الباحث القرآني

مريم مكيّة كلّها، وهي ثمان وتسعون آية، تسع تسعون حجازي، وسبعمائة واثنتان وستّون كلمة، وثلاثة ألاف وثمانمائة حرف وحرفان أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن الحسن المقري غير مرّة، قال أبو بكر أحمد بن إبراهيم وأبو الشيخ عبد الله بن محمد قالا: قال أبو إسحاق إبراهيم بن شريك، عن أحمد بن يونس اليربوعي، عن سلام بن سليم المدائني، عن عمرو بن كثير، عن يزيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله ﷺ‎: «من قرأ سورة مريم أعطي من الأجر حسنات بعدد من صدّق بزكريّا وكذب به، ويحيى ومريم وعيسى وموسى وهارون وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل عشر حسنات، وبعدد من دعا لله ولدا، وبعدد من لم يدع له ولدا» [114] . بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله عزّ وجلّ كهيعص قرأ أبو عمرو بكسر الهاء وفتح الياء، ضدّه شامي وحمزة وخلف، بكسرهما، والكسائي، بفتحهما، ابن كثير وعاصم ويعقوب، واختلفوا في معناها. فقال ابن عباس: هو اسم من أسماء الله عزّ وجلّ، وقيل: إنّه اسم الله الأعظم، وقال قتادة: هو اسم من اسماء القرآن، وقيل: هو اسم السورة، وقال عليّ بن أبي طالب وابن عباس: هو قسم أقسم الله تعالى به ، وقال الكلبي: هو ثناء أثنى الله عزّ وجلّ به [على] نفسه. أخبرنا عبد الله بن حامد عن حامد بن محمد، قال أبو عبد الله محمد بن زياد القوقسي، قال أبو عمّار عن جرير، عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله عزّ وجلّ كهيعص قال: الكاف من كريم، والهاء من هاد، والياء من رحيم والعين من عليم وعظيم، والصاد من صادق، وقال الكلبي أيضا: معناه: كاف لخلقه، هاد لعباده، يده فَوْقَ أَيْدِيهِمْ، عالم ببريته، صادق في وعده ذِكْرُ رفع ب كهيعص وإن شئت قلت: هذا ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا، وفيه تقديم وتأخير، معناه ذكر ربك عبده زكريا برحمته وزكريا في موضع نصب. وقرأ بعضهم عَبْدُهُ زَكَرِيّا بالرفع على أنّ الفعل له إِذْ نادى دعا ربّه في محرابه حيث يقرب القربان نداء خفيّا دعاء سرّا من قومه في جوف الليل، مخلصا فيه لم يطلع عليه أحد إلّا الله عزّ وجلّ قال رَبِّ إِنِّي وَهَنَ ضعف الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً شمطا، يقول: شخت وضعفت، ومن الموت قربت وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا يقول: يا رب عوّدتني الإجابة فيما كنت تجيبني إذا دعوتك ولا تخيّبني. قوله وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي قرأ عثمان ويحيى بن يعمر، (خَفَتِّ) بفتح الخاء والفاء وكسر التاء مشدّدا الْمَوالِي بسكون الياء بمعنى ذهب الموالي وقلّت، الباقون: (خِفْتُ) بكسر الخاء وضم التاء من الخوف، الموالي نصبا، خاف أن يرثه غير الولد، وقيل: خاف عليهم تبديل دين الله عزّ وجلّ وتغيير أحكامه وأن لا يحسنوا الخلافة له على أمّته، فسأل ربّه ولدا صالحا يأمنه على أمّته، والموالي بنو العمّ وقيل: الاولي والولي والمولى في كلام العرب واحد، وقال مجاهد: العصبة، وقال أبو صالح: الكلالة، وقال الكلبي: الورثة من ورائي من بعد موتي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً لا تلد فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ أعطني من عندك وَلِيًّا ابنا يَرِثُنِي وَيَرِثُ وقرأ يحيى بن يعمر ويحيى بن وثاب والأعمش وأبو عمرو والكسائي بالجزم فيهما على جواب الدّعاء، وقرأ الباقون بالرفع على الحال والصفة، أي وليّا وارثا، وقرأ ابن عبّاس ويحيى بن يعمر: يرثني، وأرث من آل يعقوب النبوّة، يعني يرث النبوّة والعلم، وقال الحسن: معناه يَرِثُنِي مالي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ النبوّة والحبورة، وقال الكلبي: هو يعقوب بن ماثان أخو زكريا وليس يعقوب أب يوسف وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا أي صالحا برا تقيا مرضيّا، وقال أبو صالح: معناه: اجعله نبيا كما جعلت أباه نبيّا. أخبرنا عبد الله بن حامد الأصفهاني وشعيب بن محمد البيهقي قالا: أخبرنا: مكّي بن عبدان عن أحمد بن الأزهر عن روح بن عبادة عن سعيد عن قتادة عن بشر بن نهيك أنّ رسول الله ﷺ‎ كان إذا قرأ هذه الآية يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ يقول عند ذلك: «رحم الله زكريا، ما كان عليه من ورثة» [[تفسير الطبري: 16/ 61.]] . قوله يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ فيه إضمار واختصار، يعني فاستجاب دعاءه فقال: يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ ولد ذكر اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا قال قتادة والكلبي: لم يسمّ أحد قبله يحيى، وهي رواية عكرمة عن ابن عباس، وقال سعيد بن جبير وعطاء: لم نجعل له شبيها، ومثله دليله قوله تعالى هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [[سورة مريم: 65.]] أي مثلا وعدلا، وهي رواية مجاهد عن ابن عباس، وتأويل هذا القول أنّه لم يكن له مثل لأنّه لم يهمّ بمعصيته قط وقيل: لم يكن له مثل في أمر النساء لأنه كان سَيِّداً وَحَصُوراً وقال علي بن أبي طالب عن ابن عباس: لم تلد العواقر مثله ولدا، وقيل: إن الله تعالى اشترط القبل لأنه جل ذكره أراد أن يخلق بعده من هو أفضل منه وهو محمّد عليه السلام ، وقيل: إنّ الله تعالى لم يرد بهذا القول جميع الفضائل كلّها ليحيى، وقيل: إنما أراد في بعضها لأن الخليل والكم عليهما السلام كانا قبله وكانا أفضل منه. قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً أي وامرأتي عاقر كقوله كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا [[سورة مريم: 29.]] أي من هو في المهد صبيّ وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا أي يبسا، قال قتادة: نحول العظم يقال: ملك عات إذا كان قاسي القلب غير ليّن، وقال أبو عبيد: هو كل مبالغ في شر أو كفر فقد عتا وعسا، وقرأ أبيّ وابن عباس عسيّا، وقرأ يحيى بن وثاب وحمزة والكسائي عِتِيًّا بكسر العين ومثله جِثِيًّا وصِلِيًّا وبكيّا والباقون بالضم فيهما وهما لغتان. قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ، من قبل يحيى، وَلَمْ تَكُ شَيْئاً قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً على حمل امرأتي قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا أي صحيحا سليما من غير ما بأس ولا خرس، وكان الناس من وراء المحراب ينتظرونه أن يفتح لهم الباب فيدخلون ويصلّون إذ خرج عليهم زكريّا متغيرا لونه فأنكروه فقالوا له: ما لك يا زكريّا؟ فَأَوْحى أي أومى إِلَيْهِمْ، ويقال: كتب في الأرض أَنْ سَبِّحُوا وصلّوا لله عزّ وجلّ بُكْرَةً وَعَشِيًّا والسبحة الصلاة. قوله يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ بجدّ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ يعني الفهم صَبِيًّا يعني في حال صباه، وقال معمّر: جاء صبيان إلى يحيى بن زكريّا فقالوا: اخرج بنا نلعب، فقال: ما للّعب خلقت، فأنزل الله عزّ وجلّ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا رحمة من عندنا، قال الحطيئة لعمر بن الخطّاب: تحنّن علىّ هداك المليك ... فإن لكلّ مقام مقالا [[لسان العرب: 11/ 573.]] أي ترحم، ومنه قوله: حنانيك مثل سعديك، قال طرفة: أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشر أهون من بعض [[الصحاح: 5/ 2104.]] وأصله من حنين الناقة. أخبرنا عبد الله بن حامد عن أحمد بن عبد الله عن محمد بن عبد الله بن سليمان عن عثمان عن حريز بن عبد الحميد عن أبي خالد عن عكرمة عن ابن عبّاس قال: ما أدري ما حَناناً إلا أن يكون بعطف رحمة الله عز وجلّ على عباده وأخبرنا عبد الله بن حامد عن حامد بن محمد عن بشر بن موسى عن هوذة عن عوف بلغني في قوله الله عزّ وجلّ وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا قال: الحنان: المحبّة وَزَكاةً قال ابن عباس يعني بالزكاة طاعة الله عزّ وجلّ والإخلاص. وقال الضحاك: هي الفعل الزاكي الصالح، وقال الكلبي: يعني صدقة تصدق والده بها على أبويه، وقيل: بركة ونماء وزيادة. وقيل: جعلناه طاهرا من الذنوب. وَكانَ تَقِيًّا مسلما مخلصا مطيعا. أخبرنا سعيد بن محمد وعبد الله بن حامد قالا: أخبرنا علي بن عبدان، حدّثنا أبو الأزهر، حدّثنا ابن القطيعي قال: سمعت الحسن قال: إنّ رسول الله ﷺ‎ قال: «والذي نفسي بيده ما من الناس عبد إلّا قد همّ بخطيئة أو عملها غير يحيى بن زكريا» [[مسند أحمد: 1/ 254، وكنز العمال: 11/ 521.]] . وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ بارا بهما لا يعصيهما وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً قالا: متكبرا. قال الحلبي: الجبّار الذي يضرب ويقتل على الغضب. عَصِيًّا شديد العصيان لربّه. وَسَلامٌ عَلَيْهِ قال الحلبي: سلام له منّا حين ولد وحين يموت وحين يبعث حيّا. أخبرنا أبو محمد الأصفهاني وأبو صالح النيسابوري قالا: أنبأنا أبو حاتم التميمي، حدثنا أبو الأزهر السّليطيّ، حدثنا رؤبة، حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن أن يحيى وعيسى عليهما السلام التقيا فقال له عيسى: استغفر لي فأنت خير مني، وقال يحيى: استغفر لي، أنت خير منّي، فقال له عيسى: أنت خير مني، سلّمت على نفسي وسلّم الله عليك.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب