الباحث القرآني

قالوا: فلمّا اطمأنّ بيوسف ملكه دخلت السنون المخصبة، ودخلت السنون المجدبة أصاب الناس الجوع وجاءت تلك السنون [.......] [[كلمة غير مقروءة.]] وكان ابتداء القحط، بينا الملك ذات ليلة أصابه الجوع نصف الليل، وهتف الملك: يا يوسف الجوع الجوع فقال: هذا أوّل القحط، فلمّا دخلت السنة الأولى من سنيّ الجدب هلك فيها كلّ شيء أعدّوه في السنين المخصبة، فجعل أهل مصر يبتاعون الطعام من يوسف، فباعهم أوّل سنة بالنقود حتى لم يبق في مصر دينار ولا درهم إلّا قبضه، وباعهم في السنة الثانية بالحليّ والجواهر حتى لم يبق في أيدي الناس منها شيء، وباعهم بالسنة الثالثة بالمواشي والدواب حتى احتوى عليها أجمع، وباعهم بالسنة الرابعة بالعبيد والإماء حتى لم يبق عبد ولا أمّة في يد أحد منهم، ثمّ باعهم السنة الخامسة بالضياع والعقار والدور حتى احتوى عليها، وباعهم السنة السادسة بأولادهم حتى استرقّهم، وباعهم السنة السابعة برقابهم حتى لم يبق بمصر حر ولا حرّة إلّا صار عبدا له، حتى قال الناس: تالله ما رأينا كاليوم ملكا أجلّ ولا أعظم من هذا، ثمّ قال يوسف لفرعون كيف رأيت صنيع ربّي فيما خوّلني، فما ترى لي؟ قال الملك: الرأي رأيك، وإنّما نحن لك تبع، قال: فإنّي أشهد وأشهدك أنّي أعتقت أهل مصر عن آخرهم ورددت عليهم أموالهم وأملاكهم. وروي أنّ يوسف (عليه السلام) كان لا يشبع من طعام في تلك الأيّام، فقيل له: تجوع وبيدك خزائن الأرض، فقال: أخاف أن شبعت أن أنسى الجائع، وأمر يوسف أيضا طباخي الملك أن جعلوا الغداة نصف النهار، وأراد بذلك أن يذوق الملك طعم الجوع فلا ينسى الجائعين، ويحسن إلى المحتاجين، ففعل الطهاة ذلك، ومن ثمّ جعلت الملوك غداءهم نصف النهار. قالوا: وقصد الناس مصر من كلّ حدب يمتارون، فجعل يوسف لا يمكّن أحدا منهم وإن كان عظيما بأكثر من حمل بعير تقسيطا بين الناس وتوسّعا عليهم، وتزاحم الناس عليه، قالوا: وأصاب أرض كنعان وبلاد الشام من القحط والشدّة ما أصاب سائر البلاد، ونزل بيعقوب ما نزل بالناس فأرسل بنيه إلى مصر للميرة، فأمسك بنيامين أخا يوسف لأمّه فذلك قوله تعالى: وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ وكانوا عشرة، وكان منزلهم بالقربات من أرض فلسطين ثغور الشام، وكانوا أهل بادية وإبل وشاة فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ يوسف وأنكروه لما أراد الله أن يبلغ يوسف فيما أراد. قال ابن عباس: وكان بين أن قذفوه في البئر وبين أن دخلوا مصر أربعين سنة فلذلك أنكروه وقيل: إنّه كان متّزيا بزيّ فرعون مصر، عليه ثياب حرير، جالس على سريره، وفي عنقه طوق من ذهب، وعلى رأسه تاج، فلذلك لم يعرفوه، وكان بينه وبينهم ستر ولذلك لم يعرفوه. قال بعض الحكماء: المعصية تورث الكبرة، قال الله تعالى: فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ فلمّا نظر إليهم يوسف وكلّموه بالعبرانية، قال لهم: أخبروني من أنتم؟ وما أمركم؟ فإنّي أنظر شأنكم، قالوا: نحن قوم من أهل الشام رعاة أصابنا الجهد فجئنا نمتار، قال: لعلّكم عيون تنظرون عورة بلادي، قالوا: والله ما نحن جواسيس وإنّما نحن إخوة بنو أب واحد وهو شيخ صدّيق يقال له: يعقوب، نبي من أنبياء الله، قال: وكم أنتم؟. قالوا: كنّا اثني عشر فذهب أخ لنا إلى البريّة فهلك فيها، وكان أحبّنا إلى أبينا، فقال: فكم أنتم ها هنا، قالوا: عشرة، قال: فأين الآخر؟ قالوا: عند أبينا لأنّه أخ الذي هلك من أمّه، وأبونا يتسلّى به، قال: فمن يعلم أنّ الذي تقولون حقّ؟ قالوا: أيّها الملك إنّا ببلاد لا يعرفنا أحد، قال يوسف: فأتوني بأخيكم الذي من أبيكم إن كنتم صادقين، فأنا أرضى بذلك. قالوا: إنّ أبانا يحزن على فراقه وسنراوده عنه وإنّا لفاعلون، قال: فدعوا بعضكم عندي رهينة حتى تأتوني بأخيكم فاقترعوا بينهم فأصابت القرعة شمعون وكان أحسنهم رأيا في يوسف وأبرّهم به فخلّفوه عنده، فذلك قوله تعالى: وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ يعني حمل لكل رجل منهم بعيرا بعدّتهم، قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ يعني بنيامين، أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ أي لا أبخس الناس شيئا وأتمّ لهم كيلهم فأزيد لكم حمل بعير في خراجكم، وأكرم مثواكم، وأحسن إليكم، وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ المضيّفين. فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي ليس لكم عندي طعام أكيله لكم وَلا تَقْرَبُونِ ولا تقربوا بلادي بعد ذلك، وهو جزم يدلّ على النهي. قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ نطلبه ونسأله أن يرسله معنا، قال ابن عباس: سنخدعه حتى نخرجه معنا، وَإِنَّا لَفاعِلُونَ ما أمرت به. وَقالَ يوسف لِفِتْيانِهِ أي لغلمانه الذين يعملون بالطعام، قرأ الحسن وحميد ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي وحفص، لِفِتْيانِهِ بالألف والنون وهو اختيار أبي عبيدة، وقال: هي في مصحف عبد الله كذلك، وقرأ الباقون لفتيته بالتاء من غير ألف وهما لغتان مثل الصبيان والصبية. اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ أي طعامهم، قال قتادة: أوراقهم، الضحّاك عن ابن عباس قال: كانت النعل والأدم، فِي رِحالِهِمْ في أوعيتهم وهي جمع رحل، والجمع القليل منه الرحيل، قال ابن الأنباري: يقال للوعاء: رحل وللمسكن رحل. لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا انصرفوا، إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ إليّ واختلف العلماء في السبب الذي فعل يوسف من أجله، فقال الكلبي: تخوّف يوسف أن لا يكون عند أبيه من الورق فلا يرجعون مرّة أخرى، وقيل: خشي أن يضرّ أخذه ذلك منهم بأبيه إذ كانت السنة سنة جدب وقحط، فأحبّ أن يرجع إليه، وإنّما أراد أن يتّسع به أبوه، وقيل: رأى لو أخذ ثمن الطعام من أبيه وإخوته مع حاجتهم إليه فردّه عليهم من حيث لا يعلمون تكرّما وتفضّلا. وقيل: فعل لأنّه علم أنّ ديانتهم وأمانتهم تحملهم على ردّ البضاعة ولا يستحلّون إمساكها فيرجعون لأجلها، وقيل: أبدا لهم كرمه في ردّ البضاعة وتقديم الضمان في البرّ والإحسان ليكون أدعى لهم إلى العود إليه طمعا في برّه. فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا قدمنا على خير رجل أنزلنا وأكرمنا كرامة، لو كان رجلا من ولد يعقوب ما أكرمنا كرامته، قال لهم يعقوب: إذا أتيتم ملك بمصر فاقرؤوه منّي السلام وقولوا له: إنّ أبانا يصلّي عليك ويدعو لك بما أوليتنا، ثمّ قال: أين شمعون؟ قالوا: إنّه عند ملك مصر وأخبروه بالقصّة، فقال: ولم أخبرتموه؟ قالوا: إنّه أخذنا وقال: إنّكم جواسيس عند ما كلّمناه بلسان العبرانيين، وقصّوا عليه القصّة. وقالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا بنيامين نَكْتَلْ قرأ يحيى والأعمش وحمزة والكسائي يكتل بالياء يعني يكتل لنفسه هو كما كنّا نكتل نحن، وقرأ الآخرون بالنون بمعنى نكتل نحن، واختاره أبو عبيد وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ قالَ يعقوب، هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ يوسف مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً قرأ ابن محصن ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي: حافِظاً بالألف على التمييز والتفسير، كما يقال: هو خير رجلا، ومجاز الآية خيركم حافظا فحذف الكاف والميم، ويدلّ عليه أنّها مكتوبة في مصحف عبد الله: والله خير الحافظين. وقرأ الآخرون حفظا بغير الألف على المصدر بمعنى خيركم حفظا واختلف فيه عن عاصم وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ الذي حملوه من مصر وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ ثمن الطعام رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي أي ماذا نبغي؟ وأي شيء نطلب وراء هذا؟ أوفى لنا الكيل وردّ علينا الثمن، أرادوا بذلك أن يطيّبوا نفس أبيهم، و (ما) استفهام في موضع نصب ويكون معناه جحدا كأنّهم قالوا: لسنا نريد منك دراهم. هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا ونشتري لهم الطعام فنحمله إليهم، يقال مار أهله يمير ميرا فهو مائر، إذا حمل إليهم أقواتهم من غير بلده في مثله امتار يمتار امتيارا، قال الشاعر: بعثتك مائرا فمكثت حولا ... متى يأتي غياثك من تغيث [[تفسير الطبري: 13/ 15، لسان العرب: 2/ 174.]] وقال آخر: أتى قرية كانت كثيرا طعامها ... كعفر التراب كل شيء يميرها [[لسان العرب: 8/ 430، وتاج العروس: 6/ 12.]] وَنَحْفَظُ أَخانا بنيامين وَنَزْدادُ على أحمالنا كَيْلَ بَعِيرٍ لنا من أجله ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ: لا مؤونة فيه ولا مشقّة، وقال مجاهد: كَيْلَ بَعِيرٍ يعني: حمل حمار، قال: وهي لغة يقال للحمار بعير، قالَ لهم يعقوب: لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ تعطوني مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ يعني تحلفوا لي بحقّ محمّد خاتم النبيين وسيد المرسلين أن لا تغدروا بأخيكم لَتَأْتُنَّنِي بِهِ وإنّما دخلت فيه اللام لأنّ معنى الكلام اليمين إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ إلّا أن تهلكوا جميعا، قاله مجاهد، وقال قتادة: إلّا أن يغلبوا حتى لا يطيقوا ذلك. فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ أعطوه عهودهم، وقال جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس: حلفوا له بحقّ محمد ﷺ‎ ومنزلته من ربّه قالَ يعقوب اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ أي شاهد وحافظ بالوفاء، وقال القتيبي: كفيل، وقال كعب: لمّا قال يعقوب: فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً، قال الله جلّ ذكره: وعزّتي لأردّن عليك كليهما بعد ما توكّلت عليّ، وقال لهم يعقوب لما أرادوا الخروج [هذا] ، وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مصر مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وذلك أنّه خاف عليهم العين لأنّهم كانوا ذوي جمال وهيئة وصور حسان وقامات ممتدّة، وكانوا ولد رجل واحد، وأمرهم أن يفترقوا في دخولها ثمّ، قال: وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ علم (عليه السلام) أنّ المقدور كائن، وأنّ الحذر لا ينفع من القدر، وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ وإلى الله فليفوّض أمورهم المفوّضون. وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ وكان لمصر أربعة أبواب فدخلوها من أبوابها كلّها، ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ صدّق الله تعالى يعقوب فيما قال إِلَّا حاجَةً حزازة وهمّة فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها أشفق عليهم إشفاق الآباء على أبنائهم وَإِنَّهُ يعقوب لَذُو عِلْمٍ لِما: أي مما عَلَّمْناهُ يعني لتعليمنا إيّاه، قاله قتادة، وروى سفيان عن [ابن] أبي عروة قال: إنّه العامل بما علم، قال سفيان: من لا يعمل لا يكون عالما، وقيل: إنّه لذو حظّ لما علّمناه. وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ما يعلم يعقوب، أي لا يعرفون مرتبته في العلم. وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ قالوا: هذا أخونا الذي أمرتنا أن نأتيك به، قد جئناك به فقال لهم: أحسنتم وأصبتم وستجدون ذلك عندي، ثمّ أنزلهم فأكرم منزلهم ثمّ أضافهم وأجلس كلّ اثنين منهم على مائدة فبقى بنيامين وحيدا، فبكى وقال لو كان أخي يوسف حيّا لأجلسني معه، فقال لهم يوسف (عليه السلام) : لقد بقي هذا أخوكم وحيدا، فأجلسه على مائدته فجعل يؤاكله. فلمّا كان الليل أمر لهم بمثل أي فرش، فقال: لينم كلّ أخوين منكم على مثال، فلمّا بقي بنيامين وحده، قال يوسف (عليه السلام) : هذا ينام معي على فراشي فبات معه فجعل يوسف يضمّه إليه ويشمّ خدّه حتى أصبح فجعل روبيل يقول: ما رأينا مثل هذا، فلمّا أصبح قال لهم: إنّي أرى هذا الرجل الذي جئتم به ليس معه ثان فسأضمّه إليّ فيكون منزله معي، ثمّ أنزلهم [معه] ، وأجرى عليهم الطعام والشراب وأنزل أخاه لأمّه معه فذلك، قوله تعالى: آوى إِلَيْهِ أَخاهُ فلمّا خلا به قال له: ما اسمك؟ قال: بنيامين. قال ابن من يا بنيامين؟ قال: ابن المثكل، وذلك أنّه لما ولد هلكت أمّه، قال: وما اسمها؟ قال: راحيل بنت لاوي بن ناحور، قال: فهل لك بنون؟ قال: نعم، عشر بنين وقد اشتققت أسماءهم من اسم أخ لي من أمّي هلك، قال: لقد اضطرّك إلى ذاك حزن شديد، قال: فما سمّيتهم؟ قال: بالعا وأخيرا وأثكل وأحيا وكنر ونعمان وادر وأرس وحيتم وميثم، قال فما هذه؟ قال: إما بالعا فإنّ أخي قد ابتلعته الأرض، وأما أخيرا فإنه بكر أبي لأمّي، وأمّا أثكل فإنّه كان أخي لأبي وأمي وسنّي، وأما كثير فإنّه خير حبيب كان، وأمّا نعمان فانه ناعم بين أبويه وأمّا أدّر فإنّه كان بمنزلة الورد في الحسن، قال: وأما أرس فإنّه كان بمنزلة الرأس من الجسد، وأما حيتم فأعلمني أنّه حيّ، وأمّا ميثم فلو رأيته قرّت عيني. فقال يوسف: أتحبّ أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك؟ فقال بنيامين: ومن يجد أخا مثلك؟ ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل، فبكى يوسف (عليه السلام) وقام إليه وعانقه وقالَ له: إِنِّي أَنَا أَخُوكَ يوسف فَلا تَبْتَئِسْ فلا تحزن بِما كانُوا يَعْمَلُونَ لشيء فعلوه بنا فيما مضى فإنّ الله قد أحسن إلينا ولا تعلمهم شيئا ممّا علمت. وقال عبد الصمد بن معقل: سمعت وهب بن منبه وسئل عن قول يوسف لأخيه: إِنِّي أَنَا أَخُوكَ، فقيل له كيف آخاه حين أخذ بالصواع وقد كان أخبره أنّه أخوه، وأنتم تزعمون أنّه لم يزل متنكّرا لهم يكابرهم حتى رجعوا؟ فقال: إنّه لم يعترف له بالنسبة ولكنّه قال: أنا أخوك مكان أخيك الهالك، ومثله قال الشعبي، قال: لم يقل له: أنا يوسف، ولكن أراد أن يطيّب نفسه [[تفسير الطبري: 13/ 21.]] . ومجاز الآية أي: أَنَا أَخُوكَ بدل أخيك المفقود فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ فلا تشتك ولا تحزن لشيء سلف من إخوتك إليك في نفسك وفي أخيك من أمّك، وما كانوا يفعلون قبل اليوم بك، ثمّ أوفى يوسف لإخوته الكيل وحمل لهم بعيرا، وحمل لبنيامين بعيرا باسمه كما حمل لهم، ثمّ أمر بسقاية الملك فجعل في رحل بنيامين، قال السدّي: جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ، والأخ لا يشعر. قال كعب: لما قال له: إِنِّي أَنَا أَخُوكَ قال بنيامين: فأنا لا أفارقك، قال يوسف (عليه السلام) : قد علمت [عنهم] والدي بي، فإذا حبستك ازداد غمه، فلا يمكنني هذا إلّا أن أشهرك بأمر وأنسبك إلى ما لا يجمل بك، قال: لا أبالي فافعل ما بدا لك فإنّي لا أفارقك. قال: فإنّي أدسّ صاعي هذا في رحلك ثمّ أنادي عليك بالسرقة لجهازي ليتهيأ لي ردك بعد تسريحك، قال: فافعل، فذلك قوله تعالى: فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ أي لما قضى لهم حاجتهم، جَعَلَ السِّقايَةَ: وهي المشربة التي كان يشرب بها الملك، قال ابن زيد: وكان كأسا من ذهب فيما يذكرون، وقال ابن إسحاق: هو شيء من فضّة، عكرمة: مشربة من فضّة مرصّعة بالجواهر، جعلها يوسف مكيلا لئلّا يكال بغيرها وكان يشرب بها، سعيد بن جبير: هو [المقياس] الذي يلتقي طرفاه وكان يشرب بها الأعاجم وكان للعباس منها واحدة في الجاهلية، والسقاية والصواع واحد، فِي رَحْلِ أَخِيهِ في متاع بنيامين، ثمّ ارتحلوا وأمهلهم يوسف حتى انطلقوا ومضوا ثمّ أمر بهم فأدركوا وحبسوا. ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ نادى مناد، أَيَّتُهَا الْعِيرُ هي القافلة التي فيها الأحمال، قال الفرّاء: لا يقال عير إلّا لأصحاب الإبل، وقال مجاهد كانت العير حميرا. إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ قفوا، فوقفوا، فلمّا انتهى إليهم الرسول قال لهم: ألم نكرم ضيافتكم ونحسن منزلكم ونوفكم كيلكم ونفعل بكم ما لم نفعله بغيركم؟ قالوا: بلى، وما ذاك؟ قال: سقاية الملك، فقال: إنّه لا يتّهم عليها غيركم، فذلك قوله تعالى: قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ماذا تَفْقِدُونَ عطفوا على المؤذّن وأصحابه: ماذا تَفْقِدُونَ؟ ما الذي ضلّ منكم؟ فالفقدان ضدّ الوجود، والمفقد: الطلب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب