الباحث القرآني

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا الآية، قال أكثر المفسّرين: كانت قرية يقال لها داوردان قبل واسط وقع بها الطاعون، فخرجت طائفة هاربين من الطاعون، وبقيت طائفة فهلك أكثر من بقي في القرية، وسلّم الذين خرجوا، فلمّا ارتفع الطاعون رجعوا سالمين، فقال الذين بقوا: أصحابنا كانوا أحزم منا، لو صنعنا كما صنعوا لبقينا، ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجنّ إلى أرض نأوي بها، فوقع الطاعون من قابل فهرب عامّة أهلها فخرجوا حتّى نزلوا واديا أفيح، فلمّا نزلوا المكان الذي يبتغون فيه النجاة والحياة ناداهم ملك من أسفل الوادي وآخر من أعلاه أن موتوا فماتوا جميعا [[جامع البيان: 2/ 794.]] . وعن الأصمعي قال: لما وقع الطاعون بالبصرة خرج رجل من أهلها عنها على حمار ومعه أهله وولده وخلفه عبد حبشي يسوق حماره، فطفق العبد يرتجز وهو يقول: لن نسبق الله على حمار ... ولا على ذي منعة مطار قد يصبح الله أمام الساري فرجع الرجل بعياله لمّا سمع قوله، وروى عبد الرحمن بن عوف عن رسول الله ﷺ‎ أنه قال: «إذا سمعتم بهذا الوباء ببلد فلا تقدموا عليه، وإذا وقع وأنتم فيه فلا تخرجوا فرارا منه» [176] [[المعجم الكبير للطبراني: 1/ 131.]] . وقال الضحّاك ومقاتل والكلبي: إنما فرّوا من الجهاد وذلك أن ملكا من ملوك بني إسرائيل أمرهم أن يخرجوا إلى قتال عدوّهم، فخرجوا فعسكروا ثم جبنوا وكرهوا الموت واعتلّوا، وقالوا لملكهم: إن الأرض التي نأتيها فيها الوباء فلا نأتيها حتّى ينقطع منها الوباء، فأرسل الله تعالى عليهم الموت، فلمّا رأوا أن الموت كثر فيهم خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ فرارا من الموت، فلمّا رأى الملك ذلك قال: اللهم رب يعقوب وإله موسى قد ترى معصية عبادك فأرهم آية في أنفسهم حتّى يعلموا أنهم لا يستطيعون الفرار منك، فلمّا خرجوا قال لَهُمُ اللَّهُ: مُوتُوا، عقوبة لهم، فماتوا جميعا، وماتت دوابهم كموت رجل واحد، فأتى عليهم ثمانية أيام حتّى انتفخوا وأروحت أجسادهم، فخرج إليهم الناس فعجزوا عن دفنهم فحظروا عليهم حظيرة دون السباع وتركوهم فيها. واختلفوا في مبلغ عددهم، فقال عطاء الخراساني: كانوا ثلاثة آلاف، ابن عباس ووهب: أربعة آلاف، مقاتل والكلبي: ثمانية آلاف، أبو روق: عشرة آلاف، أبو مالك: ثلاثون ألفا، الواقدي بضعة ومائتين ألفا، ابن جريج: أربعين ألفا، عطاء بن أبي رياح: سبعين ألفا، الضحّاك: كانوا عددا كبيرا، وأولى الأقاويل بالصواب قول من قال: زادوا على عشرة آلاف، وذلك أنّ الله تعالى قال وَهُمْ أُلُوفٌ وما دون العشرة لا يقال ألوف، إنّما يقال: ثلاثة آلاف فصاعدا إلى عشرة آلاف، فمن الألوف جمع الكثير وجمعه القليل آلاف، مثل يوم وأيام، ووقت وأوقات، وألف على وزن أفعل. [وقيل:] كانوا ثلاثة آلاف [وكيسة] [[كذا في المخطوط.]] اليمان أعجمي من بني الفداحم. قالوا: فأتى على ذلك مدة وقد بليت أجسادهم وعريت عظامهم وتقطّعت أوصالهم، فمرّ عليهم نبي يقال له حزقيل بن بوري ثارم أحد خلفاء بني إسرائيل بعد موسى عليه السّلام، وذلك بأنّ القيّم بأمر بني إسرائيل كان بعد موسى عليه السّلام يوشع بن نون، ثم كالب بن يوفنا، ثم حزقيل، وكان يقال له ابن العجوز وذلك أنّ أمه كانت عجوزا فسألت الله تعالى الولد، وقد كبرت وعقمت فوهبه الله لها فلذلك قيل له: ابن العجوز [[تاريخ الطبري: 1/ 322.]] . قال الحسن ومقاتل: هو ذو الكفل لأنّه تكفل سبعين نبيّا وأنجاهم من القتل، وقال لهم: اذهبوا فإني إن قتلت كان خيرا من أن تقتلوا جميعا، فلمّا جاء اليهود وسألوا حزقيل عن الأنبياء السبعين، قال: إنهم ذهبوا ولا أدري أين هم، ومنع الله ذا الكفل من اليهود، فلمّا مرّ حزقيل على أولئك الموتى وقف عليهم فجعل يتفكر فيهم متعجبا منهم، فأوحى الله إليه: يا حزقيل تريد أن أريك آية، فأريك كيف أحيي الموتى؟ قال: نعم، فأحياهم الله. هذا قول السدي وجماعة من المفسّرين. وقال هلال بن يساف وجماعة من العلماء: بل دعا حزقيل ربّه أن يحييهم، فقال: يا ربّ لو شئت أحييت هؤلاء فعمّروا بلادك وعبدوك، فقال الله: أتحب أن أفعل؟ قال: نعم، فأحياهم. وقال عطاء ومقاتل والكلبي: بل هم كانوا قوم حزقيل أحياهم الله تعالى بعد ثمانية أيام، وذلك أنّهم لما أصابهم ذلك خرج حزقيل في طلبهم فوجدهم موتى وبكى وقال: يا ربّ كنت في قوم يحمدونك ويسبحونك ويقدّسونك ويهللونك ويكبّرونك فبقيت وحيدا لا قوم لي، فأوحى الله إليه: إني قد جعلت حياتهم إليك، فقال حزقيل: أحيوا بأمر الله، فعاشوا. وقال: وثمّت أصابهم بلاء وشدّة من الزمان فشكوا ما أصابهم وقالوا: ما لبثنا، متنا واسترحنا مما نحن فيه فأوحى الله تعالى إلى حزقيل: إن قومك قد صاحوا من البلاء وزعموا أنهم ودّوا لو ماتوا واستراحوا وأي راحة لهم في الموت، أيظنون أنّي لا أقدر أن أبعثهم بعد الموت، فانطلق إلى جبّانة كذا فإن فيها قوما أمواتا، فأتاهم فقال الله: يا حزقيل قم فنادهم، وكانت أجسادهم وعظامهم قد تفرّقت، فنادى حزقيل: أيتها العظام إنّ الله يأمرك أن تكتسي باللحم، فاكتست جميعا باللحم، وبعد اللحم جلدا ودما وعصبا وعروقا وكانت أجسادا، ثم نادى أيّتها الأرواح إنّ الله يأمرك أن تعودي في أجسادك، فقاموا جميعا وعليهم ثيابهم التي ماتوا فيها، وكبّروا تكبيرة واحدة. وروى المنصور بن المعتمر عن مجاهد أنهم قالوا حين أحيوا: سبحانك ربّنا وبحمدك، لا إله إلّا أنت، فرجعوا إلى قومهم بعد ما أحياهم الله، وتناسلوا وعاشوا دهرا يعرفون أنهم كانوا موتى، سحنة الموت على وجوههم، لا يلبسون ثوبا إلّا عاد دسما مثل الكفن حتّى ماتوا لآجالهم التي كتبت عليهم [[بطوله مع تفاوت في تاريخ الطبري: 1/ 322. 323.]] . قال ابن عباس: فإنها لتوجد اليوم في ذلك السبط من اليهود تلك الريح [[تفسير الطبري: 2/ 798.]] . قال قتادة: مقتهم الله تعالى على فرارهم من الموت، فأماتهم [عقربة] ثم بعثهم إلى بقية آجالهم ليستوفوها، ولو كان آجال القوم جاءت ما بعثوا بعد موتهم [[المصدر السابق.]] ، فذلك قوله أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا ألم تر أي ألم تخبر، ألم تعلم بإعلامي إيّاك وهو رؤية القلب لا رؤية العين فصار تصديق أخبار الله عزّ وجلّ كالنظر إليه عيانا. وقال أهل المعاني: هو تعجب وتعظيم يقول: هل رأيت مثلهم كما تقول: ألم تر إلى ما يصنع فلان؟ وكلّ لم في القرآن من قوله أَلَمْ تَرَ ولم يعاينه النبي ﷺ‎ فهذا وجهه ومعناه، وقرأها كلّها أبو عبد الرحمن السلمي أَلَمْ تَرْ بسكون الراء وهي لغة قسم من العرب لمّا حذفوا الياء للجزم توهّموا أن الراء آخر الكلمة فسكّنوها، وأنشد الفراء: قالت سليمى سر لنا دقيقا إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ واو الحال أُلُوفٌ جمع ألف، وقال ابن زيد: مؤتلف قلوبهم جعله جمع ألف مثل جالس وجلوس وقاعد وقعود حَذَرَ الْمَوْتِ أي من خوف الموت فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا أمر تحويل كقوله كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ. ثُمَّ أَحْياهُمْ من بعد موتهم إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ إلى يَشْكُرُونَ ثم حثّهم على الجهاد فقال: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ طاعة الله، أعداء الله وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ قال أكثر المفسّرين: هذا للذين أحيوا، قال الضحّاك: أمروا أن يقاتلوا في سبيل الله فخرجوا من ديارهم فرارا من الجهاد فأماتهم الله عزّ وجلّ ثم أحياهم ثم أمرهم أن يعودوا إلى الجهاد، وقال بعضهم: هذا الخطاب لأمّة محمد ﷺ‎. مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً الآية، قال سفيان: لمّا نزلت مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها قال النبي ﷺ‎: «رب زد أمتي» [177] فنزلت مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ الآية، فقال: «زد أمتي» فنزلت إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ. واختلف العلماء في معنى هذا القرض، فقال الأخفش: قوله يُقْرِضُ ليس لحاجة بالله ولكن تقول العرب: لك عندي قرض صدق وقرض سوء لأمر يأتي فيه مسرّته أو مساءته. وقال الزجاج: القرض في اللغة البلاء الحسن والبلاء السيّئ، قال أمية بن أبي الصلت: لا تخلطنّ خبيثات بطيّبة ... واخلع ثيابك منها وأنج عريانا كل امرئ سوف يجزى قرضه حسنا ... أو سيّئا أو مدينا مثل ما دانا [[البيت الأول في تاريخ الطبري: 3/ 454، والثاني في لسان العرب: 7/ 216.]] وأنشد الكسائي: تجازى القروض بأمثالها ... فبالخير خيرا وبالشرّ شرّا [[تفسير القرطبي: 3/ 239.]] وقال أيضا: ما أسلفت من عمل صالح أو سيّئ. ابن كيسان: القرض أن تعطي شيئا ليرجع إليك مثله ويقضى شبهه فشبّه الله عمل المؤمنين لله على ما يرجون من ثوابه بالقرض لأنّهم إنما يعطون ما ينفقون ابتغاء ما عند الله عزّ وجلّ من جزيل الثواب، فالقرض اسم لكل ما يعطيه الإنسان ليجازى عليه، قال لبيد: وإذا جوزيت قرضا فاجز به ... إنما يجزى الفتى ليس الجمل [[لسان العرب: 7/ 217.]] قال بعض أهل المعاني: في الآية اختصار وإضمار، مجازها: من ذا الذي يقرض عباد الله [قرضا] كقوله إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وقوله فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فأضافه سبحانه هاهنا إلى نفسه للتفضيل وللاستعطاف، كما في الحديث: إن الله تعالى يقول لعبده: استطعمتك فلم تطعمني، واستسقيتك فلم تسقني، واستكسيتك فلم تكسني، فيقول العبد: وكيف ذلك يا سيدي؟ يقول: مرّ بك فلان الجائع، وفلان العاري فلم [تعطف] عليه من فضلك، فلأمنعنّك اليوم من فضلي كما منعته. وقال أهل الإشارة: أمر الله تعالى بالصدقة على لفظ القرض إظهارا لمحبّته لعباده المؤمنين، وذلك أنه إنما يستقرض من الأحبّة، ولذلك قال يحيى بن معاذ: عجبت ممن يبقى له مال ورب العرش يستقرضه، وقال بعضهم: هذا [تلطف] من الله تعالى في المواساة والإقراض لعباده. أبو القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله ﷺ‎: «رأيت على باب الجنة مكتوبا: والقرض بثمانية عشر، والصدقة بعشر فقلت: يا جبرئيل ما بال القرض أعظم أجرا؟ قال: لأن صاحب القرض لا يأتيك إلّا محتاجا، وربّما وقعت الصدقة في غير أهلها» [178] [[كنز العمال: 6/ 211 ح 15382.]] . أبو سلمة عن أبي هريرة وابن عباس قالا: قال رسول الله ﷺ‎: «من أقرض أخاه المسلم فله بكل درهم وزن أحد وثبير وطور سيناء حسنات» [179] [[بغية الباحث: 77.]] . فمعنى الآية: من هذا الذي (مَنْ) استفهام ومحلّه رفع بالابتداء و (الَّذِي) خبره (يُقْرِضُ اللَّهَ) ينفق في طاعة الله، وأصل القرض القطع، ومنه قرض الفأر الثوب وسمّي الشعر قريضا لأنّه يقطعه من كلامه، والدّين قرضا لأنّه يقطعه من ماله. قَرْضاً حَسَناً قال علي بن الحسين الواقدي يعني محتسبا، طيّبة به نفسه. ابن المبارك: هو أن يكون المال من الحلال. عمر بن عثمان الصدفي: هو أن لا يمنّ به ولا يؤذي. سهل بن عبد الله: هو أن لا يعتقد بقرضه عوضا فَيُضاعِفَهُ يزيده لَهُ واختلف القرّاء فيه، فقرأ عاصم وابن أبي إسحاق وأبو حاتم فَيُضاعِفَهُ نصبا بالألف، وقرأ ابن عامر ويعقوب بالتشديد والنصب وبالألف، وقرأ ابن كثير وأبو جعفر بالتشديد والرفع، وقرأ الآخرون بالألف والتخفيف ورفع الفاء، فمن رفع جعله نسقا على قوله يُقْرِضُ، وقيل: فهو يضاعفه، ومن نصبه جعله جوابا للاستفهام بالفاء، وقيل: بإضمار أن والتشديد والتخفيف لغتان، ودليل التشديد قوله أَضْعافاً كَثِيرَةً لأنّ التشديد للتكثير. قال الحسن والسدي: هذا التضعيف لا يعلمه إلّا الله مثل قوله وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً وقال أبو هريرة: هذا في نفقة الجهاد، قال: وكنّا نحسب- ورسول الله ﷺ‎ بين أظهرنا- نفقة الرجل على نفسه ورفقائه وظهره ألفي ألف. وَاللَّهُ يَقْبِضُ يعني يمسك الرزق عمّن يشاء ويقتر ويضيق عليه، دليله قوله وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ أي يمسكونها عن النفقة في سبيل الله وَيَبْصُطُ أي يوسع الرزق على من يشاء، نظيره قوله وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ الآية، والأصل في هذا قبض اليد عند البخل وبسطها عند البذل. وقيل: هو الإحياء والإماتة فمن أماته فقد قبضه ومن مدّ له في عمره فقد بسط له، وقيل: وَاللَّهُ يَقْبِضُ الصدقة وَيَبْصُطُ بالخلف، وروى اليزيدي عن عمرو قال: بالصاد في بعض الروايات، وعن بعضهم كأنّه قال: هذا في القلوب، لمّا أمرهم الله بالصدقة أخبرهم أنه لا يمكنهم ذلك إلّا بتوفيقه، وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ يعني يقبض على القلوب فيزويه كيلا ينبسط لخير ويبسط بعضها فيقدّم لنفسه خيرا. وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ يعني وإلى الله تعودون فيحسن لكم بأعمالكم، وقال قتادة: الهاء راجعة إلى التراب كناية عن غير مذكور أي من التراب خلقهم وإليه يعودون، وعن ابن مسعود وأبي أمامة وزيد بن أسلم- دخل حديث بعضهم في بعض- قالوا: نزلت مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً الآية، فلمّا نزلت قال أبو الدحداح: فداك أبي وأمي يا رسول الله، إنّ الله يستقرض وهو غنيّ عن القرض، قال: «نعم، يريد أن يدخلكم الجنة» قال: فإنّي إن أقرضت ربي قرضا تضمن لي الجنة؟ قال: «نعم، من تصدّق بصدقة فله مثلها في الجنّة» ، قال: فزوجي أم الدحداح معي؟ قال: نعم قال [وصبيان] الدحداح معي؟ قال: نعم، قال: ناولني يدك فناوله رسول الله ﷺ‎ يده فقال: إنّ لي حديقتين إحداهما بالسافلة والأخرى بالعالية، والله لا أملك غيرهما وجعلتهما قرضا لله عزّ وجلّ، فقال رسول الله ﷺ‎: «اجعل إحداهما لله عزّ وجلّ والأخرى معيشة لك ولعيالك» قال: فأشهدك يا رسول الله أني جعلت غيرهما لله تعالى وهو حائط فيه ستمائة نخلة، قال: «يجزيك الله إذا به بالجنة» . فانطلق أبو الدحداح حتّى أتى أم الدحداح وهي مع صبيانها في الحديقة تدور تحت النخل فأنشأ يقول: هداك ربي سبل الرشاد ... إلى سبيل الخير والسداد قرضي من الحائط لي بالواد ... فقد مضى قرضا إلى التناد أقرضته الله على اعتماد ... بالطوع لا منّ ولا ارتداد إلّا رجاء الضعف في المعاد ... فارتحلي بالنفس والأولاد والبرّ لا شك فخير زاد ... قدّمه المرؤ إلى المعاد قالت أم الدحداح: ربح بيعك، بارك الله لك فيما اشتريت، فأنشأ أبو الدحداح يقول: مثلك أجدى ما لديه ونصح ... إن لك الحظ إذا الحق وضح قد متّع الله عيالي ومنح ... بالعجوة السوداء والزهو البلح والعبد يسعى وله ما قد كدح ... طول [الليالي] وعليه ما اجترح ثم أقبلت أم الدحداح على صبيانها تخرج ما في أفواههم وتنفض ما في أكمامهم حتّى أفضت إلى الحائط الآخر فقال النبي ﷺ‎: «كم من عذق رداح، ودار فياح في الجنة لأبي الدحداح» [180] [[تفسير القرطبي: 3/ 238، وانظر التفاوت فيه.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب