الباحث القرآني

وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً يعني الحرم مأمونا فيه وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ. أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ ويقال جنبته أجنبه جنبا وأجنبته إجنابا بمعنى وأجنبّك وجنّبته تجنيبا. قال الشاعر: وهو أمية بن الأشكر الليثي: وتنفض مهده شفقا عليه ... وتجنّبه فلا يصعي الصّعابا [[تفسير الطبري: 13/ 298.]] والأصنام جمع صنم وهو التمثال المصور قال الشاعر: وهنانة كالزون يجلي ضمه ... تضحك عن أشنب عذب ملثمه [[تفسير الطبري: 13/ 298.]] وقال إبراهيم التيمي في قصصه: من يأمن من البلاء بعد خليل الله إبراهيم (عليه السلام) حين يقول: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ يعني ضل بهن كثير من الناس عن طريق الهدى حتى عبدوهن وهذا من المغلوب. نظيره قوله الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ [[سورة آل عمران: 175.]] أي يخوفكم بأوليائه. فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي على ديني وملتي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. قال السدي: معناه وَمَنْ عَصانِي فتاب. مقاتل بن حيان: وَمَنْ عَصانِي فيما دون الشرك. روى عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنّ رسول الله ﷺ‎ تلا قول إبراهيم (عليه السلام) فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وقول عيسى (عليه السلام) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ [[سورة المائدة: 118.]] الآية، فرفع يداه ثم قال: اللهم أمتي اللهم أمتي وبكى، فقال الله: يا جبرئيل اذهب إلى محمد- وربك أعلم- فسأله ما بك، فأتى جبرئيل فسأله فأخبره رسول الله ﷺ‎ ما قال، فقال الله: يا جبرئيل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا يسؤك. رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي إنما أدخل: «من» للتبعيض ومجاز الآية أسكنت من ذريتي ولدا بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ وهو مكة عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ. قتادة: المحرم من المسجد محرم الله فيه، والاستخفاف بحقه، فإن قيل ما وجه قول إبراهيم عِنْدَ بَيْتِكَ وإنما بنى إبراهيم البيت بعد ذلك بمدة، وقيل معناه عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ الذي كان قبل أن يرفعه من الأرض حتى رفعته في أيام الطوفان. وقيل عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ الذي قد مضى في علمك أنه يحدث في هذا البلد. وكانت قصة الآية على ما ذكره سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إنّ أول من سعى بالصفا والمروة هاجر أم إسماعيل، وإنّ أول ما أحدثت جرّ الذيول لهي وذلك أنها لما فرت من ساره فأرخت من ذيلها ليعفى أثرها فجاء بها إبراهيم ومعها ابنها إسماعيل حتى انتهى بهما إلى موضع البيت فوضعهما ثم رجع فأثبتته فقالت: إلى من تكلنا، فجعل لا يرد عليها شيئا، فقالت: الله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذا لا يضيعنا، فرجعت ومضى [إبراهيم] حتى إذا كان على ثنية كداء أقبل على الوادي. فقال: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ الآية [[صحيح البخاري: 4/ 114.]] . قال: ومع الإنسانة شنّة فيها ماء فنفذ الماء فعطشت فانقطع لبنها فعطش الصبي، فنظرت إلى الجبال أدنى من الأرض فصعدت الصفا فتسمّعت هل تسمع صوتا أو ترى أنيسا فلم تسمع شيئا فانحدرت فلما نزلت على الوادي سعت وما تريد السعي كالإنسان المجهود الذي يسعى وما يريد بذلك السعي، فنظرت أيّ الجبال أدنى من الأرض فصعدت المروة فتسمّعت هل تسمع صوتا أو ترى أنيسا، فسمعت صوتا، فقالت: كالإنسان الذي يكذب سمعه: صه حتى استيقنت، فقالت: قد أسمعتني صوتك فأغثني فقد هلكت وهلك من معي، فإذا هو الملك فجاء بها حتى انتهى بها إلى موضع زمزم فضرب بقدمه ففارت عينا فعجلت الإنسانة فجعلت تفرغ في شنتها، فقال رسول الله ﷺ‎ يرحم الله أم إسماعيل لولا أنها عجلت لكانت زمزم عينا معينا ، وقال لها الملك: لا تخافي الظمأ على أهل هذا البلد فإنما هي عين لشرب ضيفان الله وقال: إن أبا هذا الغلام سيجيء فيبنيان لله بيتا هذا موضعه. قال: ومرت رفقة من جرهم تريد الشام فرأوا الطير على الجبل وقال: إن هذا الطير لعائف على ماء فأشرفوا فإذا هم بالإنسانة فأتوا هاجر وقالوا إن شئت كنا معك وآنسناك والماء ماؤك فأذنت لهم فنزلوا معها وكانوا هناك حتى شبّ إسماعيل وماتت هاجر فتزوج إسماعيل امرأة من جرهم فاستأذن إبراهيم سارة أن يأتي هاجر فأذنت له وشرطت عليه أن لا ينزل [[تاريخ الطبري: 1/ 179. 180 وذكر بقية القصة.]] ، وذكر الحديث في صفة مقام إبراهيم وقد مضت هذه القصة في سورة آل عمران. رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي تفزع وقيل تشتاق إِلَيْهِمْ وهذا دعاء منه (عليه السلام) لهم بأن يرزقهم حجّ بيته الحرام. قال سعيد بن جبير: لو يقال أفئدة الناس تهوى إليهم لحجت اليهود والنصارى والمجوس، ولكنه قال أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ منهم المسلمون. وقال مجاهد: لو قال أفئدة الناس لازدحمت عليه فارس والروم والترك والهند ولكنه أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ ... وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ ما رزقت سكّان القرى ذوات المياه لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ. رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ من جميع أمورنا. وقال ابن عباس ومقاتل من الوجد إسماعيل وأمه حيث أسكنها بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ... وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ. قال بعضهم: هذه صلة فولد إبراهيم (عليه السلام) . وقال الآخرون: قال الله عزّ وجلّ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ وهو قول الله عزّ وجلّ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي أعطاني عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ. قال ابن عباس: ولد إسماعيل لإبراهيم وهو ابن تسع وتسعين سنة وولد له إسحاق وهو ابن مائة واثنتي عشرة سنة. وقال سعيد بن جبير: بشر إبراهيم بإسحاق بعد اثنتي عشرة ومائة سنة. رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي أيضا واجعلهم مقيمي الصلاة رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ. قال المفسرون: أي عبادتي. نظيره قول النبي ﷺ‎: «الدعاء مخ العبادة» [168] [[كنز العمال: 2/ 62 ح 3114.]] ثم قرأ وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي [[سورة غافر: 60.]] فسمى الدعاء عبادة. رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ إن آمنا وتابا، وقد أخبر الله عن عذر خليله في استغفاره لأبيه في سورة التوبة. وَلِلْمُؤْمِنِينَ كلهم. قال ابن عباس: من أمة محمّد يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ أي يبدو ويظهر. قال أهل المعاني: أراد يوم يقوم الناس للحساب فاكتفى بذكر الحساب عن ذكر الناس إذ كان مفهوما.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب