الباحث القرآني

سَيَقُولُ السُّفَهاءُ الجهال. مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ صرفهم وحوّلهم. عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها من بيت المقدس. نزلت في اليهود ومشركي العرب بمكّة ومنافقي المدينة طعنوا في تحويل القبلة وقال مشركوا مكّة: قد تردّد على محمّد أمره واشتاق إلى مولده ومولد آباءه قد توجّه نحو قبلتكم وهو راجع إلى دينكم عاجلا. قال الله قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ملكا والخلق عبيده يحولهم كيف شاء. يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً عدلا خيارا. تقول العرب: انزل وسط الوادي: أي تخيّر موضعا فيه، ويقال لرسول الله ﷺ‎ هو وسط قريش نسبا أي خيرهم: قال الله تعالى قالَ أَوْسَطُهُمْ [[سورة القلم: 28.]] ، أي أخيرهم وأعدلهم، وأصله هو أنّ خير الأشياء أوسطها. قال زهير: هم وسط ترضى الأنام لحكمهم ... إذا نزلت احدى الليالي بمعظم وقال الكلبي: يعني متوسطة أهل دين وسط بين الغلو والتقصير لأنّهما مذمومان في الدّين. قال ثعلب: يقال: جلس وسط القوم ووسط الدّار، وكذلك فيما يحتمل البينونة [واحتمل وسطا له] [[كلام غير مقروء وما أثبتناه هو الظاهر.]] بالفتح وكذلك فيما لا يحتمل البينونة. نزلت هذه الآية في مرحب وربيع وأصحابهما من رؤساء اليهود قالوا لمعاذ بن جبل: ما ترك محمّد قبلتنا إلّا حسدا، وإنّ قبلتنا قبلة الأنبياء، ولقد علم محمّد إنّا عدل بين النّاس. فقال معاذ: إنّا على حق وعدل. فأنزل الله وَكَذلِكَ أي وهكذا، وقيل الكاف فيه للتشبيه تقديره: وكما اخترنا إبراهيم وذريته واصطفيناهم كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً. مردودة على قوله وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا [[سورة البقرة: 130.]] الآية. لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ يوم القيامة أنّ الرّسل قد أبلغتهم. وَيَكُونَ الرَّسُولُ محمّد ﷺ‎. عَلَيْكُمْ شَهِيداً معدلا مزكّيا لكم وذلك إنّ الله تعالى جمع الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الدّاعي، وينقذهم البصر ثمّ يقول كفّار الأمم. أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ فتشكرون، ويقولون: ما جاءنا من نذير. فيسأل الأنبياء عن ذلك فيقولون: قد كذّبوا، قد بلغناهم وأعذرنا إليهم: فيسألهم البيّنة، وهو أعلم بإقامة الحجة. فيؤتى بأمّة محمّد ﷺ‎ فيشهدون لهم. إنّهم قد بلغوا. فتقول الأمم الماضية: من أين علموا بذلك وبيننا وبينهم مدة مريدة؟ فيقولون: علمنا ذلك باخبار الله أيانا في كتابه الناطق على لسان رسوله الصادق. فيؤتى محمّد ﷺ‎ فيسأل عن حال أمّته. فيزكّيهم ويشهد لصدقهم. وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها يعني التحويل عن القبلة الّتي كنت عليها وهي بيت المقدس. وقيل: معناه القبلة الّتي أنت عليها أي الكعبة كقوله كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [[سورة آل عمران: 110.]] أي أنتم. إِلَّا لِنَعْلَمَ لنرى ونميّز مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ في القبلة. مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ فيرتد ويرجع إلى قبلته الأولى هذا قول المفسرين وقال أهل المعاني: معناه إلّا لعلمنا مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ كأنّه سبق ذلك في علمه إنّ تحويل القبلة سبب هداية قوم وضلالة آخرين، وقد تضع العرب لفظ الاستقبال موضع المضي كقوله: فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ [[سورة البقرة: 91.]] أي قتلتم. وأنزل بعض أهل اللّغة: للعلم منزلتين: علما بالشيء قبل وجوده وعلما به بعد وجوده والحكم للعلم الموجود لأنّه يوجب الثواب والعقاب فمعنى قوله لِنَعْلَمَ أي لنعلم العلم الّذي يستحقّ به العامل الثّواب والعقاب وهذا على معنى التقدير كرجل قال لصاحبه: النّار تحرق الحطب، وقال الأخر: لا، فردّ عليه. هات النّار والحطب، ليعلم إنّها تحرقه أي ليتقرر علم ذلك عندك. وقوله: لنعلم تقديره ليتقرّر علمنا عندكم، وقيل معناه: ليعلم محمّد ﷺ‎ فأضاف علمه عليه السّلام إلى نفسه سبحانه تخصيصا وتفصيلا كقوله: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ [[سورة الأحزاب: 57.]] وقوله فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا [[سورة الزخرف: 55.]] ونحوهما وَإِنْ كانَتْ وقد كانت توليه القبلة وتحويلها فأنّث الفعل لتأنيث الإسم كقولهم: ذهبت بعض أصابعه وقيل: هذه الكناية راجعة إلى القبلة بعينها أراد وإن كانت الكعبة. لَكَبِيرَةً ثقيلة شديدة. إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ أي هداهم الله وقال سيبويه: (وانّ) تأكيد منه باليمين ولذلك دخلت اللّام في جوابها. وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ وذلك إنّ يحيى بن أخطب وأصحابه من اليهود قالوا للمسلمين: أخبرونا عن صلاتكم نحو بيت المقدس أكانت هدى أم ضلاله؟ فإن كانت هدى فقد تحولتم عنها وان كانت ضلالة لقد دنتم الله بها فإن من مات منكم عليها لقد مات على الضلالة. قال المسلمون: إنّما الهدى ما أمر الله تعالى به والضلالة ما نهى الله عنه. قالوا: فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا؟ وكان مات قبل أن تحوّل القبلة؟ أسعد بن زرارة من بني النجّار والبراء بن معرور من بني سلمة وكانا من النقباء ومات رجال آخرون. فانطلقت عشائرهم إلى النبيّ ﷺ‎ فقالوا: يا رسول الله قد صرفك الله إلى قبلة إبراهيم فكيف إخواننا الّذين ماتوا وهم يصلّون إلى بيت المقدس فأنزل الله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ [[سورة البقرة: 143.]] أي صلاتكم إلى بيت المقدس. إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ وفي رؤوف ثلاث قراءات: مهموز مثقّل وهي قراءة نافع وابن عامر وحفص واختيار أبو حاتم قال: لأنّ أكثر أسماء الله على فعول وفعيل. قال الشاعر: نطيع رسولنا ونطيع ربّا ... هو الرّحمن كان بنا رؤوفا وروف غير مهموز مثقّل قراءة أبي جعفر. ورؤف مهموز مخفف وهي قراءة الباقين واختيار أبي عبيد. قال جرير: ترى للمسلمين عليك حقّا ... كفعل الوالد الرءوف الرّحيم فالرأفة أشدّ الرحمة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب