الباحث القرآني

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ نزلت في ططيوس بن استيسانوس الرّومي وأصحابه وذلك إنّهم غزوا بني إسرائيل فقتلوا مقاتليهم وسبوا ذراريهم وحرقوا التّوراة وخرّبوا بيت المقدس وقذفوا فيه الجيف وذبحوا فيه الخنازير وكان خرابا إلى أن بناه المسلمون في أيّام عمر بن الخطّاب. قتادة والسّدي: هو بخت نصر وأصحابه غزوا اليهود وخرّبوا بيت المقدس وأعانهم على ذلك النّصارى ططيوس وأصحابه من أهل الرّوم. قال السّدي: من أجل إنّهم قتلوا يحيى بن زكريّا، وقال قتادة: حملهم بعض اليهود على معاونة بخت نصّر البابلي المجوسي فأنزل الله إخبارا عن ذلك: وَمَنْ أَظْلَمُ أيّ أكفر وأغثا مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ يعني بيت المقدس ومحاريبه. (أَنْ يُذْكَرَ) في محل نصب المفعول الثاني لأنّ المنع يتعدّى إلى مفعولين تقديره ممّن منع مساجد الله. الذّكر، وإن شئت جعلت نصبا بنزع حرف الصّفة أي: من أن يذكر. وَسَعى فِي خَرابِها أي في عمل خرابها. أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ وفي مصحف أبي الّا خيّفاء. قال ابن عبّاس: لا يدخلها بعد عمارتها رومي إلّا خائفا لو علم به قتل. قتادة ومقاتل: لا يدخل بيت المقدس أحد من النصارى إلّا متنكرا مشارفه لو قدر عليه عوقب ونهك ضربا. السّدي: أخيفوا بالجزية، وقال أهل المعاني: هذا خبر فيه معنى للأمر كقول: اجهضوهم بالجهاد كي لا يدخلها أحد منهم إلّا خائفا من القتل والسّبي نظيره قوله: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ... إلى أَبَداً [[سورة الأحزاب: 53.]] نهاهم عن لفظ الخبر فمعنى الآية: ما ينبغي لهم ولكم وهذا وجه الآية. لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ عذاب وهوان. قال قتادة: هو القتل للحربي والجزية للذّمي. مقاتل والكلبي: فتح مدائنهم الثلاثة: قسطنطينية وروميّة وعمورية. السّدي: هو إنّه إذا قام المهدي [في آخر الزمان] فتحت قسطنطينية فقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم فذلك خزيهم في الدّنيا. وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ وهو النّار. إسماعيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: لا تقوم السّاعة حتّى تفتح مدينة هرقل ويؤذّن فيها المؤذنون ويقسّم فيها المال بالترضية فينقلبون بأكثر أموال رآها النّاس قط فبينا هم كذلك إذا أتاهم إنّ الدجّال قد خلفكم في أهليكم فيلقون ما في أيديهم ويجيئونه ويقاتلونه. وقال عطاء وعبد الرّحمن بن عوف: نزلت هذه الآية في مشركي عرب مكّة وأراد بالمساجد المسجد الحرام منعوا محمّدا ﷺ‎ وأصحابه من حجّه والصّلاة فيه عام الحديبية وإذا منعوا من تعميره بذكر الله عزّ وجلّ فقد سعوا في خرابه يدلّ عليه قوله تعالى: ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ [[سورة التوبة: 17.]] الآية أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ يعني أهل مكّة يقول: أفتحها عليكم حتّى تدخلوها أو تكونوا أولى بها منهم ففتحها الله عليهم وأمر رسول الله ﷺ‎: مناديا فنادى: ألا لا يحجّنّ بعد هذا العام مشرك ولا يطوفنّ بالبيت عريان فطفق المشركون يقولون: اللهمّ إنّا قد منعنا أن نشرك بهذا لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ الذّل والقتل والسّبي والنّفي وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ. وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ الآية: اختلفوا في سبب نزولها فقال ابن عبّاس: خرج نفر من أصحاب رسول الله ﷺ‎ في سفر وذلك قبل تحويل القبلة إلى الكعبة فأصابهم الضّباب فحضرت الصّلاة فتحروا القبلة وصلّوا فمنهم من صلّى إلى المشرق ومنهم من صلّى إلى المغرب. فلما ذهب الضّباب استبان لهم إنّهم لم يصيبوا. فلمّا قدموا سألوا رسول الله ﷺ‎ عن ذلك فنزلت هذه الآية بذلك. وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: كنّا مع رسول الله ﷺ‎ في ليلة سوداء مظلمة فنزلنا منزلا فجعل الرّجل يتّخذ أحجارا فيعمل مسجدا يصلّي فيه، فلمّا أصبحنا إذا نحن قد صلّينا إلى غير القبلة فقلنا يا رسول الله: لقد صلّينا ليلتنا هذه إلى غير القبلة فأنزل الله هذه الآية. قال عبد الله بن عمر: نزلت في صلاة المسافر يصلّي حيثما توجّهت به راحلته تطوعا، وكان رسول الله ﷺ‎ يصلّي على راحلته جائيا من مكّة إلى المدينة. وعن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال: كان رسول الله ﷺ‎ يصلّي على راحلته في السّفر حيثما توجّهت به [[كتاب الأم للشافعي: 1/ 118، ومسند أحمد: 2/ 66.]] . قال عكرمة: نزلت في تحويل القبلة لما حوّلت إلى الكعبة. فأنزل الله تعالى وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ. فَأَيْنَما تُوَلُّوا أيها المؤمنون في سفركم وحضركم. فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ قبلة الله التي وجهكم إليها فاستقبلوها يعني الكعبة، وقال أبو العالية: لما غيّرت القبلة إلى الكعبة عيّرت اليهود المؤمنين في انحرافهم من بيت المقدس. فأنزل الله تعالى هذه الآية جوابا إليهم. عطاء وقتادة: نزلت في النجاشي وذلك إنّه توفّي، فأتى جبرئيل النبيّ ﷺ‎ فقال: إنّ أخاكم النجاشي قد مات فصلّوا عليه. فقال أصحاب رسول الله ﷺ‎: كيف نصلّي على رجل مات وهو يصلي إلى غير قبلتنا؟ وكان النجاشي يصلّي إلى بيت المقدس حتّى مات. فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال مجاهد والحسن والضحّاك: لمّا نزلت: وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [[سورة غافر: 60.]] قالوا أين ندعوه؟ فنزلت وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ملكا وخلقا فَأَيْنَما تُوَلُّوا تحوّلوا وجوهكم فَثَمَّ هناك وَجْهُ اللَّهِ. وقال الكلبي والقتيبي: معناه فثمّ الله عليم يرى والوجه صلة كقوله تعالى. يُرِيدُونَ وَجْهَهُ أيّ يريدونه بالدّعاء، وقوله كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [[سورة القصص: 88.]] . أيّ إلّا هو، وقوله تعالى وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ [[سورة الرحمن: 27.]] أي ويبقى ربّك، وقوله إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [[سورة الإنسان: 9.]] أيّ لله. وقال الحسن ومجاهد وقتادة ومقاتل بن حيان: فثمّ قبلة الله أضافها إلى نفسه تخصيصا وتفصيلا، كما يقال: بيت الله، وناقَةُ اللَّهِ، والوجه والجهة والوجهة: القبلة. إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ قال الكلبي: واسع المغفرة لا يتعاظم مغفرته ذنب دليله قوله تعالى إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ [[سورة النجم: 32.]] . أبو عبيدة: الواسع الغني يقال: يعطي فلان من سعة أي من غنى قال الله لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ [[سورة الطلاق: 7.]] قال الفراء: الواسع الجواد الذي يسع عطاءه كل شيء. دليله قوله تعالى وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [[سورة الأعراف: 156.]] وقيل: الواسع العالم الذي يسع علمه كلّ شيء. قال الله وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [[سورة البقرة: 255.]] أي علمه. عَلِيمٌ بنياتهم حيثما صلّوا ودعوا، وقال بعض السّلف: دخلت ديرا فجاء وقت الصّلاة فقلت لبعض من في الدّير: دلني على بقعة طاهرة أصلي فيها. فقال لي: طهّر قلبك عمّن سواه، وقف حيث شئت. قال: فخجلت منه. وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ نزلت في يهود أهل المدينة حيث قالوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، وفي نصارى نجران حيث قالوا: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وفي مشركي العرب قالوا: الملائكة بنات الله. (سُبْحانَهُ) نزّه وعظم نفسه. بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عبيدا وملكا. كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ مجاهد وعطاء والسّدي: مطيعون دليله قوله تعالى وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ [[سورة الأحزاب: 35.]] . عكرمة ومقاتل ويمان: مقرون بالعبوديّة. ابن كيسان: قائمون بالشهادة، وأصل القنوت: القيام، وسئل رسول الله ﷺ‎ أيّ الصّلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت» [101] [[مسند أحمد: 3/ 302، وسنن الدارمي: 1/ 239 ح 385.]] ، وقيل: مصلّون دليله قوله أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ [[سورة الزمر: 9.]] وقال رسول الله ﷺ‎: «مثل المجاهد في سبيل الله مثل القانت الصائم» [102] . أيّ المصلّي [[مسند أحمد: 2/ 438، ومجمع الزوائد: 5/ 275.]] . وقيل: داعون. دليله قوله تعالى قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ [[سورة البقرة: 238.]] واختلف العلماء في حكم هذه الآية فقال بعضهم: هو خاص، ثمّ سلكوا في تخصيصه طريقين: أحدهما هو راجع إلى عزير والمسيح والملائكة، وهو قول مقاتل ويمان. القول الثاني قالوا: هو راجع إلى أهل طاعته دون النّاس أجمعين وهذا قول ابن عبّاس والفراء، وقال بعضهم: هو عام في جميع الخلق ثمّ سلكوا في الكفّار الجاحدين طريقتين أحدهما: إنّ ظلالهم تسجد لله وتطيعه، وهذا قول مجاهد دليله قوله عزّ وجلّ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ [[سورة النحل: 48.]] الآية. قال الله تعالى وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ [[سورة الرعد: 15.]] . والثاني: هذا يوم القيامة قاله السدي وتصديقه قوله تعالى: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ [[سورة طه: 111.]] . بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي مبتدعها ومنشئها من غير مثال سبق وَإِذا قَضى أَمْراً أي بيده وأراد خلقه وأصل القضاء إتمام الشيء وإحكامه. قال أبو ذؤيب: وعليهما مسرودتان قضاهما ... داود أو صنع السوابغ تبّع فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب