الباحث القرآني

أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ قال إبراهيم النخعي ومقاتل بن حيان والسدي ويمان وابن زيد: دلوكها غروبها. قال الشاعر: هذا مقام قدمي رياح ... غدوة حتّى هلكت براح أي غربت الشمس، وبراح اسم للشمس مثل قطام وجذام ورفاش. ويروى، براح بكسر الباء يعني إن الناظر يضع كفه على حاجبه من شعاعها لينظر ما بقي من غبارها، ويقال ذلك للشمس إذا غاب. قال ذو الرمة: مصابيح ليست باللواتي يقودها ... نجوم لا بالأفلات الدوالك ودليل هذا التأويل حديث عبد الله بن مسعود إنه كان إذا غرب الشمس صلى المغرب وأفطر إن كان صائما ويحلف بالله الذي لا إله إلّا هو أن هذه الساعة لميقات هذه الصلاة وهي التي قال الله أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ. وقال ابن عمرة وابن عبّاس وجابر بن عبد الله وأبو العالية وعطاء وقتادة ومجاهد والحسن ومقاتل وجعفر بن محمّد وعبيد بن حجر: دلوكها زوالها ، وبه قال الشافعي (رضي الله عنه) ، يدل عليه حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو قال: قال رسول الله ﷺ‎: «أتاني جبرئيل لدلوك الشمس حين زالت الشمس فصلى بي الظهر» [42] [[تفسير الطبري: 15/ 171.]] . وقال أبو برزة: كان رسول الله ﷺ‎ يصلي الظهر إذا زالت الشمس ثمّ تلا هذه الآية أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ. قال جابر بن عبد الله: دعوت النبي ﷺ‎ ومن شاء من أصحابه فطعموا عندي ثمّ خرجوا حين زالت الشمس فخرج النبي ﷺ‎ وقال: «أخرج يا أبا بكر فهذا حين دلكت الشمس» . وعلى هذا التأويل يكون الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلها، فدلوك الشمس صلاة الظهر والعصر، وغسق الليل صلاتا العشاء، وتصديق هذا التفسير إن جبرئيل (عليه السلام) حين علم رسول الله ﷺ‎ كيفية الصلاة إنما بدأ بصلاة الظهر. وروى محمّد بن عمار عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ‎ قال: «جاءني جبرئيل ﷺ‎ فصلى صلاة الظهر حين زاغت الشمس ثمّ جاءني فصلى العصر حين كان ظل كل شيء مثله، ثمّ صلى بي المغرب حين غربت الشمس ثمّ صلى بي العشاء حين غاب الشفق ثمّ جاءني فصلى بي الصبح حين طلع الفجر، ثمّ جاءني في الغد فصلى بي الظهر حين كان ظل كلّ شيء مثله ثمّ صلى بي العصر حين كان ظل كلّ شيء مثليه ثمّ صلى بي المغرب حين غربت الشمس ثمّ صلى بي العشاء حين ذهب ثلث الليل ثمّ صلى بي الصبح حين أسفر ثمّ قال: هذه صلاة النبيين من قبلك فألزمهم» [43] [[المصنف لعبد الرزاق: 1/ 532 ح 2029.]] . عطاء بن أبي رياح عن جابر قال: أن جبرئيل أتى النبي ﷺ‎ يعلمه مواقيت الصلاة فتقدم جبرئيل ورسول الله ﷺ‎ خلفه والناس خلف رسول الله ﷺ‎ فصلى الظهر حين زالت الشمس وآتاه حين كان الظل مثل شخصه فصنع كما صنع فتقدم جبرئيل ورسول الله ﷺ‎ خلفه والناس خلف رسول الله ﷺ‎ فصلى العصر. ثمّ أتاه حين وجبت فصلى المغرب وقد تقدم جبرئيل ورسول الله خلفه والناس خلف رسول الله ﷺ‎ فصلى المغرب ثمّ أتاه حين غاب الشفق فتقدم جبرئيل ورسول الله ﷺ‎ خلفه والناس خلف رسول الله ﷺ‎ فصلى العشاء ثمّ أتاه جبرئيل حين انشق الفجر فتقدم جبرئيل ورسول الله ﷺ‎ خلفه والناس خلف رسول الله ﷺ‎ فصلى الغداة ثمّ أتاه اليوم الثاني حين كان ظل الرجل مثل شخصه فصنع مثل ما صنع بالأمس صلى الظهر. ثمّ أتاه حين كان ظل الرجل منّا مثل شخصيه فصنع كما صنع بالأمس فصلى العصر ثمّ أتاه حين وجبت الشمس فصنع كما صنع بالأمس فصلى المغرب متمنيا ثمّ تمنا ثمّ قمنا فأتاه فصنع كما صنع بالأمس صلى العشاء. ثمّ ابتدأ الفجر وأصبح والنجوم بادية مشتبكة فصنع كما صنع بالأمس فصلى الغداة ثمّ قال: ما بين هاتين الصلاتين وقت. وعن نافع بن جبير بن مطعم عن عبد الله بن عبّاس إن رسول الله ﷺ‎ قال: «أتاني جبرئيل عند باب الكعبة مرتين فصلى الظهر حين كان الفيء مثل الشراك ثمّ صلى العصر حين كان كل شيء بقدر ظله ثمّ صلى المغرب حين أفطر الصائم ثمّ صلى العشاء حين غاب الشفق ثمّ صلى الصبح حين حرم الطعام والشراب على الصائم ثمّ صلى الظهر في المرة الأخيرة حين كان كل شيء بقدر ظله لوقت العصر بالأمس، ثمّ صلى العصر حين كان ظل شيء مثليه ثمّ صلى المغرب للوقت الأول لم يؤخرها ثمّ صلى العشاء الأخيرة حين ذهب ثلث الليل ثمّ صلى الصبح حين أسفره ثمّ التفت فقال: يا محمّد هذا وقت الأنبياء من قبلك، الوقت فيما بين هذين الوقتين» [44] [[المصدر السابق ح 2028.]] . إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ إقباله بظلامه. قال ابن عبّاس: بدو الليل. قتادة: صلاة المغرب. مجاهد: غروب الشمس. أبو عبيدة: سواده. ابن قيس الرقيات: إن هذا الليل قد غسقا ... فاشتكيت الهم والأرقا [[لسان العرب: 10/ 288.]] وقيل: غسق يغسق غسوقا [[راجع تفسير القرطبي: 10/ 304.]] . وَقُرْآنَ الْفَجْرِ أيّ صلاة الفجر فسمى الصلاة قرآنا لأنها لا تجوز إلّا بقرآن، وقيل: يعني قُرْآنَ الْفَجْرِ ما يقرأ به في صلاة الفجر. وانتصاب القرآن من وجهين: أحدهما: أنه عطف على الصلاة أي أقم قرآن الفجر، قاله الفراء، وقال أهل البصرة: على [الإغراء] [[هكذا في الأصل.]] أي وعليك بقرآن الفجر. وقال بعضهم: اجتماعه وبيانه وحينئذ يكون مجاز أقم الصلاة لدلوك الشمس بقرآن الفجر. إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً يشهد ملائكة الليل وملائكة النهار ينزل هؤلاء ويصعد هؤلاء فهو في آخر ديوان الليل وأول ديوان النهار، وفي هذه الآية دليل واضح على تعلق وجوب الصلاة بأول الوقت فاستحباب التغليس بصلاة الفجر. الزهوي عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ‎: «فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة ويجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح» [[كنز العمال: 7/ 553 ح 20218، ومسند أحمد: 2/ 266.]] . قال: يقول أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) . وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ أي قم بعد نومك وصل. قال المفسرون: لا يكون التهجد إلّا بعد النوم يقال: تهجد إذا سهر، وهجد [[الهجود النوم منه.]] إذا نام. وقال بعض أهل اللغة: يقال تهجد إذا نام وتهجد إذا سهر وهو من الاضداد. روى حميد بن عبد الرحمن بن عوف: عن رجل من الأنصار إنه كان مع رسول الله ﷺ‎ في سفر وقال: لأنظرنّ كيف يصلي النبي ﷺ‎ قال: فنام رسول الله ﷺ‎ ثمّ استيقظ فرفع رأسه إلى السماء فتلا أربع آيات من سورة آل عمران: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... لَآياتٍ ثمّ أهوى بيده إلى القربة وأخذ مسواكا فاستنّ به ثمّ توضأ ثمّ صلى ثمّ نام ثمّ استيقظ، فصنع كصنيعه أول مرة، ويزعمون أنه التهجد الذي أمره الله تعالى [[السنن الكبرى: 6/ 84 ح 10139.]] . نافِلَةً لَكَ قال ابن عبّاس: خاصة لك، مقاتل بن حيان: كرامة وعطاء لك. ابن عبّاس: فريضتك. وقال: أمر النبي ﷺ‎ بقيام الليل خاصة وكتبت عليه، ويكون معنى النافلة على هذا القول فريضة فرضها الله عليك فضلا عن الفرائض التي فرضها الله علينا زيادة. وقال قتادة: تطوعا وفضيلة [[تفسير الطبري: 15/ 179.]] . وقال بعض العلماء: كانت صلاة الليل فرضها عليه في الابتداء ثمّ رخص له في تركها فصارت نافلة [[راجع تفسير القرطبي: 10/ 309.]] . وقال مجاهد: والنافلة للنبي ﷺ‎ خاصة من أجل أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فما عمل من عمل سوى المكتوبة فهو نافلة لك من أجل أنه لا يعمل ذلك كفارة لذنوبهم، فهي نوافل له وزيادة للناس يعملون ويصلون ما سوى المكتوبة لذنوبهم في كفارتها فليست للناس نوافل. عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً. قال أهل التأويل: عسى ولعلّ من الله جزاء لأنه لا يدع أن يفعل لعباده ما أطمعهم فيه من الجزاء على طاعاتهم لأنه ليس من صفته الغرور، ولو أن رجلا قال لآخر: اهدني والزمني لعلي أن أنفعك فلزمه ولم ينفعه مع إطماعه فيه ووعده لكان عارا له وتعالى الله عن ذلك، وأما المقام المحمود فالمقام الذي يشفع فيه لأمته يحمده فيه الأولون والآخرون. عاصم بن أبي النجود عن زيد عن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ‎: «لو كنت متخذا خليلا لاتخذت ابن أبي قحافة خليلا ولكن صاحبكم خليل الله ثمّ قرأ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً» [45] [[علل الدارقطني: 5/ 320، وضعيف سنن الترمذي: 490 ح 753.]] . وعن حذيفة بن اليمان قال: يجمع الناس في صعيد واحد فلا تكلم نفس فتكون أول من يدعو محمّدا ﷺ‎ فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك والمهدي من هديت وبك وعبدك بين يديك وبك وإليك لا ملجأ ولا منجا منك إلّا إليك تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت فذلك قوله تعالى عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً. قتادة عن مأمون بن مالك عن النبي ﷺ‎ قال: «يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيلهمون فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فأراحنا من مكاننا هذا فيأتون آدم (عليه السلام) فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله عزّ وجلّ بيده وأسجد لك ملائكته وعلّمك أسماء كل شيء فاشفع لنا إلى ربك حتى يريحنا من هذا المكان فيقول لهم لست هناك، ويذكر ذنبه الذي أصابه فيستحي ربّه من ذلك ولكن ائتوا نوحا فإنه أول الرسل بعثه الله إلى أهل الأرض، فيأتون نوحا فيقول لست هناك ويذكر خطيئته وسؤاله ربه هلاك قومه فيستحي ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن فيأتون إبراهيم (عليه السلام) فيقول: لست هناك ولكن ائتوا موسى عبدا كلمه الله وأعطاه التوراة فيأتون موسى (عليه السلام) فيقول: لست هناك، ويذكر لهم النفس التي قتل بغير نفس فيستحي من ذلك فيقول ائتوا عيسى عبد الله ورسوله هو كلمة الله وروحه فيأتون عيسى (عليه السلام) فيقول لست هناك ولكن ائتوا محمّدا عبدا غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيأتونني فأقوم وأمشي بين سماطين من المؤمنين حتّى أستأذن على ربي فيؤذن لي فإذا رأيت ربي خررت ساجدا لربي فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثمّ يقول: ارفعك رأسك ثم يقول: قل يسمع وسلّ تعط واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه ثمّ أشفع فيحدّ لي حدا فأدخلهم الجنة، ثمّ أعود إليه الثانية فإذا رأيت ربي وقعت أو خررت ساجدا لربي فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثمّ قال: ارفع يا محمّد رأسك قل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأحمد بتحميد يعلمنيه ثمّ أشفع فيحدّ لي حدا فأدخلهم الجنة. ثمّ أعود إليه الثالثة فإذا رأيت ربي وقعتا وخررت ساجدا لربي فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثمّ يقال ارفع يا محمّد رأسك قل تسمع وسل تعطه واشفع فشفع فأرفع رأسي فأحمده تحميد يعلمنيه ثمّ أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة ثمّ أعود إليه الرابعة، وأقول يا رب ما بقي إلّا من حبسه القرآن. قال أنس بن مالك: إن النبي ﷺ‎ قال: «يخرج من النار من قال لا إله إلّا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة ثمّ يخرج من النار من قال لا إله إلّا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة» [46] [[بطوله في تفسير ابن كثير: 3/ 60.]] . وروى أبو عاصم محمّد بن أبي أيوب الثقفي عن يزيد بن صهيب قال: كنت قد شغلني رأي من رأى الخوارج وكنت رجلا شابا، قال: فخرجنا في عصابة ذوي عدد يزيد أن يحج ثمّ يخرج على الناس فمررنا على المدينة فإذا جابر بن عبد الله يحدث القوم عن رسول الله ﷺ‎ جالس إلى سارية وإذا هو قد ذكر الجهنميين فقلت له: يا صاحب رسول الله ما هذا الذي تحدث والله عزّ وجلّ يقول: إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وكُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها. فقال لي: تقرأ القرآن؟ قلت: نعم فقال: فهل سمعت مقام محمّد المحمود الذي يبعثه الله فيه؟ قلت: نعم، قال: فإنه مقام محمّد ﷺ‎ المحمود الذي يخرج الله به من يخرج من النار [[إلى هنا في تفسير الدر المنثور: 4/ 198.]] . ثمّ نعت وضع الصراط ومرور الناس عليه قال: وأخاف أن لا أكون حفظت ذلك غير أنه قد زعم أن قوما يخرجون من النار بعد أن يكونوا فيها، قال: فيخرجون كأنهم عيدان السماسم فيدخلون نهرا من أنهار الجنة فيغتسلون فيه فيخرجون كأنهم القراطيس. قال: فرجعنا وقلنا أيرون كهذا الشيخ يكذب على رسول الله ﷺ‎ فو الله ما خرج منا غير رجل واحد. الزهري عن علي بن حسين قال: قال النبي ﷺ‎: «إذا كان يوم القيامة مدّ الأرض مدّ الأديم [بالعكاظي] [[هكذا في الأصل.]] حتّى لا يكون لبشر من الناس إلّا موضع قدميه» [47] . قال النبي ﷺ‎: «فأكون أنا أول من يدعى وجبرئيل عن يمين الرحمن والله ما رآه قبلها، وأقول: يا رب إن هذا أخبرني أنك أرسلته إليّ فيقول الله تعالى: صدق، ثمّ أشفع فأقول يا رب عبادك عبدوك في أطراف الأرض قال: وهو المقام المحمود» [48] [[تفسير الطبري: 15/ 183.]] . وروى سفيان عن سلمة بن سهيل عن أبي الزعراء قال: قال عبد الله: يكون أول شافع يوم القيامة روح القدس جبرئيل ثمّ إبراهيم ثمّ موسى ثمّ عيسى ثمّ يقوم نبيكم ﷺ‎ رابعا فلا يشفع أحد بعده فيما يشفع فيه وهو المقام المحمود [[تفسير الطبري: 15/ 180.]] . سعيد بن عروبة عن قتادة عن أنس أن النبي ﷺ‎ قال: إن بالبراق قال لجبرائيل: والذي بعثك بالحق لا يركبني حتّى يضمن لي الشفاعة. عبد الله بن إدريس عن عبد الله عن نافع عن ابن عمرو قال: إن رسول الله ﷺ‎ قرأ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً. قال: يدنيني فيقعدني معه على العرش. ابن فنجويه: أجلسني معه على سريره. أبو أسامة عن داود بن يزيد [الأزدي] عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ‎ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قال: «الشفاعة» [49] . عاصم عن أبي وائل عن عبد الله قال: إن الله تعالى اتخذ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا وإن صاحبكم خليل الله وأكرم الخلق على الله ثمّ قرأ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قال: يقعده على العرش. وروى سعيد الجروي عن سيف السدوي عن عبد الله بن سلام قال: إذا كان يوم القيامة يؤتي نبيكم ﷺ‎ فيقعد بين يدي الرب عزّ وجلّ على الكرسي. وروى ليث عن مجاهد في قوله عزّ وجلّ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قال: يجلسه على العرش. قال الأستاذ الإمام أبو القاسم الثعلبي: هذا تأويل غير مستحيل لأن الله تعالى كان قبل خلقه الأشياء قائما بذاته ثمّ خلق الأشياء من غير حاجة له إليها، بل إظهارا لقدرته وحكمته ليعرف وجوده وحده وكمال علمه وقدرته بظهور أفعاله المتقنة بالحكمة، وخلق لنفسه عرشا استوى عليه كما يشاء من غير أن صار له مما شاء أو كان له العرش مكان بل هو الآن على الصفة التي كان عليها قبل أن خلق المكان والزمان، فعلى هذا القول سواء أقعد محمدا ﷺ‎ على العرش أو على الأرض لأن استواء الله على العرش ليس بمعنى الاستقبال والزوال أو تحول الأحوال من القيام والقعود أو الحال الذي يشغل العرش، بل هو مستو على عرشه كما أخبر عن نفسه بلا كيف، وليس إقعاده محمّدا ﷺ‎ على العرش موجبا له صفة الربوبية أو مخرجا إياه من صفة العبودية بل هو رفع لمحله وإظهار لشرفه وتفضيل له على غيره من خلقه، وأما قولهم: في الأخبار معه، فهو شابه قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ [[سورة الأعراف: 205.]] ورَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ [[سورة التحريم: 11.]] ونحوهما من الآيات، كل ذلك راجع إلى الرتبة والمنزلة لا إلى المكان والجهة والله أعلم. وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ قرأه العامّة: بضم الميمين على معنى الإدخال والإخراج. وقرأ الحسن: بفتحهما على معنى الدخول والخروج. واختلف المفسرون في تأويلها. فقال ابن عبّاس والحسن وقتادة أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ المدينة وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ من مكة نزلت حين أمر رسول الله ﷺ‎ بالهجرة فروى أبو حمزة الثمالي عن جعفر بن محمّد عن محمّد بن المنكدر قال: قال رسول الله ﷺ‎: «حين دخل الغار رَبِّ أَدْخِلْنِي يعني الغار مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي من الغار مُخْرَجَ صِدْقٍ إلى المدينة» [50] [[تفسير أبي حمزة الثمالي: 237 ح 187 عن الثعلبي.]] . وقال الضحاك: وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ من مكة آمنا من المشركين أَدْخِلْنِي مكة مُدْخَلَ صِدْقٍ ظاهرا عليها بالفتح. عطية عن ابن عبّاس أَدْخِلْنِي القبر مُدْخَلَ صِدْقٍ عند الموت وَأَخْرِجْنِي من القبر مُخْرَجَ صِدْقٍ عند البعث. الكلبي أَدْخِلْنِي المدينة مُدْخَلَ صِدْقٍ حين أدخلها بعد أن قصد الشام وَأَخْرِجْنِي منها إلى مكة افتحها لي. مجاهد أَدْخِلْنِي في أمرك الذي أدخلتني به من النبوة مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي منه مُخْرَجَ صِدْقٍ. قتادة عن الحسن: أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ في طاعتك وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ بالصدق أي سالما غير مقصر فيها. وقيل: معناه أَدْخِلْنِي حيث ما أدخلتني بالصدق وَأَخْرِجْنِي بالصدق أي لتجعلني ممن أدخل بوجه وأخرج بوجه فإن ذا الوجهين لا يكون أمينا عند الله. وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً مجاهد: حجة بينة. قال الحسن: يعني ملكا قويا ينصرني به على من والاني وعزّا ظاهرا أقيم به دينك، قال: فوعده الله تعالى لينزعن ملك فارس والروم وعزتهما فجعله له. قتادة: إن نبي الله ﷺ‎ علم أن لا طاقة له بهذا الأمر إلّا بسلطان فسأل سُلْطاناً نَصِيراً بكتاب الله وحدوده، وفرائضه وإقامة دينه وإن السلطان رحمة من الله جعلها من أظهر عباده لا يقدر بعضهم على بعض وأكل شديدهم ضعيفهم. وقيل: هو فتح مكة. وروى موسى بن إسماعيل عن حماد عن الكلبي في قوله وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً قال: سلطانه النصير. عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية: استعمله رسول الله ﷺ‎ على أهل مكة [قال له:] انطلق فقد استعملتك على أهل الله يعني مكة فكان شديدا على [المنافقين] ليّنا للمؤمنين. قال: لا والله لا أعلم متخلفا ينطلق عن الصلاة في جماعة إلّا ضربت عنقه فإنه لا يتخلف عنها إلّا منافق. فقال أهل مكة: يا رسول الله تستعمل على آل الله عتاب بن أسيد أعرابيا حافيا؟ فقال رسول الله ﷺ‎: «إني رأيت فيما يرى النائم، كأن عتاب بن أسيد أتى باب الجنة فأخذ بحلقه الباب ففلقها [[في الإصابة: 4/ 357: فقعقها.]] لا شديدا حتّى فتح له فدخلها فأعز الله به الإسلام لنصرته المؤمنين على من يريد ظلمهم فذلك السلطان النصير» [51] [[كنز العمال: 11/ 737 ح 33604 بتفاوت.]] . وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ يعني أتى وَزَهَقَ الْباطِلُ أي ذهب الشيطان وهلكه، قاله قتادة. وقال السدي: الحقّ الإسلام، والباطل الشرك. وقيل: الحق دين الرحمن والباطل الأوثان. وقال ابن جريح: الحق الجهاد والقتال. إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً ذاهبا. يقال: زهقت نفسه إذا خرجت وزهق السهم إذا جاوز الفرض فاستمر على جهته. قال ابن مسعود وابن عبّاس: لما افتتح رسول الله ﷺ‎ مكة وجد حول البيت ثلاثمائة وستين صنما، صنم كل قوم بحيالهم ومعه مخصرة فجعل يأتي الصنم فيطعن في عينه أو في بطنه ثمّ يقول جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً بجعل الصنم ينكب لوجهه وجعل أهل مكة يتعجبون، ويقولون فيما بينهم ما رأينا رجلا أسحر من محمّد. وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ أي بيان من الضلالة والجهالة بيّن للمؤمن ما يختلف فيه ويشكل عليه، فيشفي به من الشبهة ويهدي به من الحيرة وإذا فعل ذلك رحمه الله، فهو شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها كما يشفي المريض إذا زالت العلل عنه. قتادة: إذا سمعه المؤمن انتفع به وحفظه ووعاه. وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً لأنه لا ينتفع به ولا يحفظه ولا يعيه. وقال همام: سمعت قتادة يقول: ما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان ثمّ قرأ هذه الآية. وروت ساكنة بنت الجرود قالت: سمعت رجاء الغنوي يقول: قال رسول الله ﷺ‎: «من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله» [52] [[تفسير القرطبي: 10/ 318.]] . وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ عن ذكرنا وَنَأى بِجانِبِهِ وتباعدنا بنفسه. وقال عطاء: تعظم وتكبر. واختلف القراء في هذا الحديث، فقرأ أبو عمر وعاصم ونافع وحمزة في بعض الروايات عنهم: بفتح النون وكسر الهمزة على الإمالة. وقرأ الكسائي وخلف وحمزة في سائر الروايات: بكسرهما، اتبعوا الكسرة. وقرأ أكثرهم: بفتحهما على التفخيم وهي اللغة العالية. وقرأ أبو جعفر وعامر: بالنون ولها وجهان: أحدهما: مقلوبة من نأي كما يقال رأى وراء، والثاني: إنها من النوء وهو النهوض والقيام ويقال أيضا للوقوع الجلوس نوء وهو من الاضداد. وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ الشدة والضر كانَ يَؤُساً قنوطا قُلْ يا محمّد كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ. قال ابن عبّاس: على ناحيته. مجاهد: على حدته. الحسن وقتادة: على نيته. ابن زيد: على دينه. مقاتل: على [جدلته] [[هكذا في الأصل.]] . الفراء: على طريقة التي جبل عليها. أبو عبيدة والقتيبي: على خليقته وطبيعته. وهو من الشكل، يقال: لست على شكلي وشاكلتي، وقيل: على سبيله الذي اختاره لنفسه، وقيل: على اشتباهه من حولهم، أشكل عليّ الأمر أي اشتبه، وكل هذه الأقاويل متقاربة. يقول العرب: طريق ذو شواكل إذا ينشعب الطرق [منه] ، ومجاز الآية: كل يعمل ما يشبهه، كما قيل في المثل السائر: كل امرئ يشبه فعله ما فعل المروء فهو أهله. فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب