الباحث القرآني

كُتِبَ فرض ووجب. عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ جاء. أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ يعني اسباب الموت وآثاره ومقدماته من العلل والأمراض ولم يرد المعاينة. إِنْ تَرَكَ خَيْراً مالا، نظيره قوله وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ [[سورة البقرة: 272.]] الْوَصِيَّةُ في رفعها وجهان: أحدهما: اسم ما لم يسم فاعله وهو قوله «كُتِبَ» ، والثاني: خبر حرف الصفة، وهو اللام في قوله لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ يعني لا يزيد على الثلث ولا يوصي للغني ويدع الفقير. كما قال ابن مسعود: الوصيّة للأخل فالأخل أي الأحوج فالأحوج. حَقًّا واجبا، وهو نصب على المصدر أي حق ذلك حقا وقيل: على المفعول أي جعل الوصيّة حقا، وقيل: على القطع من الوصيّة. عَلَى الْمُتَّقِينَ المؤمنين، واختلف العلماء في معنى هذه الآية: فقال قوم: كانت الوصيّة للوالدين والأقربين، فرضا واجبا على من مات، وله مال حتّى نزلت آية المواريث في سورة النّساء. فنسخت الوصيّة للوالدين والأقربين الذين يرثون، وبقي فرض الوصيّة للأقرباء الذين لا يرثون والوالدين الذين لا يرثان بكفر أو رق على من كان له مال. فخطب رسول الله ﷺ‎ لما نزلت هذه الآية فقال: «الآن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصيّة لوارث [33] فبيّن إنّ الميراث والوصيّة لا يجتمعان» [[مسند أحمد: 4/ 186، وسنن أبي داود: 1/ 656 ح 2870.]] . فآية المواريث هي لنّا حجة وقول رسول الله ﷺ‎ هو المبيّن هذا قول ابن عبّاس وطاوس وقتادة والحسن ومسلم بن يسار والعلاء بن زياد والربيع وابن زيد. قال الضحاك: من مات ولم يوص لذي قرابته فقد ختم عمله بمعصية، وقال طاوس: من أوصى لقوم وسمّاهم، وترك ذوي قرابته محتاجين [انتزعت] منهم وردّت إلى ذوي قرابته. وقال آخرون: بل نسخ ذلك كلّه بالميراث فهذه الآية منسوخة. ولا يجب لأحد وصيّة على أحد قريب ولا بعيد. فإن أوصى فحسن، وأن لم يوص فلا شيء عليه، وهذا قول عليّ وابن عمر وعائشة وعكرمة ومجاهد والسّدي. قال شريح في هذه الآية. كان الرّجل يوصي بماله كلّه حتّى نزلت آية المواريث. وقال عروة بن الزّبير: دخل علي (رضي الله عنه) على مريض يعوده فقال: إنّي أن أوصي. فقال علي عليه السّلام: إنّ الله تعالى يقول إِنْ تَرَكَ خَيْراً وإنّما يدع شيئا يسير فدعه لعيالك إنّه أفضل. وروى أيوب عن نافع عن ابن عمر: إنّه لم يوص فقال: أمّا مالي والله أعلم ما كنت أصنع به في الخلوة وأما رباعي لن يشرك ولدي فيها أحد. وروى ابن أبي مليكة: إنّ رجلا قال لعائشة: إنّي أريد أن أوصي، قالت: كم مالك؟ قال: ثلاثة آلاف. قالت: كم عيالك؟ قال: أربعة: قالت: إنّما قال: الله تعالى إِنْ تَرَكَ خَيْراً وهذا شيء يسير فاتركه لعيالك. وروى سفيان بن بشير بن دحلوق قال: قال عروة بن ثابت للربيع بن خيثم: أوص لي بمصحفك. قال: فنظر إلى أبيه فقال: أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ. وروى سفيان عن الحسين بن عبد الله عن إبراهيم قال: ذكر لنّا إنّ زبيرا وطلحة كانا يشددان في الوصيّة. فقال: ما كان عليهما أن لا يفعلا. مات النّبيّ ﷺ‎ ولم يوصّ وأوصى أبو بكر، أي ذلك فعلت فحسن. فَمَنْ بَدَّلَهُ أي فمن غيّر الوصيّة من الأوصياء والأولياء أو الشهود. بَعْدَ ما سَمِعَهُ من الميت فإنّما ذكر الكناية عن الوصيّة وهي مؤنثة لأنّها في معنى الإيصاء لقوله فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ [[سورة البقرة: 275.]] ردّه إلى الواعظ ونحوها كثيرة. وقال المفضل: لأنّ الوصيّة قول فذهب إلى المعنى وترك اللفظ. كقول امرئ القيس. برهرهة رودة رخصة ... كخرعوبة اليانة المنقطر المنقطر: المنتفخ بالورق وهو أنعم ما يكون فذهب إلى القضيب فترك لفظ الخرعوبة. فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ وصي الميت. إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لوصاياكم. عَلِيمٌ بنيّاتكم. فَمَنْ خافَ أي خشي، وقيل: علم وهو الأجود كقوله إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ [[سورة البقرة: 229.]] . وقال ابو محجر الثقفي: فلا تدعني بالفلاة فانّني أخاف ... إذا ما متّ أن لا أذوقها أراد: أعلم. مِنْ مُوصٍ قرأ مجاهد وعطاء وحميد وابن كثير وابو عمرو وابن عامر وأبو جعفر وشيبة ونافع: بالتخفيف واختاره أبو حاتم. لقول النّاس: أوصيكم بتقوى الله. قال أبو حاتم: قرأتها بمكّة بالتشديد أوّل ليلة أقمت فعابوها عليّ. وقرأ الباقون: موصّ بالتشديد واختاره ابو عبيد كقوله: ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى [[سورة الشورى: 13.]] . جَنَفاً جورا وعدولا من الحقّ من الحقّ والجنف: الميل في الكلام والأخذ كلّها يقال: جنف وأجنف وتجانف إذا مال. قال لبيد: إنّي امرؤ منعت أرومة عامر ... ضيمي وقد جنفت عليّ خصوم [[مجمع البيان: 1/ 485.]] وقال آخر: هم أقول وقد جنفوا علينا ... وانّا من لقاءهم أزور وقال علي عليه السّلام: حيفا بالحاء والياء أي ظلما. قال الفراء: الفرق بين الجنف والحيف: أن الجنف عدول عن الشيء والحيف: حمل الشّيء حتّى ينتقصه وعلى الرّجل حتّى ينتقص حقّه. يقال: فلان يتحوف ماله أي ينتقصه منّي حافاته. وقال المفسّرون: الجنف: الخطأ، والإثم: العمد، واختلفوا في معنى الآية وحكمها فقال قوم: تأويلها من حضر مريضا وهو يوصّي فخاف أن [يحيف] في وصيته فيفعل ما ليس له أو تعمد جورا فيها فيأمر بما ليس له، فلا حرج على من حضره أن يصلح بينه وبين ورثته بأن يأمره بالعدل في وصيّته، وينهاه عن الجنف فينظر للموصي وللورثة، وهذا قول مجاهد: هذا ممّن يحضر الرّجل وهو يموت. فإذا أسرف أمره بالعدل وإذا قصّر قال: أفعل كذا أعط فلانا كذلك. وقال آخرون: هو إنّه إذا أخطأ الميت وصيّته أو خاف فيها متعمدا فلا حرج على وليه أو وصيه أو والي أمر المسلمين أن يصلح بعد موته بين ورثته وبين الموصي لهم، ويردّ الوصيّة إلى العدل والحق، وهذا معنى قول ابن عبّاس وقتادة وإبراهيم والرّبيع. وروى ابن جريج عن عطاء قال: هو أن يعطي عند حضور أجله بعض ورثته دون بعض مما سيرثونه بعد موته. فلا إثم على من أصلح بين الورثة. طاوس: [الحيف] وهو أن يوصي لبني ابنه يريد ابنه أو ولد أبنته يريد ابنته، ويوصي لزوج ابنته ويريد بذلك ابنته، فلا حرج على من أصلح بين الورثة. السّدي وابن زيد: هو في الوصيّة للآباء والأقربين بالأثرة يميل إلى بعضهم ويحيف لبعضهم على بعض في الوصيّة. فإنّ أعظم الأجر أن لا ينفذها، ولكن يصلح ما بينهم على ما يرى إنّه الحق فينقص بعضا. ويزيد بعضا. قال ابن زيد: فعجز الموصي أن يوصي لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ كما أمره الله، وعجز الوصي أن يصلح فيوزع الله ذلك منه بفرض الفرائض لذلك قال رسول الله ﷺ‎: «إنّ الله تعالى لم يوص بملك مقرب ولا نبي مرسل حتّى تولّى قسم مواريثكم» [34] . وقال فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ ولم يجر للورثة ولا للمختلفين في الوصيّة ذكر لأنّ سياق الآية وما تقدّم من ذكر الوصيّة يدلّ عليه. قال الكلبي: كان الأولياء والأوصياء يمضون وصيّة الميت بعد نزول الآية فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ الآية وإن استغرق المال كلّه ويبقى الورثة بغير شيء، ثمّ نسختها هذه الآية فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً الآية. وروى عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه: قال كنت مع رسول الله ﷺ‎ في حجة الوداع فمرضت مرضا أشرفت على الموت. فعادني رسول الله ﷺ‎ فقلت: يا رسول الله ﷺ‎ إنّ لي مالا كثيرا وليس يرثني إلّا بنت لي أفأوصي بثلثي مالي؟ قال: لا. قلت: فبشطر مالي؟ قال: لا. قلت: بثلث مالي؟ قال: نعم الثلث والثلث كثير إنك يا سعد أن تترك ولدك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون النّاس. وقال مسلم بن صبيح: أوصى جار لمسروق فدعا مسروقا ليشهده فوجده قد بذر وأكثر. فقال: لا أشهد إنّ الله عزّ وجلّ قسم بينكم فأحسن القسمة فمن يرغب برأيه عن أمر الله فقد ضلّ، أوص لقرابتك الذين لا يرثون ودع المال على قسم الله. وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله ﷺ‎: «من حاف في وصيّته ألقي في اللوى- واللوى واد في جهنّم-» [35] [[لم نجده إلا في لسان العرب: 15/ 267، وفي النهاية لابن الأثير روي: (4/ 280) من خان في وصيته.]] . شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ‎: «إن الرّجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة، فإذا أوصى حاف في وصيّته فيختم له بشر عمله فيدخل النّار، وإنّ الرّجل ليعمل بعمل أهل الشّر سبعين سنة. فإذا أوصى لم يحف في وصيته فيختم له بخير عمله. فيدخل الجنّة» [36] . ثمّ قال أبو هريرة: أقرأوا إن شئتم تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [[مسند أحمد: 2/ 278، والمعجم الأوسط: 3/ 229.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب