الباحث القرآني

لَهُ أي لله تعالى مُعَقِّباتٌ ملائكة يتعاقبون بالليل والنهار فإذا صعدت ملائكة الليل أعقبتها ملائكة النهار، وإذا صعدت ملائكة النهار أعقبتها ملائكة الليل، والتعقيب العود بعد المبدأ، قال الله وَلَمْ يُعَقِّبْ وإنما ذكرها هنا بلفظ جمع التأنيث لأنّ واحدهما معقب وجمعه معقبة، ثم جمع المعقبة معقبات فهي جمع الجمع. كما قيل أما قال قد حالات بكم وقوله: مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ يعني من قدام هذا المستخفي بالليل والسارب بالنهار وَمِنْ خَلْفِهِ من وراء ظهره. قال ابن عباس: ملائكة يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ... مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ فإذا جاء القدر خلوا عنه. حماد بن سلمة عن عبد الله بن جعفر عن كنانه العمري قالوا: دخل عثمان بن عفان (رضي الله عنه) على رسول الله ﷺ‎ فقال: يا رسول الله أسألك عن العبد كم معه من ملك؟ قال: «ملك على يمينك يكتب حسناتك، وهو أمين على الذي على الشمال فإذا عملت حسنة كتبت عشرا، وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين: أأكتب؟ قال: لا، لعله يستغفر الله أو يتوب فإذا قال ثلاثا قال: نعم اكتب أراحنا الله منه فبئس القرين هو ما أقل مراقبته لله عزّ وجلّ وأقل استحياء منا يقول الله ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [[سورة ق: 18.]] وملكان من بين يديك ومن خلفك يقول الله لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وملك قابض على ناصيتك، فإذا تواضعت لله رفعك وإذا تجبرت على الله قصمك، وملكان على شفتيك ليس يحفظان عليك إلّا الصلاة على محمد ﷺ‎، وآله، وملك قائم على فيك لا يدع أن تدخل الحيّة في فيك، وملكان على عينيك هؤلاء عشرة أملاك على كل آدمي يتداولون ملائكة الليل على ملائكة النهار لأن ملائكة الليل أي ليسوا من ملائكة النهار فهؤلاء عشرون ملكا على كل آدمي وإبليس مع بني آدم بالنهار وولده بالليل» [136] [[تفسير القرطبي: 9/ 294.]] . قتادة وابن جريح: هذه ملائكة الله عزّ وجلّ يتعاقبون فيكم بالليل والنهار، وذكر لنا أنّهم يجتمعون عند صلاة العصر وصلاة الصبح. همام بن منبه عن أبي هريرة عن محمد رسول الله ﷺ‎ قال: «يتعاقبون فيكم، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي؟ قالوا: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون» [137] [[صحيح مسلم: 2/ 113.]] . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية قال: ذكر [أنّ] [[ما بين المعقوفتين زيادة اقتضاها السياق.]] ملكا من ملوك الدنيا له حرس من دونه حرس فإذا جاء أمر الله لم ينفعوا شيئا. عكرمة: هؤلاء ملائكة من بين أيديهم ومن خلفهم لحفظهم. شعبة عن شرفي عن عكرمة قال: الجلاوزة [[تفسير الطبري: 13/ 156.]] . الضحاك: هو السلطان المحترس من الله وهم أهل الشرك، وقوله يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ اختلفوا فيه فقال قوم: يعني: بأمر الله، وحروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض، وهذا قول مجاهد وقتادة ورواية الوالبي عن ابن عباس، وقال الآخرون: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ما لم يجئ القدر [[راجع تفسير القرطبي: 9/ 292.]] . لبيد عن مجاهد: ما من عبد إلّا به ملك موكل يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس الهوام فما منهم شيء بأمره يريده إلّا قال فذاك لا يأتي بإذن الله عزّ وجلّ فيه فيصيبه. وقال كعب الأحبار: لولا وكل الله بكم ملائكة يذبّون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم إذا يحيطكم الجن. وروى عمار بن أبي حفصة عن أبي مجلز قال: جاء رجل من مراد إلى علي (رضي الله عنه) وهو يصلي، فقال: احترس فإنّ ناسا من مراد يريدون قتلك. فقال: إنّ مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه وإنّ الأجل جنة حصينة ، وقال أهل المعاني: إنّ أوامر الله عزّ وجلّ على وجهين أحدهما قضى حلوله ووقوعه بصاحبه، فذلك ما لا يدفعه أحد ولا يغيره بشر ولا حتى الجن ولم يقض حلوله ووقوعه، بل قضى صرفه بالتوبة والدعاء والصدقة والحفظة كقصة يونس (عليه السلام) ، وقال ابن جريج: معناه يكنصون من الله أمر الله يعني يحفظون عليه الحسنات والسيئات، وقال بعض المفسرين أن هذه الآية أنّ الهاء في قوله: لَهُ راجعة إلى رسول الله (عليه السلام) . جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: لَهُ مُعَقِّباتٌ يعني محمد (عليه السلام) من الرحمن حراس مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، يعني من شر الجن والإنس ومن شر طارق الليل والنهار، وقال عبد الرحمن بن زيد: نزلت هذه الآية في عامر بن الطفيل وزيد بن ربيعة وكانت قصتهما على ما روى محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: أقبل علينا زيد بن ربيعة هو وعامر بن الطفيل يريدان رسول الله ﷺ‎ وهو جالس في نفر من أصحابه، فدخلا المسجد فاستشرف الناس لجمال عامر وكان أعور، وكان من أجمل الناس. وقال رجل من أصحاب رسول الله ﷺ‎: يا رسول الله هذا عامر بن الطفيل وهو مشرك. فقال: دعه فإن يرد الله به خيرا بهذه، فأقبل حتى قام عليه، فقال: يا محمد ما لي إن أسلمت؟ قال: لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين، قال: تجعل لي الأمر بعدك. قال: ليس ذلك إليّ إنما ذاك إلى الله يجعله حيث يشاء. قال: فجعلني على الوبر وأنت على المدر، قال الرجل: فماذا يجعل لي؟ قال: أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها. قال: أوليس ذلك لي اليوم؟ قال: لا. قال: قم معي أكلمك، فقام رسول الله ﷺ‎ وكان يوصي إلى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلمه فدر من ورائه بالسيف فجعل يخاصم رسول الله ﷺ‎ فدار أربد بن ربيعة خلف النبي ﷺ‎ ليضربه فاخترط من سيفه شبرا ثم حبسه الله عنه فلم يقدر على قتله وعامر يومئ إليه فالتفت رسول الله ﷺ‎ فرأى أربد وما منع بسيفه. فقال: اللهم أكفنيهما بما شئت، فأرسل الله على أربد صاعقة في يوم صاح صائف وولى عامر هاربا. وقال: يا محمد دعوت ربك فقتل أربد والله لأملأنها عليك خيلا جردا وفتيانا مردا. فقال رسول الله ﷺ‎: «يمنعك الله من ذلك وأبناء قيلة» [138] [[تفسير القرطبي: 9/ 298.]] يعني الأوس والخزرج، فنزل عامر ببيت امرأة سلولية فأنشأ يقول: بخير أبيت اللعن إن شئت ودّنا ... فإن شئت حربا بأس ومصدق وإن شئت فنسيا ما يكفي أمرهم ... يكبون كبش العارفين متألق فلما أصبح ضم إليه سلاحه وقد تغير لونه، وهو يقول: واللات لئن أصحر محمد إلي وصاحبه- عني ملك الموت- لأنفذنهما برمحي، فلما رأى الله تعالى ذلك منه أرسل ملكا فلطمه بجناحه فأذراه في التارب، وخرجت على ركبته غدة في الوقت كغدة البعير فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول: غدة كغدة البعير وموت في السلولية ثم مات على ظهر فرسه [[أسباب النزول للواحدي 184.]] . لعمري وما عمري علي بهين ... لقد شأن حمر الوجه طعنة مسهر قد علم المزنوق أني أكرّ ... على جمعهم كرّ المنيح المشهر [[المزنوق اسم فرسه، والبيت في لسان العرب: 10/ 146.]] وأزود من وقع السنان زجرته ... وأخبرته أني امرؤ غير مقصر وأخبرته أن الفرار خزاية ... على المرء ما لم يبل عذرا فيعذر. لقد علمت عليا هوازن أنني ... أنا الفارس الحامي حقيقة [[الحقيقة: الراية والبيت في لسان العرب: 10/ 52، وجعفر هذا أبو جده.]] جعفر فجعل يركض في الصحراء ويقول: أبرز يا ملك الموت، ثم أنشأ يقول: لا قرب المزنوق ولتجد ما أرى لنفر ... من يوم شره غير حامد. إلا قرباه إن غاية حرمناه إذا ... قرب المزنوق بين الصفائد هو من عامر قدن إذا ما دعوتهم أجابوا ... ولبى منهم كل ماجد وكان بعضهم يعيّر بعضا النزول على سلولية ولذلك ركب فرسه ليموت خارجا من بيتها ما أحس بالموت، ثم دعا بفرسه يركبه ثم أجراه حتى مات على ظهره. فأجاب الله تعالى دعاء رسوله ﷺ‎ وقتل عامرا بالطاعون وأربد بالصاعقة، فرثى لبيد بن ربيعة أخاه أربد بجملة من المراثي فمنها هذه: وانا لك فاذهب والحق ... بأسرتك الكرام الغيب ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب [[تفسير الطبري: 9/ 140.]] ، يتآكلون مغالة وملاذة ... ويعاب قائلهم وإن لم يشغب فنعد في هذا وقل في غيره ... واذكر شمائل من أخ لك معجب إنّ الرزيئة لا رزيئة بعدها ... مثلها فقدان كل أخ كضوء الكوكب من معشر بنت لهم آباؤهم ... والعز لا يأتي بغير تطلب يا أربد الخير الكريم جدوده ... أفردتني أمشري بقرن أعضب [[تفسير القرطبي: 9/ 298.]] ومنها قوله: ما أن تعزي المنون من أحد ... لا والد مشنق ولا ولد أخشى على أربد الحتوف ... أرهب نوأ السماك والأسد فعين هلا بكيت أربد إذ ... قمنا وقام النساء في كبد فجعني البرق والصواعق ... بالفارس يوم الكريهة النجد [[الأبيات في ديوانه: 153، يرثي بها أخاه أربد وراجع معجم البلدان: 5/ 252، والبداية والنهاية: 5/ 70.]] فأنزل الله تعالى في هذه القصة سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ الآية لَهُ مُعَقِّباتٌ يعني رسول الله ﷺ‎ له معقبات يحفظونه مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ يعني تلك المعقبات من أمر الله وهي مقدم ومؤخر لرسول الله ﷺ‎ معقبات يحفظونه مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ تلك المعقبات من أمر الله وقال الذين [آمنوا:] إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ [[عن تفسير الطبري: 13/ 162.]] . وقرأ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ حتى بلغ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ، ... إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ من العافية والنعمة حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ من الحال لا [.........] [[كلمة غير مقروءة.]] فيعصون ربهم ويظلمون بعضهم بعضا. وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً عذابا وهلاكا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ علمها المخاوف [[هكذا في الأصل.]] بالله وقيل: وال ولي أمرهم ما يدفع العذاب عنهم هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً يخاف أذاه ومشقته وَطَمَعاً للمقيم يرجو بركته وشفعته أن يمطر وَيُنْشِئُ بينهم السَّحابَ الثِّقالَ يعني قال إن شاء الله السحابة فيشاء أي أبدأها فبدلت وأسحاب جمع واحدتها سحابة وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أقبلت اليهود إلى رسول الله ﷺ‎ فقالوا: يا أبا القاسم نسألك خمسة أشياء فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك قال: فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قالوا: اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ. قال ﷺ‎: «هاتوا» ، قالوا: أخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: «ملك من الملائكة الموكلة بالسحاب معه مخاريف من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله» . قالوا: فما هذا الذي نسمع؟ قال: «زجر السحاب إذا زجر حتى ينتهي إلى حيث أمر» . قالوا: صدقت [[سنن الترمذي: 4/ 357 ح 5121، ومسند أحمد: 1/ 274، وذكر تمام الحديث.]] [139] . قال عطية: الرعد ملك، وهذا تسبيحه، والبرق سوطه الذي يزجر به السحاب فقال: لذلك الملك رعد وقد ذكرنا معنى الرعد والبرق بما أغنى عن إعادته. وقال أبو هريرة: كان رسول الله ﷺ‎ [إذا سمع صوت الرعد] قال سبحانه من يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ. عكرمة عن ابن عباس: إنه كان إذا سمع الرعد قال: سبحان الذي سبحت له. وقال ابن عباس: من سمع صوت الرعد فقال سبحان الذي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ في خيفته وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فإن أصابته صاعقة فعلى ذنبه. وروى مالك بن أنس عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: سبحان من يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ويقول: إن هذا الوعيد لأهل الأرض شديد. وروى حجاج بن أرطأة عن أبي مطر عن سالم يحدث عن أبيه قال: كان رسول الله ﷺ‎ إذا سمع الرعد والصواعق قال: «اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك» [140] [[مسند أحمد: 2/ 100، وتفسير القرطبي: 1/ 18.]] . وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ يعني ويسبح الملائكة من خيفة الله وخشيته، وقيل أراد هو أنّ الملائكة أعوان الرعد، جعل لله تعالى له أعوانا فهم جميعا خائفون، خاضعون طائعون به يُرْسِلُ الصَّواعِقَ [[فتح القدير: 3/ 72.]] عن الضحاك عن ابن عباس قال: الرعد ملك يسوق السحاب، وإنّ بحور الماء لفي نقرة [[في المصدر: بخار.]] إبهامه وإنه موكل بالسحاب يصرفه حيث ويؤمر وإنه يسبح الله فإذا سبح الرعد لم يبق ملك في السماء إلا رفع صوته بالتسبيح فعندها ينزل المطر [[تفسير القرطبي: 9/ 296.]] وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ أصاب أربد بن ربيعة. قال أبو جعفر الباقر: الصواعق تصيب المسلم وغير المسلم ولا تصيب ذاكرا. وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وقد أصابت أربد وعامر، وقيل نزلت هذه الآية في بعض كفار العرب [[راجع المصدر السابق.]] . حديث إسحاق الحنظلي عن ريحان بن سعيد الشامي عن عماد بن منصور عن عباس بن الناجي قالت: سألت الحسن عن قوله: وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ الآية. فقال كان رجل من طواغيت العرب بعث النبي ﷺ‎ نفرا يدعونه إلى الله ورسوله والإسلام، فقال لهم: أخبروني عن رب محمد هذا الذي يدعوني إليه وما هو، ومم هو أمن فضة أم حديد أم نحاس، فاستعظم القوم مقالته وانصرفوا إلى النبي ﷺ‎ فقالوا: يا رسول الله ما رأينا رجلا آخر أكفر منه، ولا أعتى على الله منه، فقال رسول الله ﷺ‎: «ارجعوا إليه» ، فرجعوا إليه فجعل يزيدهم على مثل مقالته الاولى [[جامع البيان للطبري: 13/ 165، وأسباب نزول الآيات: 183.]] وقال: أجيب محمدا إلى ربّ لا أراه ولا أعرفه فانصرفوا إليه، فقالوا: يا رسول الله ما زادنا على مقالته الأولى إلّا قوله: أجيب محمدا إلى رب لا يعرفه، فقال: فقال رسول الله ﷺ‎: ارجعوا إليه، فرجعوا إليه فبينا هم عنده ينازعونه ويدعونه ويعظمون عليه، وهو يقول: هذه المقالة إذ ارتفعت سحابة فكانت فوق رؤوسهم فرعدت ثم برقت فرمت بصاعقة فأحرقت الكافر وهم جلوس فجاؤوا يسعون ليخبروا النبي ﷺ‎ فاستقبلهم بعض أصحاب النبي ﷺ‎ فقالوا لهم: احترق صاحبكم. قالوا: من أين علمتم؟ قال: أوحى الله إلى النبي ﷺ‎ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ فقال الحسن: ما شَدِيدُ الْمِحالِ؟ قال: شديد الحمل. قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: شديد الأخذ [[التفسير الطبري: 13/ 167.]] . مجاهد: شديد القوة. أبو عبيدة: شديد العقوبة، والمحال والمماحلة المماكرة والمغالبة. وأنشد أبو عبيدة للأعشى: فرع نبع يهتز في غصن المجد ... غزير الندي شديد المحال [[لسان العرب: 11/ 619.]] وقال الآخر: ولبس بين أقوام كلّ ... أعد له الشغازب والمحالا [[لسان العرب: 11/ 619، والبيت لذي الرملة.]] لَهُ لله عزّ وجلّ دَعْوَةُ الْحَقِّ الصدق وأضيفت الدعوة إلى الحق لاختلاف الاسمين وقد مضت هذه المسألة. قال علي (رضي الله عنه) : دَعْوَةُ الْحَقِّ التوحيد. ابن عباس (رضي الله عنه) : شهادة أن لا إله إلّا الله. وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ يعني المشركين الذين يعبدون الأصنام من دون الله لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ يريدونه منهم من نفع أو دفع إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ إلّا كما ينفع باسط كفيه إلى الماء من العطش يبسطه إياهما إليه يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبدا. علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هذا مثل لمشرك عبد مع الله غيره، فمثله كمثل الرجل العطشان الذي نظر إلى خياله في الماء من بعيد فتصور أن يتناوله فلا يقدر عليه، عطية عنه يقول: مثل الأوثان التي يعبدون من دون الله كمثل رجل قد بلغه العطش حتى كربه الموت وكفاه في الماء وقد وضعهم الا يبلغان تناوله. الضحاك عنه يقول: كما أنّ العطشان إذا يبسط كفيه إلى الماء لا ينفعه ما لم يحفظهما ويروي بهما الماء ولا يبلغ الماء فاه مادام باسط كفيه إلى الماء ليقبض على الماء لأن القابض على الماء لا شيء في يده. قال ضابئ بن الحرث المزني: فإني وإيّاكم وشوقا إليكم ... كقابض ماء لم تسقه أنامله [[تفسير الطبري: 13/ 170، ولسان العرب: 10/ 379.]] وقال الشاعر: وأصبحت مما كان بيني وبينها ... من الود مثل القابض الماء باليد [[المصدر السابق، وسيرة ابن هشام: 2/ 464.]] وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ أصنامهم إِلَّا فِي ضَلالٍ يضل عنهم إذا احتاجوا إليه. جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: ما دُعاءُ الْكافِرِينَ ربهم إِلَّا فِي ضَلالٍ لأن أصواتهم تحجب عن الله تعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب