الباحث القرآني

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً الآية. مجاهد عن ابن عباس قال: كان عند عليّ بن أبي طالب- كرّم الله وجهه- أربعة دراهم لا يملك غيرها، فتصدق بدرهم سرّا، ودرهم علانيّة، ودرهم ليلا ودرهم نهارا، فنزلت الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ الآية [[معاني القرآن للنحاس: 1/ 305، وأسباب النزول للواحدي: 58.]] . وعن يزيد بن روان قال: ما نزل في أحد من القرآن ما نزل في علي بن أبي طالب رضي الله عنه. أبو صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ‎: «يسبق الدرهم مائة ألف» قالوا: يا رسول الله وكيف يسبق الدرهم مائة ألف؟ قال: «رجل له درهمان فأخذ أحدهما وتصدّق به، ورجل [ ... ] [[غير مقروءة في المخطوط.]] فأخرج من غرضها مائة ألف فتصدّق بها» [[كنز العمال: 6/ 360 ح 16059 بتفاوت يسير.]] . وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس، قال: لما أنزل الله عزّ وجلّ لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الآية، بعث عبد الرحمن بن عوف بدنانير كثيرة إلى أصحاب الصفة حتّى أغناهم، وبعث عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في جوف الليل بوسق من تمر- والوسق ستون صاعا- وكان أحب الصدقتين إلى الله عزّ وجلّ صدقة عليّ رضي الله عنه فأنزل الله فيهما الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ الآية، فعنى بالنهار عَلانِيَةً صدقة عبد الرحمن بن عوف وبِاللَّيْلِ ... سِرًّا صدقة عليّ رضي الله عنه [[راجع زاد المسير: 1/ 285.]] . وقال أبو امامة وأبو الدرداء ومكحول والأوزاعي ورباح بن يزيد: هم الذين يمتطون [[في أسباب النزول: يرتبطون.]] الخيل في سبيل الله ينفقون عليها بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً، نزلت فيمن لم يرتبط الخيل تخيلا ولا افتخارا، يدلّ عليه ما روى سعيد بن سنان عن يزيد بن عبد الله بن غريب عن أبيه عن جدّه عن النبيّ ﷺ‎ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً قال: «نزلت في أصحاب الخيل» . قال غريب: والجن لا يقرب بيتا فيه عتيق من الخيل، ويروى أنه أشار إلى بعض خيل كانت في الخيانة فأشار إلى عتاق تلك الخيل فقال: هؤلاء الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ. الآية. وعن حبس بن عبد الله الصنعاني أنّه قال: حدّث ابن عباس في هذه الآية: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فقال: في علف الخيل [[أسباب النزول للواحدي: 57.]] . وعن أبي سريح عمّن حدّثه عن أبي الفقيه أنّه قال: من حبس فرسا كان ستره من النار، [وسقطت منه حسنة] [[تفسير الدر المنثور: 3/ 196.]] ، وكان أبو هريرة إذا مرّ بفرس سمين تلا هذه الآية، وإذا مرّ بفرس أعجف سكت. شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله ﷺ‎: «من أرتبط فرسا في سبيل الله فأنفق عليه احتسابا، كان شبعه وجوعه وريّه وظمؤه وبوله وروثه في ميزانه يوم القيامة» . عبد الرحمن بن يزيد عن جابر عن مكحول قال: قال رسول الله ﷺ‎ «المنفق في سبيل الله على فرسه كالباسط كفّيه بالصدقة» [201] [[أسباب النزول: 57، ومسند أحمد: 6/ 458.]] . فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ قال الأخفش [ ... ] [[غير مقروءة في المخطوط.]] : إنّه جعل الخبر بالفاء إذا كان الاسم الذي وصل به [ ... ] [[غير مقروءة في المخطوط.]] ، لأنّه في معنى من وجواب من بالفاء في الجزاء، ومعنى الآية: من أنفق فله أجره. عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا ومعنى الربا: الزيادة على أصل المال في غير بيع يقال: ربي الشيء إذا زاد، وأربى عليه و [عامل] عليه إذا زاد عليه في الربا. قال عمر رضي الله عنه: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلّا مثل بمثل، ولا تبيعوا الورق بالورق إلّا مثل بمثل، ولا تبيعوا الذهب بالذهب أحدهما غائب والآخر حاضر، وإن استنظرك حتّى يلج بيته فلا تنظره إلّا يدا بيد هات وهذا أني أخاف عليكم الربا [[المجموع لمحيي الدين النووي: 10/ 73.]] . قالوا: وقياس كتابته بالياء لكسرة أوّله، وقد كتبوه في القرآن بالواو. قال الفراء: إنّما كتبوه كذلك لأنّ أهل الحجاز تعلّموا الكتابة من أهل الحيرة ولغتهم الربوا، فعلّموهم صورة الحرف على لغتهم فأخذوه كذلك عنهم. وكذلك قرأها الضحاك [الربوا] بالواو. وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة مكان كسرة الراء. وقرأ الباقون بالتفخيم بفتحة الباء، قالوا: اليوم فأنت فيه [بالخيار إن شئت] كتبته على ما في المصحف موافقة له، وإن شئت بالياء وإن شئت بالألف. ومعنى قوله الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا [يأكلونه] حق الأكل لأنّه معظم الأمر. والربا في أربعة أشياء: الذهب، والفضّة، والمأكول، والمشروب. فلا يجوز بيع بعضها ببعض إلّا مثلا بمثل ويدا بيد، وإذا اختلف الصنفان جاز التفاضل في النقد وحرّم في النسيئة، ولا يجوز صاع بر بصاعين لا نقدا ولا نسيئة لأنّهما جنس واحد، وكذلك الذهب بالذهب مثقال باثنين لا نقدا ولا نسيّة، وكذلك الفضّة بالفضّة، وكذلك صاع بر بصاعين شعير وصاع شعير بصاعين بر نقدا ولا يجوز نسيئة. ويجوز مثقال بعشرين درهما أو أقل أو أكثر نقدا ولا يجوز نسيئة، وجماع ما شايع الناس عليه ثلاثة أشياء: أحدهما: ما يعتدي به ممّا كان مأكولا أو مشروبا. والثاني: ما كان ثمنا للأشياء وقيمة للمتلفات وهو الذهب والفضّة فهذان فيهما الربا فلا يجوز بيع شيء متفاضلا نقدا ونسيئة، والصنف الثالث: ما عدا هذين مما لا يؤكل ولا يشرب ولا يكون ثمنا، فلا ربا فيه فيجوز بيع بعضه ببعض متفاضلا نقدا ونسيئة. فهذا جملة القول فيما فيه الربا على مذهب الشافعي. وقال مالك: كلّ ثمن أو يقتات أو ما يصلح به القوت فهو الذي فيه الربا [[راجع المغني: 4/ 127.]] . وقال أهل العراق: كلّ مكيل أو موزون فيه الربا. وقال أهل الحجاز ما روي محمد بن سيرين عن مسلم بن يسار وعبد الله بن عبك قالا: جمع المنزل بين عبادة بن الصاحب ومعاوية، فقال عبادة: نهانا رسول الله ﷺ‎ عن بيع الذهب بالذهب والورق بالورق والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر، وقال أحدهما: والملح بالملح، وقال الآخر: إلّا مثلا بمثل ويدا بيد، وأمرنا أن نبيع الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر ويدا بيد كيف شئنا. قال أحدهما: فمن ناد أو ازداد فقد أربى. قوله تعالى: لا يَقُومُونَ يعني يوم القيامة من قبورهم إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ أي يصرعه ويخبطه الشَّيْطانُ وأصل الخبط الضرب والوطء ويقال ناقة خبوط، التي تطأ الناس وتضرب بقوائمها الأرض. قال زهير: رأيت المنايا خبط عشواء من تصب ... تمته ومن تخطي يعمر فيهرم [[لسان العرب: 7/ 281.]] مِنَ الْمَسِّ الجنون. يقال: مسّ الرجل وألس فهو ممسوس ومالوس، إذا كان مجنونا، وأصله مسّ الشيطان إياه. ومعنى الآية: إنّ آكل الربا يبعثه الله يوم القيامة مجنونا [] [[غير مقروءة في المخطوط.]] وذلك علامة أهل الربا يبعثون وفيهم خبل من الشيطان. قاله قتادة. أبو هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله ﷺ‎ في قصّة الإسراء، قال: «فانطلق بي جبرائيل إلى رجال كثير كلّ رجل منهم بطنه مثل البيت الضخم متصدّين على سابلة آل فرعون وآل فرعون يعرضون على النار غُدُوًّا وَعَشِيًّا. قال: فيقبلون مثل الإبل المنهومة يخبطون الحجارة [لا يسمعون ولا يعقلون] فإذا أحسّ بهم أصحاب تلك البطون قاموا فتميل بهم بطونهم فيصرعون، ثم يقوم أحدهم فتميل بطنه فيصرع فلا يستطيعون أن يبرحوا حتّى يغشاهم آل فرعون فيطؤونهم مقبلين ومدبرين فذلك عذابهم في البرزخ بين الدنيا والآخرة» . قال: «وآل فرعون يقولون اللهمّ لا تقم الساعة أبدا قال: ويوم يقال لهم: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ [[سورة غافر: 46.]] قال: قلت: يا جبرائيل من هؤلاء؟ قال: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ» [[تفسير القرطبي: 3/ 355.]] . حمّاد بن سلمة عن عليّ بن زيد عن أبي الصلت عن أبي هريرة إنّ رسول الله ﷺ‎ لما أسري به رأى في السماء رجالا بطونهم كالبيوت فيها الحيّات ترى خارج بطونهم فقلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا أي ذلك الذي نزل بهم لقولهم هكذا واستحلالهم إياه. وذلك إنّ أهل الجاهليّة كان أحدهم إذا أجلّ ماله على غريمه فطالبه بذلك يقول الغريم لصاحب الحقّ: زدني في الأجل وامهلني حتّى أزيدك في مالك فيفعلان ويقولان: سواء علينا الزيادة في أوّل البيع بالربح أو عند محل المال لأجل التأخير. فكذّبهم الله تعالى فقال: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ تذكير وتخويف. قال السدي: أمّا الموعظة فالقرآن، وإنّما ذكر الفعل لأنّ الموعظة والوعظ واحد. وقرأ الحسن: فمن جاءته موعظة كقوله يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ [[سورة يونس: 57.]] . مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى من أكل الربا فَلَهُ ما سَلَفَ أي ما مضى من ذنبه قبل النهي فهو مغفور له وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ يعني النهي إن شاء عصمه حتّى يثبت على الانتهاء وان شاء خذله حتّى يعود، وقيل: وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ فيما يأمره وينهاه ويحلّ له ويحرّم عليه وليس إليه من أمر نفسه شيء. وفيه يقول محمود الورّاق: إلى الله كلّ الأمر في كلّ خلقه ... وليس إلى المخلوق شيء من الأمر وَمَنْ عادَ بعد التحريم والموعظة إلى أكل الربا مستحلّا له فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ أبو سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ‎: «الربا سبعون بابا أهونها عند الله كالذي ينكح أمّه» [202] [[المنقى من السنن المسندة لابن الجارود النيسابوري: 163 بتمامه، وكنز العمال: 4/ 108 ح 9774 بتفاوت يسير.]] . وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن عبد الله بن مسعود قال: لعن رسول الله ﷺ‎ آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهده [[سنن أبي داود: 2/ 110 ح 3333.]] . الحسن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ‎: «إذا أراد الله بقرية هلاكا أظهر فيهم الربا» [[كنز العمال: 4/ 104 ح 9751.]] . يَمْحَقُ اللَّهُ أي ينقصه ويهلكه ويذهب ببركته وإن كان كثيرا كما يمحق القمر. وعن عبد الله بن مسعود رفعه إلى النبيّ ﷺ‎ قال: «إنّ الربا وإن كثر فإن عاقبته إلى قلّة» [203] [[فتح الباري: 8/ 152.]] . وروي جويبر عن الضحاك عن ابن عباس: يَمْحَقُ اللَّهُ يعني لا يقبل منه صدقة ولا جهاد ولا حجّا ولا صلة. وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ أي يزيدها ويكثرها ويبارك فيها في الدنيا ويضاعف الأجر والثواب في العقبى وإن كانت قليلة، قال عزّ من قائل: فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً [[سورة البقرة: 245.]] . القاسم بن محمد قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله ﷺ‎: «إنّ الله عزّ وجلّ يقبل الصدقات ولا يقبل منها إلّا الطيّب ويأخذها بيمينه ويربيها كما يربّي أحدكم مهره أو [فصيله] حتّى أن اللقمة لتصير مثل أحد» [[مسند الشاميين: 3/ 115.]] وتصديق ذلك في كتاب الله عزّ وجلّ: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ [[سورة التوبة: 104.]] . يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ قال يحيى بن معاد: لا أعرف حبّة تزن جبال الدنيا إلّا الحبّة من الصدقة وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ بتحريم الربا مستحل له أَثِيمٍ [متماد في الإثم] [[زيادة عن تفسير الطبري: 19/ 153.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب