو، قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: سمعت أبا عمرو وسئل عن قراءة من قرأ: هئت لك بكسر الهاء وهمز الياء فقال أبو عمرو: باطل، جعلها من تهيأت، اذهب واستعرض العرب حتى تنتهي إلى اليمن، هل تعرف أحدا يقول هذا؟ وقال الكسائي أيضا: لم يحك هئت عن العرب، وقال عكرمة: هئت لك: أي زيّنت لك وحسنت وهي قراءة غير مرضية، وقرأ نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر وعبد الله بن أبي إسحاق: هيت لك بفتح الهاء وكسر التاء، وقرأ يحيى بن وثاب: هِيتُ بكسر الهاء وضم التاء، وقرأ ابن كثير بفتح الهاء وضم التاء، وأنشد طرفة: ليس قومي بالأبعدين إذا ... ما قال داع من العشيرة هيت هم يجيبون إذا هم سراعا ... كالأبابيل لا يغادر بيت [[تفسير الطبري: 12/ 237، وتفسير التبيان: 6/ 118.]] وقرأ أهل المدينة والشام بكسر الهاء وفتح التاء، وقرأ الباقون بفتح الهاء والتاء، وهي لغة النبي ﷺ‎ واللغة المعروفة عند العرب، الشعبي عن عبد الله بن مسعود: أقرأني النبي ﷺ‎ هيت لك. وروى الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود أنه قرأ هيت لك، فقيل له: هَيْتَ لَكَ، فقال ابن مسعود: إنما نقرأها كما تعلّمناها وسمعناها جميعا هلمّ وأقبل وادن، قال الشاعر [يخاطب] أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه) : أبلغ أمير المؤمنين اهل العراق إذا أتيتا ... أن العراق وأهله سلم [إليك] فهيت هيتا [[تفسير القرطبي: 9/ 164.]] قال السّدّي: هي بالقبطيّة هلمّ لك، وقال الحسين: هَيْتَ لَكَ كلمة بالسريانية أي عليك، قال أبو عبيد: كان الكسائي يقول هي لغة لأهل حوران وقعت إلى الحجاز معناها تعال، قال أبو عبيد: سألت شيخا عالما من حوران فذكر أنها لغتهم، وكذا قال عكرمة، وقال مجاهد وغيره: هي لغة عربية تدعوه بها إلى نفسها وهي كلمة حثّ وإقبال على الشيء، وأصلهما من [الدعوة] والصياح تقول العرب: هيّت فلان بفلان إذا دعاه وصاح به، قال الشاعر: قد رابني أنّ الكريّ أسكتا ... لو كان معنيّا بها لهيّتا [[تفسير القرطبي: 9/ 165، لسان العرب: 2/ 43، وفيه نبا بدل بها.]] أي صاح به، والكريّ المكاري. وقال أستاذنا أبو القاسم بن حبيب: رأيت في بعض التفاسير هَيْتَ لَكَ يقول: هل لك رغبة في حسني وجمالي، وذكر أبو عبيدة أن العرب لا تثنّي هيت ولا تجمع ولا تؤنّث، وإنّها بصورة واحدة في كلّ حال وإنّما تتميّز بما بعدها وبما قبلها. قالَ يوسف (عليه السلام) عند ذلك: مَعاذَ اللَّهِ أعتصم وأستجير بالله ممّا دعوتني إليه وهو مصدر تقديره: عياذا بالله. إِنَّهُ رَبِّي يعني إنّ زوجك قطفير سيدي، أَحْسَنَ مَثْوايَ أي منزلتي، وعلى هذا أكثر المفسّرين، قال بعضهم: إنّها مردودة الى الله أَحْسَنَ مَثْوايَ أي آواني ومن بلاء الحب عافاني. إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ يعني إن فعلت، وأتمنني هذا فخنته في أهله بعد ما أكرمني وأتمنني وأَحْسَنَ مَثْوايَ فأنا ظالم ولا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ، وقيل الزناة. وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها يعني الهمّ بالشيء: حديث المرء نفسه به، ولمّا يفعل ذلك. يقول الشاعر: هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... تركت على عثمان تبكي حلائله [[لسان العرب: 5/ 125.]] فأما ما كان من همّ يوسف (عليه السلام) بالمرأة وهمتها به، فإنّ أهل العلم [اختلفوا] في ذلك، فروى سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: سمعت ابن عباس سئل: ما بلغ من همّ يوسف قال: حلّ الهميان وجلس منها مجلس المجامع. وروى ابن جريح عن ابن أبي عطية، قال: سألت ابن عباس (رضي الله عنه) : ما بلغ من همّ يوسف، قال: استلقت له على قفاها وقعد بين رجليها لينزع ثيابه. سعيد بن جبير: أطلق تكة سراويله، مجاهد: حل السراويل حتّى بلغ الثفن، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته. الضحاك: جرى الشيطان فيما بينهما فضرب بيده إلى جيد يوسف، وباليد الأخرى إلى جيد المرأة حتّى جمع بينهما. قال السديّ وابن إسحاق: لمّا أرادت امرأة العزيز مراودة يوسف عن نفسه جعلت تذكر له محاسن نفسه وتشوّقه إلى نفسها فقالت له: يا يوسف ما أحسن شعرك! قال: هو أوّل ما ينتثر من جسدي، قالت: يا يوسف ما أحسن عينك! قال: هي أوّل ما تسيل إلى الأرض من جسدي، قالت: ما أحسن وجهك! قال: هو للتراب يأكله، فلم تزل تطيعه مرّة وتخيفه أخرى وتدعوه إلى اللذّة، وهو شاب مستقبل بجد من شبق الشباب ما يجد الرجل، وهي حسناء جميلة حتى لان لها ممّا يرى من كلفها به ولما يتخوف منها حتى خليا في بعض البيوت وهمّ بها، فهذه أقاويل المفسّرين من السلف الصالحين. وقالت جماعة من المتأخرين: لا يليق هذا بالأنبياء [:] فأوّلوا الآية بضروب من التأويل، وقال بعضهم: وهمّ بالفرار منها، وهذا لا يصحّ لأنّ الفرار مذكور وليس له في الآية ذكر، وقيل: همّ بضربها ودفعها، وقيل: همّ بمخاصمتها ومرافعتها إلى زوجها، وقيل: وَهَمَّ بِها هو كناية عن غير مذكور، وقيل: تمّ الكلام عند قوله: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ثمّ ابتدأ الخبر عن يوسف وقال: وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ: على التقديم والتأخير تقديرها: لولا أن رأى برهان ربّه لهمّ بها ولكنّه رأى البرهان فلم يهمّ كقوله: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ [[سورة النساء: 83.]] وهذا فاسد عند أهل اللغة لأنّ العرب لا تقدّم جواب (لولا) قبلها، لا يقول: لقد قمت لولا زيد، وهو يريد، لولا زيد لقمت، جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس قال: همّت بيوسف أن يفترشها وَهَمَّ بِها يوسف يعني تمنّاها أن تكون له زوجة. وهذه التأويلات التي حكيناها كلها غير قويّة ولا مرضية لمخالفتها أقوال القدماء من العلماء الذين يؤخذ عنهم التأويل، وهم قد أخذوا عن الذين شهدوا التنزيل. وكما روي في الخبر الصحيح أنّ يوسف لما دخل على الملك وأقرّت المرأة، وقال يوسف: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ قال له جبرئيل عليه السلام: ولا حين هممت بها يا يوسف؟ فقال يوسف عند ذلك وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي. وأما أهل الحقائق فإنّهم قالوا في وجه هذه الآية: إنّ الهمّ همّان: همّ مقيم (ثابت) وهو إذا كان مع عزيمة وعقد ونيّة ورضى مثل همّ امرأة العزيز فالعهد مأخوذ. وهمّ عارض وارد وهو الخطرة والفكرة وحديث النفس من غير اختيار ولا عزيمة مثل همّ يوسف (عليه السلام) ، والعهد غير مأخوذ ما لم يتكلّم به أو يفعله، يدلّ عليه ما روي عن ابن (المبارك) قال: قلت لسفيان: أيؤخذ العهد بالهمّة؟ قال: إذا كان عزما أخذ بها. وروي عن أبي هريرة أنّ رسول الله ﷺ‎ قال: يقول الله عزّ وجل: «إذا همّ عبدي بالحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة، وإن عملها كتبتا له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، وإذا همّ عبدي بالسيّئة ولم يعملها لم أكتبها عليه، فإن عملها كتبتها عليه سيّئة واحدة، فإن تركها من أجلي كتبتها له حسنة» [111] [[كنز العمال: 4/ 219، ح 10241، تفسير القرطبي: 17/ 115.]] . والقول بإثبات مثل هذه: الزلّات والصغائر على الأنبياء (عليهم السلام) غير محظور لضرب من الحكمة: أحدها: ليكونوا من الله تعالى على وجل إذا ذكروها فيجدّون في طاعته إشفاقا منها ولا يتّكلون على سعة رحمة الله. والثاني: ليعرّفهم موقع نعمته وامتنانه عليهم بصرفه عنهم. والثالث: ليجعلهم أئمة لأهل الذنوب في رجاء رحمة الله وترك اليأس من عفوه وفضله. وقد روى عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ‎: «ما من أحد إلّا يلقى الله عزّ وجل قد همّ بخطيئة أو عملها إلّا يحيى بن زكريا فإنّه لم يهم ولم يعملها» [[كنز العمال: 11/ 521 ح 32434، بتفاوت يسير.]] [112] . وعن مصعب بن عبد الله قال: حدّثني مصعب بن عثمان قال: كان سليمان بن يسار من أحسن الناس وجها، فدخلت عليه امرأة تستفتيه: [فتأمنته] بنفسه فامتنع عليها وذكّرها، فقالت له: إن لم تفعل لأشهّرنّ بك ولأصيحنّ بك، قال: فخرج وتركها، فرأى في منامه يوسف النبي (عليه السلام) ، فقال له: أنت يوسف؟ قال: أنا يوسف النبي هممت وأنت سليمان الذي لم تهمّ. وأمّا البرهان الذي رآه يوسف (عليه السلام) فإنّ العلماء اختلفوا فيه، فأخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى عن أبي العباس الأصمّ عن الحسن بن علي، عن الحسين بن عطية عن إسرائيل عن أبي حصين عن سعيد عن ابن عباس لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ قال: مثل له يعقوب فضرب يده في صدره، فخرجت شهوته من أنامله. وقال الحسن وسعيد بن جبير وحميد بن عبد الرحمن ومجاهد وعكرمة وابن سيرين وأبو صالح وشمر بن عطية والضحّاك: انفرج له سقف البيت فرأى يعقوب عاضا على إصبعه. وقال ابن جبير: فكل ولد يعقوب ولد له اثنا عشر ولدا إلّا يوسف فإنه ولد له أحد عشر ولدا من أجل نقص من شهوته حين رأى صورة أبيه فاستحياه. قتادة: رأى صورة يعقوب فقال: يا يوسف تعمل عمل السّفهاء وأنت مكتوب من الأنبياء؟ ابن أبي مليكه: عن ابن عباس قال: نودي: يا يوسف أتزني فتكون كالطير وقع ريشه فذهب يطير فلا ريش له؟ السدّي: نودي يا يوسف تواقعها؟ إنّما مثلك- ما لم تواقعها- مثل الطير في جو السماء لا يطلق، ومثلك إن واقعتها مثل [الطير] إذا مات وقع في الأرض لا يستطيع أن يدفع عن نفسه، ومثلك ما لم تواقعها مثل الثور الصعب الذي لا يعمل عليه، ومثلك إن واقعتها مثل الثور حين يموت فيدخل النمل في أصل قرنيه، فلا يستطع أن يدفع عنه نفسه. أبو مردود عن محمّد بن كعب القرضي: قال: رفع يوسف رأسه إلى سقف البيت حين همّ فرأى كتابا في حائط البيت لا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا [[سورة الإسراء: 32.]] . أبو معشر عنه: لولا ما رأى بالقرآن من تعظيم الزنا وتحريمه، وزاد القرضي: بالقرآن وصحف إبراهيم (عليه السلام) . ليث عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها قال: حلّ سراويله وقعد منها مقعد الرجل من امرأته وإذا بكفّ قد مدّت فيما بينهما ليس فيها عضد ولا معصم مكتوب فيها: إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ. كِراماً كاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ [[سورة الإنفطار: 10- 12.]] . قال: فقام هاربا وقامت، فلمّا ذهب عنهما الرعب عادت وعاد، فلمّا قعد منها مقعد الرجل من امرأته فإذا بكف قد مدّت فيما بينهما ليس فيها عضد ولا معصم مكتوب فيها وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [[سورة البقرة: 218.]] ، فقام هاربا وقامت فلمّا ذهب عنهما الرعب عادت وعاد، فلمّا قعد منها مقعد الرجل من امرأته، قال الله تعالى لجبريل (عليه السلام) : يا جبرئيل أدرك عبدي قبل أن يصيب الخطيئة، فرأى جبريل عاضّا على إصبعه أو كفّه وهو يقول: يا يوسف أتعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب عند الله في الأنبياء؟ فذلك قوله تعالى: كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ. قتادة عن عطية عن وهب بن منبه، إنّه قال: لمّا همّ يوسف وامرأة العزيز بما همّا خرجت كفّ بلا جسد بينهما مكتوب عليها بالعبرانية أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [[سورة الإسراء: 33.]] ثمّ انصرفت الكفّ وقاما مقامهما، ثمّ رجعت الكفّ بينهما مكتوب عليها بالعبرانية إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ. كِراماً كاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ، ثمّ انصرفت الكفّ وقاما مقامهما، فعادت الكفّ بالعبرانية مكتوب عليها: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا [[سورة الإسراء: 32.]] فانصرفت الكفّ وقاما مقامهما، فعادت الكفّ رابعة مكتوب عليها بالعبرانية: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ فولّى يوسف هاربا. وروى عطية عن ابن عباس، أنّ البرهان الذي رآه يوسف أنّه أري تمثال الملك، وروى عمر بن إسحاق عن بعض أهل العلم أنّه قطفير سيّده حين دنا من الباب في ذلك الحين، إنّه لما هرب منها واتّبعته ألفاه لدى الباب. روى علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر الصادق رضي الله عنه قال: حدّثني أبي عن أبيه علي ابن الحسين، في قوله تعالى: لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ قال: قامت امرأة العزيز إلى الصنم فأظلت دونه بثوب فقال لها يوسف: ما هذا؟ فقالت: أستحيي من الصنم أن يرانا، فقال يوسف: أتستحيين ممّن لا يسمع ولا يبصر ولا يفقه ولا يشهد ولا أستحيي ممّن خلق الأشياء وعلّمها؟ وقال جعفر بن محمد: البرهان النبوّة التي: أودع الله صدره هي التي حالت بينه وبين ما يسخط الله. وقيل: هو ما آتاه الله من العلم والحكمة، وقال أهل الإشارة: إنّ المؤمن له برهان من ربّه في سرّه من معرفته فرأى ذلك البرهان وهو زاجره. فالبرهان الآية والحجّة، وجواب (لولا) محذوف تقديره لولا أن رأى برهان ربّه لزنا، وحقّق الهمّة الغريزية بهمّة الكسب، لقوله تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ مجازه لهلكتم، وقال امرؤ القيس: فلو أنّها نفس تموت سوية ... ولكنّها نفس تساقط أنفسنا [[لسان العرب: 8/ 54، تفسير القرطبي: 9/ 319، وفيهما جمعية بدل سوية.]] أراد [بسقطت] فنيت ولهان عليّ، ونحوها. قال الله تعالى: كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ الإثم وَالْفَحْشاءَ الزنا. إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ قرأ أهل مكّة والبصرة بكسر اللام أي المخلصين التوحيد والعبادة لله، وقرأ الآخرون بفتح اللام أي المختارين للنبوّة، دليلها قوله إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ. وروى الزهري عن حمزة بن عبيد الله بن عمران بن عمر قال: قال: لمّا اشتكى النبي ﷺ‎ الألم الذي توفّي فيه، قال ﷺ‎: «يصلّي بالناس أبو بكر» [[مسند أحمد: 5/ 361، السنن الكبرى: 3/ 78 بتفاوت.]] ، قالت عائشة: يا رسول الله إنّ أبا بكر رجل رقيق، وإنّه لا يملك نفسه حين يقرأ القرآن، فمره عمر يصلّي بالناس، قال رسول الله ﷺ‎: «يصلّي بالناس أبو بكر» فراجعته، فقال «ليصلّ بالناس أبو بكر فإنّكن صويحبات يوسف» [[مسند أحمد: 5/ 361، السنن الكبرى: 3/ 78 بتفاوت.]] [113] ، قالت عائشة: والله ما حملني في ذلك الأمر عليهم أن يكون أوّل رجل قام مقام رسول الله (ﷺ‎) . وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا عبد الله بن محمد بن شيبة قال: حدّثنا أبو حامد أحمد بن جعفر المستملي قال: حدّثنا بعض أصحابنا قال: قال جعفر بن سليمان: سمعت امرأة في بعض الطرق وهي تتكلّم ببعض الرفث فقلت لها [....] [[كلمة غير مقروءة.]] إنّكن صويحبات يوسف، فقالت له المرأة: وا عجبا نحن دعوناه إلى اللذّة، وأنتم أردتم قتله، فمن أصحابه نحن أو أنتم، وقتل النفس أعظم ممّا أردناه؟ وَاسْتَبَقَا الْبابَ وذلك أنّ يوسف لمّا رأى البرهان قام مبادرا إلى باب البيت، هاربا ممّا أرادته منه، واتبعته المرأة فذلك قوله تعالى. وَاسْتَبَقَا الْبابَ: يعني بادر يوسف وراحيل إلى الباب، أمّا يوسف ففرارا من ركوب الفاحشة، وأمّا المرأة فطلبها ليوسف لتقضي حاجتها أيّ راودته عليها، فأدركته فتعلّقت بقميصه من خلفه فجذبته إليها مانعة له من الخروج. وَقَدَّتْ أي خرّقت وشقّت قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ: من خلف لا من قدّام، لأنّ يوسف كان الهارب والمرأة الطالبة، فلمّا خرجا وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ، أي وجدا زوجها قطفير عند الباب جالسا مع ابن عمّ لراحيل، فلمّا رأته هابته فقالت: سابقة بالقول لزوجها: قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً يعني الزنا، إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ يحبس، أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ يعني الضرب بالسياط، قاله ابن عباس: قالَ يوسف: بل هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها، اختلفوا في هذا الشاهد، قال سعيد بن جبير وهلال بن يسار والضحّاك: كان صبيّا في المهد أنطقه الله بقدرته. وحدّثنا العوفي عن ابن عباس وشهر بن حوشب عن أبي هريرة، ويدلّ عليه ما روى عطاء ابن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي ﷺ‎ قال: تكلّم أربعة وهم صغار: ابن ماشطة بنت فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب بن جريج، وعيسى ابن مريم (عليه السلام) . وقيل: كان ذلك الصبيّ ابن خال المرأة، وقال الحسن: غلامه، قتادة والضحّاك ومجاهد برواية [ ... ] [[كلمة غير مقروءة.]] : ما كان بصبي ولكنه كان رجلا حكيما ذا لحية، له رأي ومقال وآية، وهو رواية ابن أبي مليكة عن ابن عباس، قال: وكان من خاصّة الملك. وقال السدي: هو ابن عمّ راحيل، وكان جالسا مع زوجها على الباب فحكّم وأخبر الله تعالى عنه: إِنْ كانَ قَمِيصُهُ الآية. قال عيسى عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إنّ الشاهد قميصه المقدود من دبر، ومعنى شَهِدَ شاهِدٌ حكم حاكم مِنْ أَهْلِها، قال مجاهد: قال الشاهد: تبيان هذا الأمر في القميص. إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ وإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ أي قدام فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ وخفّف ابن أبي إسحاق القبل والدبر وثقّلهما الآخرون وهما لغتان. فجيء بالقميص فإذا هو قدّ من دبر، فلمّا رأى قطفير قميصه قدّ من دبر عرف خيانة امرأته وبراءة يوسف ف قالَ لها إِنَّهُ أي إنّ هذا الصنيع مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ، وقيل: إنّ هذا من قول الشاهد. ثمّ أقبل قطفير على يوسف فقال: يُوسُفُ يعني يا يوسف، لفظ مفرد أَعْرِضْ عَنْ هذا الحديث فلا تذكره لأحد، وقيل: معناه لا تكترث له فقد كان عفوك لبراءتك، ثمّ قال لامرأته: وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ وقيل: هو من الشاهد ليوسف والراحيل، وأراد بقوله: وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ، يقول: سلي زوجك ألّا يعاقبك على ذنبك ويصفح عنك، وهذا معنى قول ابن عباس. إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ من المذنبين حين راودت شابّا عن نفسه وخنت زوجك، فلمّا استعصم كذبت عليه، يقال خطأ يخطأ خطأ، وخطأ، وخطا وخطاء، إذا أذنب والاسم منه الخطيئة، قال الله تعالى: كانَ خِطْأً كَبِيراً وقال أميّة: عبادك يخطئون وأنت ربّ ... بكفّيك المنايا والحتوم [[الصحاح: 5/ 1892، تاج العروس: 8/ 239.]] أيّ يذنبون فإذا أرادوا التعمّد قيل: خطأ خطأ هنا لأنّ الفعل بالألف قال الله تعالى: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً، وإنّما قال مِنَ الْخاطِئِينَ ولم يقل: الخاطئات لأنّه لم يقصد بذلك قصد الخبر عن النساء، وإنّما قصد به الخبر عمّن يفعل ذلك، وتقديره: من القوم الخاطئين. ومثله قوله: وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ، بيانه قوله: إنّها كانت من قوم كافرين.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب