الباحث القرآني

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ بالعون والنصرة. وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ نزلت في قتلى بدر مع المسلمين، وكانوا أربعة عشر رجلا منهم ثمانية من الأنصار وستّة من المهاجرين وذلك إنّ النّاس كانوا يقولون: الرّجل يقتل في سبيل الله: مات فلان، وذهب منه نعيم الدّنيا ولذّتها، فأنزل الله تعالى وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ أي هم أموات بل إنهم أحياء. بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ إنّهم كذلك قال رسول الله ﷺ‎: «إنّ أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تسرح في ثمار الجنّة، وتشرب من أنهارها، وتأوي بالليل إلى قناديل من نور معلقة تحت العرش» [7] [[مجمع الزوائد: 5/ 298، والمعجم الكبير للطبراني: 9/ 183.]] . وقال الحسن: إن الشهداء أحياء عند الله تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الرّوح والفرح، كما تعرض النّار على أرواح آل فرعون غداة وعشيا فيصل إليهم الوجع. وقال أبو سنان السّلمي: أرواح الشهداء في قباب بيض من باب الجنّة في كلّ قبّة زوجتان، رزقهم في كلّ يوم طلعت فيه الشمس نور وحوت، فأما النور: ففيه طعم كلّ ثمرة في الجنة وامّا الحوت: ففيه طعم كلّ شراب في الجنّة. قال قتادة في هذه الآية: كنّا نحدّث إنّ أرواح الشهداء تعارف في طير بيض يأكلن من ثمار الجنّة وإنّ مساكنهم السدرة المنتهى، وإنّ للمجاهد في سبيل الله عزّ وجلّ ثلاث خصال: من قتل في سبيل الله منهم صار حيّا مرزوقا، ومن غلب أتاه الله أجرا عظيما، ومن مات رزقه الله رزقا حسنا. عن النبيّ ﷺ‎ قال: «يعطى الشهيد ست خصال عند أول قطرة من دمه يكفّر عنه كل خطيئة ويرى مقعده من الجنّة ويزوّج من الحور العين ويؤمن من الفزع الأكبر ومن عذاب القبر ويحلّى بحلية الإيمان» [8] [[مسند أحمد: 4/ 200، ومجمع الزوائد: 5/ 293.]] . وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ولنختبرنّكم يا أمّة محمّد. بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ الآية، قال ابن عبّاس: الخوف يعني خوف العدو، والجوع يعني المجاعة والقحط. وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ يعني الخسران والنّقصان في المال، وهلاك المواشي وَالْأَنْفُسِ يعني الموت والقتل، وقيل: المرض وقيل: الشيب. وَالثَّمَراتِ يعني [الحوائج] ، وأن لا تخرج الثمرة كما كانت تخرج، وقال الشافعي: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ يعني خوف الله عزّ وجلّ وَالْجُوعِ صيام شهر رمضان، وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ أداء الزّكاة والصّدقات، وَالْأَنْفُسِ الأمراض، وَالثَّمَراتِ موت الأولاد لأن ولد الرجل ثمرة قلبه يدلّ عليه ما روى عبد الله بن المبارك عن حماد بن سلمه عن أبي سنان قال: دفنت ابني سنانا، وأبو طلحه الخولاني على شفير القبر جالس، فلمّا أردت الخروج أخذ بيدي فانشطني وقال: ألا أبشّرك يا أبا سنان؟ قلت: بلى. قال: حدّثنا الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب عن أبي موسى الأشعري: إنّ رسول ﷺ‎ قال: «إذا مات ولد العبد قال الله عزّ وجلّ للملائكة أقبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم فيقول: أقبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله عزّ وجلّ: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسمّوه بيت الحمد» [9] [[سنن الترمذي: 2/ 243 ح 1026، وتفسير ابن كثير: 1/ 204.]] . وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ على البلايا والرّزايا ثمّ نعتهم فقال: الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ عبيدا تجمع وملكا. وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ في الآخرة أمال نصير النّون في قوله إِنَّا لِلَّهِ، فأمال قتيبة النون واللام جميعا فخمها الباقون، وقال أبو بكر الورّاق: إِنَّا لِلَّهِ: اقرار منّا له بالملك وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ: في الآخرة إقرار على أنفسنا بالهلاك. قال عكرمة: طفى سراج النبيّ ﷺ‎ فقال: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فقيل: يا رسول الله أمصيبة هي؟ قال: نعم كل شيء يؤذي المؤمن فهو له مصيبة» [10] [[الجامع الصغير: 2/ 282 ح 6323 وفيه: ساء المؤمن، كنز العمال: 3/ 298 ح 6639.]] . قال سعيد بن جبير: ما أعطي أحد في المصيبة ما أعطي هذه الأمة يعني الاسترجاع ولو أعطي لأحد لأعطي يعقوب عليه السّلام ألّا تسمع إلى قوله في فقد يوسف يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ [[سورة يوسف: 84.]] . وقال رسول الله ﷺ‎: «من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته وأحسن عقباه، وجعل له خلفا صالحا يرضاه» [11] [[العهود المحمدية: 597، وكنز العمال: 3/ 300 ح 6650.]] . وعن فاطمة بنت الحسين عن أمّها قالت: قال رسول الله ﷺ‎: «من أصيب بمصيبة فأحدث استرجاعا وان تقادم عهدها كتب الله له من الأجر مثل يوم أصيب» [12] [[الجامع الصغير: 2/ 573 ح 8459، وكنز العمال: 3/ 264 ح 6471.]] . أُولئِكَ أي أهل هذه الصفة. عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ قال ابن عبّاس: مغفرة مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ونعمة. ابن كيسان: الصلوات هاهنا الثناء والرّحمة والتزكية وإنّما ذكر الصلاة والرحمة ومعناهما واحد لاختلاف اللفظين كقول الحطيئة: ألا حبّذا هند وأرض بها هند ... وهند أتى من دونها النأي والبعد وجمع الصلوات لأنّه عنى بها إنّها رحمة بعد رحمة. وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ إلى الاسترجاع، وقيل: إلى الجنّة والثواب. وقيل: إلى الحقّ والصّواب وكان عمر بن الخطاب إذا قرأ هذه الآية قال: نعم العدلان ونعم العلاوة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب